كتب وليد شقير في نداء الوطن:
قال رئيس الجمهورية ميشال عون كلمته في اتفاق الطائف من دون أن يسميه حين أعلن أن “السلطة الحالية توافقية بثلاثة رؤوس، وبالتالي من الصعب أن تحكم… متوقعاً نهاية حقبة معيّنة تخطى عمرها الـ30 سنة، وباتت تحتاج الى تغيير”، ثم رد عليه رئيس البرلمان نبيه بري في اليوم التالي مذكِّراً بأن “هناك أكثر من 75 قانوناً لم تطبق لا في هذا العهد ولا في العهود التي سبقته منذ إقرار الطائف عام 1989 ومعروف من لم يؤيّده ولم يطبّق لا القانون ولا الدستور”، مشيراً إلى معارضة الرئيس عون للاتفاق.
كل من الرئيسين أنحى باللائمة على الآخر وإن من دون تسمية، ولخصا المشكلة في الموقف من اتفاق الطائف.
لكن الرئيس عون نسي أن عهده جعل الحكم في البلاد بأربعة أو خمسة رؤوس، لا ثلاثة فقط، وأن الممارسة خلاله أدخلت تارة الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله إلى نادي الرؤساء، وأخرى صهره النائب جبران باسيل بتسليمه ختم الرئاسة في الكثير من الحالات فعطل تطبيق الدستور إلى أن يتحقق ما يريده، وساهم في تقويض التوازن الذي صنعه اتفاق الطائف.
أما بري فمن المؤكد أنه لم يفته أن حليفه الأقرب “حزب الله”، “معروف” هو الآخر بأنه ليس مع الطائف، وأنه لم يكن لينفي وقوفه ضد هذا الاتفاق في محطات نادرة جداً، لولا نصائح بري نفسه بضرورة أن يتبرأ من هذه التهمة. وحين استجاب للنصيحة كان يعتمد على الفريق الرئاسي أن ينوب عنه في ارتكابها.
واتفاق الطائف هو واحد من نقاط التمايز الرئيسة غير المعلنة بين بري وحركة “أمل” من جهة وبين نصر الله و”الحزب” من جهة ثانية. اقتضت أولوية وحدة الطائفة في الحقبة السياسية الممتدة على قرابة عقدين، التغاضي عن التنكر العملي وبالممارسة، لوثيقة الوفاق الوطني، من قبل الحليف، حفاظاً على وحدة الثنائي وتلاحم قطبيه، إزاء مخاطر ارتدادات ممارسات “الحزب” عليهما سوياً، على رغم أن هذه الارتدادات يتحملها أحد القطبين أي بري، من دون أن يكون مسبباً لمعظمها أو مقتنعاً بالجزء الأكبر من تلك الممارسات التي مصدرها “الحزب”… مع أن بري قَبِل في مرحلة الوصاية السورية بصيغة الترويكا المناقضة لجوهر النظام البرلماني الديموقراطي وفصل السلطات.
لامس الرئيسان في مداخلة كل منهما أمام مجلس نقابة المحررين، عون يوم الثلثاء، وبري الأربعاء، قضية جوهرية عاد الحديث عنها بقوة في الآونة الأخيرة: هل المشكلة في صيغة الطائف ودستوره، أم في سوء وعدم تطبيقه؟ فالمسألة تطرح في الداخل والخارج، مع الجنوح عند معارضي الاتفاق نحو استبداله بصيغة أخرى، لا سيما أن الفريق الرئاسي تباهى خلال سنوات العهد ببذل جهد واضح من أجل تعديله بالممارسة لاستعادة صلاحيات الرئاسة عن طريق الرئيس “القوي”. إلا أن قوة الفريق الرئاسي هذه لم تنشأ من قدراته الذاتية حتى لو تمتع بصفة الأوسع تمثيلاً مسيحياً، بل استمدها من حلفه مع “حزب الله” الذي أتى بعون إلى الرئاسة أصلاً من أجل الارتكاز إلى الرئاسة في تسخيرها لأجندة المحور الذي ينتمي إليه.
هذا فضلاً عن أنها قوة ساهمت في توفيرها له التسوية الرئاسية التي سقطت بخروج الزعيم السني الأقوى رئيس تيار “المستقبل” سعد الحريري منها، متمنياً لو لم تكن، مثلما فعل رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع نادماً عليها هو الآخر.
لم يبقَ من قدرة لدى الفريق الرئاسي سوى تحالفه العميق مع “حزب الله” لتغيير الطائف، تحت وطأة الأزمة الاقتصادية المعيشية الخانقة وضغوطها. وإذا كانت نقاط التوافق بين هذين الحليفين تراجعت وتناقصت، فإن الرغبة في تقويض الطائف تبقى واحدة من النقاط التي تجمعهما، إضافة إلى مصلحتهما في التحالف في الانتخابات المقبلة. لكن هذه الرغبة أخذت تلقى رفضاً خارجياً واسعاً، بدليل تشديد البيان المشترك الفرنسي السعودي في 4 كانون الأول على التزام الطائف “المؤتمن على الوحدة الوطنية”، وتأكيد الفاتيكان ألا بديل عن هذا الاتفاق في الظرف الراهن، داعياً بذلك بعض الرموز المسيحية إلى العودة عن طموحات تعديله.