شهدت الفترة الأخيرة زيارات مكوكية لعدد من كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين الإسرائيليين إلى الولايات المتحدة الاميركية. فقد زار رئيس الموساد ديفيد بارنيع واشنطن أكثر من خمس مرات في أقل من شهرين، كما زارها رئيس الحكومة نفتالي بينيت ووزير الدفاع بيني غانتس وغيرهما من المسؤولين وعقدوا اجتماعات مع مسؤولين في الادارة الاميركية والكونغرس والبنتاغون ومجلس الامن القومي والمستشار الامني للرئيس الاميركي جو بايدن. وطغى الملف النووي الايراني على مجمل اللقاءات، انطلاقا من رفض اسرائيل حصول ايران على السلاح النووي بعدما تبين ان المماطلة الايرانية في المفاوضات تهدف الى إنجاز البرنامج النووي، إلا ان أوساطاً أمنية تتخوف من المشاورات الاميركية – الاسرائيلية المكثفة في الآونة الأخيرة والتي قيل انها تجر لمرحلة التغيير في المنطقة. فما الذي يُحاك بين تل أبيب وواشنطن؟
السفير السابق في واشنطن رياض طبارة يقول لـ”المركزية”: “الامر الوحيد الذي تهتم به اسرائيل بشكل علني هو متابعة المفاوضات النووية، خاصة وأنها تخشى ان تقوم الولايات المتحدة بتنازلات. في الوقت الحاضر ايران تأخذ وقتها على اساس انها تملك ترفه لتحصل على ما تطالب به، لكن بايدن “محشور” ويريد إنجاز الاتفاق النووي بأسرع وقت ممكن، لأن شعبيته بلغت أدنى مستوياتها لدرجة فاقت توقعاته وما زالت تتدنى. لذلك، تخشى اسرائيل ان تستغل طهران هذا الامر او ان يقوم بايدن بتنازلات فقط من أجل الحصول على اتفاق، تعتقد تل أبيب أنه قد يشكل خطراً على أمنها”، معتبراً “ان اسرائيل مع موقف الولايات المتحدة الاصلي، والذي يقول بتوسيع الاتفاق ليشمل الصواريخ وعلاقة ايران مع جيرانها وحلّ الميليشيات، لكن يظهر ان واشنطن تقدم تنازلات إضافية يوماً بعد يوم، وبايدن يريد الاتفاق بأي ثمن. لذلك، تحاول اسرائيل شد عصب بايدن، لتتأكد بأنه لن يقوم بتنازلات على حسابها او على حساب البرنامج النووي الايراني الذي تخاف منه. هذا هو الامر الوحيد المطروح على الطاولة بينهما، أما اذا كان ثمة أمور أخرى تُطرح تحت الطاولة بين المخابرات الاسرائيلية والاميركية فهذا أمر آخر من الصعب معرفته”.
لكن اسرائيل تهدد بضرب ايران، وهناك اطراف تقول ان رفع العقوبات على ايران سيقويها، وقد ننجر في كل الاحوال الى حرب، يجيب طبارة: “هذا ما تخاف منه اسرائيل، ان تقدم الولايات المتحدة تنازلات وخاصة في قضايا العقوبات على البنك المركزي والحرس الثوري، الامر الذي يطالب به الايرانيون. صحيح ان ايران تطالب برفع كل العقوبات قبل التوقيع على اي اتفاق جديد، لكن الاساس هو البنك المركزي والحرس الثوري وهذ ما يخيف اسرائيل، الامر الذي سيسمح لايران، في حال حصوله، بالتعامل بالدولار. كما ان رفع العقوبات عن الحرس الثوري، الذي يسيطر على قسم كبير من الاقتصاد الايراني، سيحرر طهران من الكثير من القيود ويعطيها مردوداً كبيراً يمكّنها من إنفاقه على الميليشيات والتسلّح. وبالتالي، تقوم اسرائيل بالتهديد بضرب المفاعل النووي في ايران، هذا كله يدخل في إطار شد العصب وتهديد الولايات المتحدة كي لا تقوم بتنازلات”.
هل من بوادر حرب او مواجهات مع ايران ام ان ايران تماطل للحصول على اكبر قدر من المكاسب، يقول طبارة: “في المفاوضات تصل الامور الى حافة الهاوية وبعدها يتراجع الاطراف المعنيون، هذه من ضمن تكتيك المفاوضات. فعندما تصل الامور الى الذروة وينحشر الطرفان او يكتشفان أنها ستؤدي الى حرب او مواجهات يتراجع كل منهما خطوة. وهذا ما نشهده اليوم، لكن لا اتصور ان الحرب ستكون لمصلحة اي جهة، وهي الخيار الأخير وتقع عند الوصول الى حال اليأس فقط. فعندما تيأس اسرائيل قد تدخل حربا، لكنها ستدفع الثمن غالياً وكذلك ايران، في حين ان الولايات المتحدة لا تريد حربا، وبالتالي، فإن الحديث عن الحرب بهذه السهولة ليس في محله. الحرب آخر الطريق ولم نصل إليها بعد”.