Site icon IMLebanon

المرتضى: نريد للبنان أن يعود جامعة الشرق

زار وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى مكتبة بعقلين، إحياء لذكرى رحيل الفنان التشكيلي عماد أبو عجرم، بحضور فاعليات سياسية واجتماعية وثقافية وعائلة الراحل.

واستهل المرتضى كلمته بالقول المأثور: “من فتح مدرسة أغلق سجنا، إنه مثل تناقلته الأجيال واللغات، بألفاظ شتى وتعابير متنوعة، في دلالة على أن العلم نور يضىء دروب الخير ويبعد المرء عن السوء المفضي إلى الجريمة فالعقاب فالسجن. وحدها بعقلين قلبت الصورة، معلولا على علة أو نتيجة على سبب وجعلت ما كان مثلا مأثورا مثالا منظورا حين أغلقت سجنَها وحولَته إلى المكتبة التي نجلس فيها الآن”.

وأضاف: “ما كان هذا ليكون لولا تجذر الفكر في الشوف اللبناني وتمدده في شرايين الوطن والعروبة، منذ اليازجيين والبساتنة في القرن التاسع عشر، كي لا أعود إلى ما قبله، حتى المعلم الشهيد كمال جنبلاط، وتلامذته الذين اقتدَوا به سيرة ومسيرة، ومنهم الفنان الدكتور عماد أبو عجرم الذي نحيي اليوم الذكرى السنوية الأولى لرحيله.  ومع أني أخالف قليلا أمير الشعراء أحمد شوقي على قوله: وقد يموت كثير لا تحسهم كأَنهم من هوان الخطب ما وجدوا، وذلك إيمانا مني بأنَ كل خطْب عند أصحابه جليل، وكل نفس ذائقة الموت غالية عند ربّها واهلها، لكن الحقيقةَ الموضوعية والتاريخية اثبتت على مر العصور أن الخسارات ليست سواسية، بل تتفاوت تأثيرا على مجرى الحياة، وأن أعظمها خسارة المثقف والمبدع في أيِ صنف من صنوف المعرفة. وفي هذا المعنى يقول الإمام علي: “إذا مات العالم، ثلم في الإسلام ثلْمة لا يسدها شيء إلى يوم القيامة”. قاعدة أرادها سلام الله عليه منطبقة على الفقه، لكنها تنطبق أيضا على الأدب  والفن وسائر المعارف الإنسانية، وبها يصير موت المبدعين نكبة لا لأهل فقط، بل للبلاد والحضارة أيضا”.

وتطرق المرتضى إلى “ماهية الفن التشكيلي عند أبو عجرم  والتزامه القضية الفلسطينية”، وقال: “عماد أبو عجرم من رعيل تشرب الشوف، تراثا وطبيعة وإنسانا ووشائج انتماء. ورغم ولادته وسكنه في بيروت، فإنه حمل في ألوانه جمالات القرى الشوفية وسحنات فلاحيها وعطفات دروبها الموصلة إلى القلوب قبل البيوت. فنان تشكيلي تماهى في ريشته المكان والحنين، حتى غدت لوحاته ألسنة ناطقة بهذا الشغف الريفي الذي استولى على جميع أعماله، ذلك أن التزامه الفكري قاده إلى وجوه البسطاء قضية وإلى الحوار مع الأرض فنَ حياة، فأثبت أن العالميةَ انغراس في الذات واكتناه لما حولَها قبل كل شيء. ولعل لوحتَه الشهيرة الفلاح اللبناني عنوان لمذهبه الفني الذي ترتبط فيه الرؤية بالرؤيا. هذه اللوحة تذكرني كلما نظرت إليها بلوحة أخرى للفنان مصطفى فروخ، نقل فيها بالألوان المائية وجها حقيقيا لفلاحٍ كوراني، كان التقاه في إحدى زياراته للأديب العظيم فؤاد سليمان في قريته فيع بقضاءِ الكورة. أنا لا أعرف إن كان عماد أبو عجرم أخذ لوحته عن وجه إنسان ما، شأنَ مصطفى فروخ، لكنني أوشك أمام اللوحِ العجرمية أن أقبض بكلتا يدي على أَمارات العزم والمروءة التي تتقطّر من تجاعيد فلاحها”.

وأردف: “لن أعدد المعارض الشخصية والمشتركةَ التي أقامها ولا الجوائز المحلية والعالمية التي نالَها، فإن المقام يضيق بالتعداد، ولكن بحسبي أن أشير إلى أنه لم يكتف في لوحاته بأن يحمل طبيعةَ لبنان وتراثَه النهضوي والاجتماعي إلى أصقاعِ الأرض، بل كان أيضا ريشة لاهجة بقضية فلسطين، ولوحات تنبض بنضالات شعبِها. ويقتضي علينا أن نجعل فلسطين في صلب كل حدث وكل فعالية فنية أو ثقافية، فما من شاردة وواردة، إلا ولفلسطين علاقة بها وما من جهد صادق، إلا وهو مفتوح على جراحاتها وآلامها. وهذا إرث معروفي عروبي لحمته مكافحة الظلم وسداه التشبث بالحق، ونتيجته الحتمية انتصار الحق والعدل على الظلم والظالمين”.

ودعا إلى “التفكير في طاولة حوار ثقافية”، وقال: “رددت كثيرا في خطاباتي بمناسبات عدة أن الثقافة، فكرا وسبيل عيش، عنوان للبنان الذي نريد له أن يعود على هذا الصعيد كما كان جامعة الشرق ومكتبته ومعرضه ومسرحه وفضاء حريته في التعبير والمعتقد، ضمنَ الأطر الدستورية والقانونية التي تنتظم تحتها هذه الفنون والحريات. وهذا أمر لن يتم ما لم نستعد أولا عافيتنا الاقتصادية وسلامنا الاجتماعي وسيادتنا السياسية. وإذا كان اللبنانيون مجمعين على هذه المبادئ، فهم في الوقت نفسه مختلفون حول مضامينها، بحيث ينبغي لنا التفكير في طاولة حوار ثقافية يتدارس فيه أهل الاختصاص علميا معاني هذه المصطلحات ومديات تطبيقها في نظامنا السياسي. إنها فكرة أطلقها من هنا، من مكتبة بعقلين، في هذه المناسبة الثقافية التي، وإن شابها حزن الرحيل، تؤكد أن الجبل  الذي كان في الماضي نواة قيام هذا الوطن مؤهل بطبيعته لأن يكون نواة قيامة لبنان الجديد”.

وختم المرتضى: “رحم الله الدكتور عماد أبو عجرم الباقي حيا في ضمير الفن الأصيل، ودمتم رسلا للفكر والثقافة والوحدة الوطنية”.