كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في الراي الكويتية:
بمقدار ما يشكّل إعطاء الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش لزيارتِه التي يبدأها اليوم لبيروت عنوان «التضامن مع اللبنانيين الذين يعانون منذ فترة طويلة» وتشديد البيت الأبيض على «أننا لا نريد رؤية دولة فاشلة في لبنان»، مؤشراً إلى الاهتمام الدولي العالي بالواقع في «بلاد الأرز»، فإنه يعكس في الوقت نفسه درجةَ المخاطر الأعلى التي بلغها الوطن الصغير في تقلّبه على «جمر» الانهيارات الشاملة وتَدَحْرُجه في «جهنم» فقدت السلطة أي قدرة على الإمساك ولو بـ «حبْل نجاة» واحد منها، في ظلّ إمعانها في «التقاتل» السياسي فوق حطامِ بلدٍ زُجّ في «ممر الفيلة» الاقليمي.
وفي حين شكّل «ناقوس الخطر» الذي قرعه غوتيريش في رسالةٍ وجهها الى اللبنانيين عشية زيارة الثلاثة أيام من أن هذه «ربما آخر لحظة ممكنة» أمام الزعماء السياسيين للاتحاد ووضْع البلاد على «المسار الصحيح»، أقوى تعبير عن المنزلق الذي ينتظر لبنان بحال تمادى مسؤولوه في لعبة «وبعدي الطوفان»، فإن هذا الموقف اكتسب دلالات أكبر لتقاطُعه مع موقفٍ أميركي بارز، أحيا التنسيق بين واشنطن وباريس بإزاء الوضع اللبناني الذي كانت فرنسا «تَشاركْت» مع المملكة العربية السعودية قبل نحو أسبوعين في رسْم إطارٍ سياسي – إصلاحي شَرْطي لأي دعمٍ لمسارٍ الإنقاذ يرتكز في شقه السياديّ على قرارات مجلس الأمن الناظمة لموضوع سلاح «حزب الله» وهو ما بات بعد أيام خريطة طريق خليجية واحدة صارت تحكم معالجة أزمة بيروت مع دول مجلس التعاون.
وعلى عكس «طمأنة» رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى أن «ثمة قراراً دولياً بعدم سقوط لبنان وبوقف تردي الأوضاع واستمرار الانهيار الحاصل» وأن «هناك مظلة خارجية وداخلية تحمي عمل الحكومة»، فإنّ مضامين مواقف الأمين العام للأمم المتحدة و«شحذ» البيت الأبيض مجدداً «سيف العقوبات على مسؤولين لبنانيين» اعتُبرت إشارةً واضحة من المجتمع الدولي إلى أن «الترياق» في أيدي اللبنانيين وأن الحلّ يبدأ بأن «ساعِدوا أنفسكم كي نساعدكم»، وسط ملاحظة أوساط واسعة الاطلاع أن مهمة غوتيريش التضامنية و«جرس الإنذار» الأميركي – الفرنسي بعد «اللغة الواحدة» الخليجية حيال «بلاد الأرز»، تشكّل واقعياً قِطَعاً من «بازل» تتكامل فيه مندرجات المعالجة السياسية والإصلاحية بوصْفهما «جناحيْ» الإنقاذ اللذين يعبّران في الوقت نفسه عن «مسببات الانهيار» بشقّيْه التقني كما المتصل بانجراف بيروت بالكامل إلى المحور الإيراني.
فغوتيريش الذي أكد «أن القادة اللبنانيين ليس لهم الحق أن ينقسموا في لحظةِ مثل هذه الأزمة الدراماتيكية»، حدّد الإطار المتكامل للحلّ في معرض تفنيده «الظروف» المطلوبة لإيجاد هذه الوحدة وهو ما «يستوجب معالجة عدد من الأمور تتصل بالإصلاحات في النظام السياسي والاقتصادي، أمور تتعلق بالقتال والفساد وبالوصول إلى الحقيقة حيال ما حصل في مرفأ بيروت، ومن ثم إطلاق برنامج إنعاش فاعل باتفاق مع صندوق النقد الدولي وبدعم من المجتمع الدولي الذي يحتاج إلى تعزيز قوي للشعب اللبناني وكذلك للاجئين الذين يستقبلهم لبنان بسخاء»، لافتاً إلى «أن اللبنانيين فقط هم من يمكنهم قيادة هذه العملية، والحلول الدائمة لا يمكن أن يأتي إلا من قلب لبنان»، ومشدداً على أن «الانتخابات المقررة العام المقبل ستكون ذات أهمية أساسية لأنها السبيل الوحيد الذي سيكفل للبنان وضع الأسس لمستقبل أفضل».
وفي حين يفترض أن يبحث غوتيريش مع كبار المسؤولين بدءاً من الرئيس ميشال عون الذي يلتقيه فور وصوله عصر اليوم مختلف جوانب الأزمة اللبنانية والوضع في الجنوب حيث سيتفقد قوة «اليونيفيل» ويعاين «الخط الأزرق»، فإن التقديرات التي تشير إلى أنه قد يبحث مع قيادة الجيش اللبناني إمكان إنشاء صندوق أممي لدعم رواتب العسكريين (انهارت قيمتها في ظل انسحاق الليرة أمام الدولار)، معطوفة على سعي باريس والرياض لإنشاء صندوق «دعم إنساني» لا يمرّ عبر الدولة، يؤشران إلى أن الخارج «فَقَدَ كل ثقة» بالسلطة ويصرّ على ألا يكون رفْد الشعب اللبناني بالمساعدة بمثابة «اوكسجين» للمسؤولين الذين ما زالوا يعملون «كأن شيئاً لم يكن» بل على العكس يَمْضون في تعريض شعب بكامله لما يصحّ تسميته بـ «جريمة ضدّ الإنسانية» عبر ترْكه في مواجهة واحد من 3 أعتى انهيارات في التاريخ منذ 1850.
ولم يكن عابراً في سياق متصل، حرص البيت الأبيض عشية وصول غوتيريش على إعلان انّ واشنطن تنسّق مع فرنسا في شأن لبنان، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة «تدرس فرض عقوبات على السياسيين الفاشلين»، ومؤكداً «لا نريد رؤية دولة فاشلة في الشرق الأوسط»، ومشيراً إلى «مؤشرات على أن لبنان يسير نحو الفشل».
وما لم يقله البيت الابيض بلْوره بيان شديد اللهجة ضد «حزب الله» صدر عن الخارجية الأميركية التي اعتبرت «أن استمرار وجود الحزب في الحكومة اللبنانية، يعوق العمل الحكومي الفعال في مكافحة الحوادث الإرهابية المرتبطة بالحزب» محدِّدةً مناطق عمل «اليونيفيل»، ولافتة إلى أن «الجماعات الإرهابية العاملة في لبنان تضمنت المنظمات الإرهابية الأجنبية المصنفة من الولايات المتّحدة مثل حزب الله وداعش»، ومشيرة إلى أنه «على الرغم من السياسة الرسمية للحكومة اللبنانية المتمثلة في النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية، واصل الحزب أنشطته العسكرية غير المشروعة في العراق وسورية واليمن».
وإذ اعتبرت «ان حزب الله يواصل التخطيط لهجمات والانخراط في أنشطة غير مشروعة حول العالم»، ذكرت بأنه «في عام 2020، دعمت لجنة التحقيقات الخاصة تنفيذ العقوبات المتعلقة بالإرهاب ضد العديد من أعضاء هذا الحزب ومموّليه، بما في ذلك فرض عقوبات على شركتين لبنانيتين تابعتين للمجلس التنفيذي له وفرضت عقوبات ضد وزيري الحكومة السابقين يوسف فنيانوس وعلي حسن خليل لتقديم الدعم المادي للحزب».
وتأتي إطلالة غوتيريش «الميدانية» على الواقع اللبناني ومعاودة دخول واشنطن القوي عليه في ظلّ انسداد كامل لأفق إيجاد مخارج قريبة لأزمة تعطيل جلسات مجلس الوزراء المستمرة منذ نحو 70 يوماً على خلفية اشتراط الثنائي الشيعي «حزب الله» رئيس البرلمان نبيه بري إقصاء المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، في ظلّ مخاوف من دخول البلاد مرحلة الفوضى الشاملة على وقع انفلاش البؤس الاجتماعي الذي تتسع أحزمته، والخشية من اجتياح «أوميكرون» للبنان الذي يتصدّر الدول العربية في عدد الحالات المسجلة بهذا المتحوّر (نحو 70) ولا يتحمّل قطاعه الصحي المتداعي موجة وبائية جديدة ستكون قاصمة وقد تفرض العودة للإقفال التام.
واستوقف دوائر مراقبة في هذا الإطار التحذير الذي أصدرته الحكومة الكندية خلال الساعات الماضية لرعاياها في لبنان «من حصول أعمال إرهابية تهدد حياتهم».
ووفق تحديث على موقعها الإلكتروني، نصحت الحكومة الكندية مواطنيها بعدم التوجّه إلى مجموعة من المناطق اللبنانية بسبب خطر الجريمة المنظمة والعنف والاختطاف والهجمات الإرهابية والوضع الأمني غير المستقر ومنها (في بيروت وضاحيتها الجنوبية) محيط المدينة الرياضية، برج البراجنة، الشياح، الغبيري، حارة حريك، الليلكي، المريجة، الطريق الجديدة وبئر حسن. وفي الشمال باب التبانة وجبل محسن (مدينة طرابلس)، والمنطقة الحدودية مع سورية رأس بعلبك، عرسال، اللبوة والقاع، رياق وبريتال وبعلبك وجميع المخيمات الفلسطينية ومناطق جنوب الليطاني.
«تويتر» فاض بـ «القلوب المليانة»
في موازاة ذلك، وعلى وقع اشتداد عصْف الأزمة الحكومية وانفجار «حرب داحس والغبراء» افتراضية على موقع «تويتر» بين مناصري بري ومؤيدي «التيار الوطني الحر» وسط «سباق» صدارة بين «هاشتاغي» «مش نبيه» و«جنرال جهنم» اللذين فاضت على ضفتيْهما «القلوب المليانة»، بدا جلياً أن رأس السنة سيحلّ فيما الأزمة الحكومية تجترّ، بل تشي بمزيد من الاحتراب في ظلّ إصرار رئيس الجمهورية على ميقاتي الدعوة لجلسة حكومية ولو قاطَعَها الثنائي الشيعي، شاهراً في سياق الضغط بهذا الاتجاه «سلاح» وقف توقيع الموافقات الاستثنائية «بديلاً من قرارات مجلس الوزراء» مع تلويحٍ بـ «المعاملة بالمثل» لجهة إمكان إبقاء البرلمان «في عطلةٍ» من دورة استثنائية بعد مطلع السنة لا إمكان لفتحها بلا توقيع عون.
وكان بارزاً أمس أن «التيار الحر»، الذي يصرّ على معالجة قضية بيطار عبر الآليات القضائية وخارج توريط الحكومة فيها تاركاً تغطيته جلسةً نيابية لسحب هذا «الفتيل» خاضعة لـ «أخذ وردّ» في ملفات أخرى، انبرى أمس إلى موقف بدا فيه وكأنه يطرح مخرجاً على قاعدة استعجال بيطار إصدار قراره الظني بما يعني تلقائياً «خروجه من الملف»، رغم استبعاد أن يكون ذلك في سياق رغبة في «فك اشتباكٍ» خصوصاً أنه أثار هذه النقطة على طريقة «مَن ساواك بنفسه ما ظلمك» وتحديداً لجهة استمرار احتجاز مَن وصفهم بـ «موقوفين ظلماً».
فـ «التيار الحر» الذي اعتبر «أن الاستنسابيّة التي تشوب التحقيق العَدلي في انفجار مرفأ بيروت والتأخير في إنهاء التحقيقات والمراوحة الحاصلة، تزيد المخاوف من عدم كشف الحقيقة»، شدد على أن «الوقت حان كي يصدر المُحقّق العَدلي القرار الظنّي، ويرفع الظلم عن الموقوفين المتهمين، بمعظمهم بالإهمال الإداري، فيما عائلاتهم تتألّم على أبواب الأعياد وتعيش المأساة نفسها منذ عام وأربعة أشهر، ويؤكد وقوفه الى جانب الأهالي في المطالبة بالافراج عن الموقوفين ظلماً».
عودة سفراء ورسائل للخليج
وعلى وقع هذه الأجواء القاتمة، وفي حين لم تشهد علاقة لبنان مع دول الخليج أي تطور عملي يعيدها لِما قبل «القطيعة» التي فجّرتْها تصريحات وزير الإعلام (عاد واستقال) جورج قرداحي العدائية للسعودية والإمارات، أعلن وزير الخارجية عبدالله بو حبيب أن «استقالة قرداحي ليس لها علاقة بتعطيل مجلس الوزراء»، معلناً «أن انهيار العلاقات مع دول الخليج توقف»، ومعتبراً أنه يجب «أن تحل أزمة السفراء السنة المقبلة»، وموضحاً «أن قضية عودة سفراء لبنان في دول الخليج مفترض أن تتم في السنة المقبلة، وهناك اتصالات في هذا الموضوع وإن شاء الله خير».
وفي سياق متصل، أعلن وزير الداخلية بسام مولوي أنه «اتخذ الاجراءات القانونية اللازمة في ما خص ترحيل أعضاء جمعية الوفاق البحرينية، وذلك تبعاً للقانون ولقناعاتنا وموقفنا الثابت، وطلبنا من الأجهزة الأمنية المختصة أن تقوم بالاجراءات والاستقصاءات والتحريات اللازمة وتزويدنا بلائحة بأسماء الأشخاص الذين تواجدوا، وبنشاط الجمعية في لبنان والتي توصل للملاحقة القضائية، واتخذنا قراراً بتكليف الأمن العام ترحيل هؤلاء الأشخاص»، معتبراً «أن امتعاض جانب سياسي معين لا يحول دون تطبيق القوانين المرعية، أو اتخاذ الإجراءات القانونية التي تتوافق مع قناعاتنا ومع مصلحة لبنان، وكان يجب اتخاذ اجراءات استباقية تطبيقاً للقانون وتنفيذاً لقناعاتنا وانتمائنا العربي».
وأعلن في حديث تلفزيوني أنه «تم كشف أكثر من عملية وضبط للمخدرات المنوي تهريبها وتم إجراء العملية الاستعلامية وتوقيف الأشخاص المهرّبين وتم سحب بعضهم من قلب الطائرة ومصادرة هواتفهم وتفريغها لمعرفة ارتباطاتهم، وأبلغنا السلطات السعودية بما هو موجود على هواتف أحد المهرّبين، وستكون هناك تدابير شديدة وصولاً الى الملاحقة وانزال أشد العقوبات بهؤلاء لأنهم يسيئون الى لبنان واللبنانيين، ولمصالح الدولة ولأمن وأمان الدول العربية الشقيقة سواء السعودية أو أي دولة عربية أخرى».