كتب محمد شقير في الشرق الأوسط:
كشف مصدر نيابي بارز أن تعليق جلسات مجلس الوزراء لا يعود فقط إلى إصرار «الثنائي الشيعي» على الفصل بين صلاحية المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت وبين الصلاحية المناطة دستورياً بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء كشرط لحضور وزرائه الجلسات، وإنما يتعلق بالادعاء على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بتهمة تبييض الأموال وبإصدار دفعة من التعيينات الإدارية استجابة لطلب رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، استناداً للائحة التي أعدها بتعيين 61 شخصاً من الفئتين الأولى والثانية، جميعهم من حصة المسيحيين.
وأكد المصدر النيابي لـ«الشرق الأوسط» أن رئيس الجمهورية ميشال عون، أعد من خلال فريقه السياسي ملفاً يتهم فيه سلامة بتبييض الأموال، وطلب من المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، النظر فيه تمهيداً لملاحقة سلامة، لكنه تحفظ على طلبه بذريعة أن ليس لدى القضاء اللبناني معطيات تسمح بملاحقته، ولا يمكنه أن يأخذ، كما اقترح عون عليه، بما ورد في الحملات التي تستهدفه من قبل جهات خارجية تتولى الإشراف على تزويدها بمعلومات تقوم بنشرها بواسطة وسائل إعلام غربية.
ولفت إلى أن رئيسي البرلمان نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي، أُحيطا علماً بنية عون لفتح ملف سلامة تمهيداً لطلب إقالته في جلسة يعقدها مجلس الوزراء، وقال إن ميقاتي تحفظ على ذلك، لأن من غير الجائز إقحامه في اشتباك سياسي يُضاف إلى الاشتباك الناجم عن الخلاف حول صلاحية القاضي طارق البيطار بملاحقة الرؤساء والوزراء في ملف انفجار المرفأ.
ورأى المصدر نفسه أن عون يصر على إدراج مادة مشتعلة سياسياً على جدول أعمال مجلس الوزراء من شأنها أن تؤدي إلى تعميق الهوة السياسية داخل الحكومة. وقال إن باسيل يريد أن يُقحم مجلس الوزراء بمادة مشتعلة بإصراره على إدراج البند الخاص بالتعيينات الإدارية على جدول أعماله، بذريعة أن إفراجه عن تشكيل الحكومة الميقاتية لم يكن ليحصل لو لم يشاركه ميقاتي بوجهة نظره بضرورة ملء الشغور في الإدارات العامة، بما يضمن له الاستئثار ما أمكن بحصة المسيحيين الكبرى في هذه التعيينات كممر إجباري لتعويم نفسه سياسياً للتعويض عن تراجع تياره في الشارع المسيحي مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية.
لكن تذرع باسيل بالتوافق مع ميقاتي على إصدار هذه الرزمة من التعيينات الإدارية ليس في محله، كما يقول المصدر النيابي، مضيفاً أن رئيس الحكومة ليس في وارد الموافقة على طلب باسيل بـ«اجتياح» التعيينات الإدارية، ومؤكداً أن ميقاتي مع حصرها بالضروري منها وبما يخدم الخطة الإنقاذية.
وأكد أن ميقاتي وإن كان يتبع سياسة تدوير الزوايا، فإنه في المقابل لا يركض وراء استدراج العروض لإقحام الحكومة في مشكلة تتعلق بالتعيينات التي ستؤدي إلى انفجارها من الداخل، خصوصاً أن البلد يستعد لإجراء الانتخابات النيابية بالتزامن مع دخول الولاية الرئاسية في عامها الأخير، وبالتالي ليس هناك مبرر لتقديم «جوائز ترضية» إلى عون تسمح لوريثه السياسي باسيل بتوظيفها كرشاوى انتخابية.
لذلك فإن قول ميقاتي بأنه ممنوع سقوط لبنان دولياً يعني من وجهة نظر المصدر النيابي أن الحكومة تتحصن بخطوط حمراء تحميها من الدعوات لاستقالتها، كما أن ميقاتي اتخذ قراره بعدم تقديم هدية مجانية للذين يراهنون على تحويلها إلى حكومة تتولى تصريف الأعمال.
واعتبر المصدر نفسه أن ميقاتي يُحسن إدارة المهام الموكلة إلى اللجان الوزارية، وقال إن إشرافه على ما تقوم به يعني جمعه للحكومة بالمفرق من دون أن تجتمع بالجملة، وهذا ما يقطع الطريق على دعوة المجلس الأعلى للاجتماع برئاسة عون ليحل مكان الحكومة مع أنها ما زالت على قيد الحياة بالمعنى السياسي للكلمة، وبخلاف ما كان يحصل إبان استقالة حكومة الرئيس حسان دياب، التي أتاحت لرئيس الجمهورية التفرد بإدارة لشؤون البلد، والتي قوبلت بمعارضة كان أشدها من رؤساء الحكومات السابقين على خلفية مصادرته لصلاحيات الرئاسة الثالثة.
وعليه، فإن المجتمع الدولي يتمسك ببقاء الحكومة مع أن عدم انعقادها لم يدفع ميقاتي للاستسلام، والتعامل مع تعطيل الجلسات وكأن حكومته دخلت في مرحلة تصريف الأعمال، بل بادر إلى التحرك في الداخل والخارج، ولم ينقطع عن التواصل مع المؤسسات الدولية والتفاوض مع صندوق النقد الدولي للانتقال بالبلد إلى مرحلة التعافي المالي، برغم أن البعض في الفريق السياسي المحسوب على عون لا ينفك عن التحريض عليه بذريعة أنه بتحركه يحجب تسليط الأضواء على رئيس الجمهورية الذي يقوم بنشاطات يومية لا تبدد ما يقال في الكواليس الدبلوماسية بأنه تحول إلى «حارس» لقصر بعبدا.