IMLebanon

باسيل يخشى الهزيمة… هل تتأجّل الاستحقاقات الدستورية؟

جاء في اللواء:

ماذا يعني أن يكون لبنان بعُرف الولايات المتحدة الأميركية دولة فاشلة؟ وما الصلة بين الإعلان، والتقارير التي تتحدث عن اشتداد الضغط على البلد، نقدياً، ومالياً، ومصرفياً، وحتى أمنياً، وربما عسكرياً، مع اقتراب الاستحقاقات الدستورية اللبنانية ذات الارتباط المباشر، ببروز الحاجة إلى توازنات داخلية، في ما خص الفريق المسيحي بالدرجة الأولى، الذي حاول عبر سلسلة من الألاعيب الثأر من اتفاق الطائف، الذي أعطاه الفرصة ليكون على نحو أو آخر في مركز القرار، سواء في إحدى أهم السلطات العامة في البلد، أو في إدارة جملة من الملفات، في الوزارة، أو من «الغرفة السوداء» المختبئة وراء القرارات، التي وضعت النظام السياسي برمته، أمام وضعية بالغة الخطورة لجهة الاستمرار أو الانتحار؟!

يستشعرُ فريقُ السلطة الماروني أن الخطر يُحدق به من كل حدب وصوب، فلا الانتخابات النيابية، أياً كان القانون، ستوفر له الفرصة، ليحصد ما حصد من نواب في الانتخابات المقبلة، سواء جرت في 27 آذار (وهذا الموعد بات مستبعداً) أو في 8 أو 15 أيار، من العام المقبل، وهذا الموعد بات ممكناً أو منطقياً، أياً كان قرار المجلس الدستوري.

هنا المسألة تخضع لحسابات بالغة التعقيد، وعلى ارتباط بمسألة «التوازن الداخلي» سواء سمح «التنسيق السياسي» لحكم البلد القائم، بالمضي قدماً في إعادة توليد السلطة، أو تجديدها، أو كان القرار في مكان آخر، بالبحث عن بديل للدولة الفاشلة؟

تبدو الانتخابات الرئاسية، هي بدورها، مُعلّقة على مسار الأزمة السياسية الراهنة، فإذا نجحت المساعي بتذليل أبرز العقبات، ودُعي مجلس الوزراء للاجتماع، بكل مكوناته، وسائر الوزراء الـ23 بعدما شغر منصب وزير الإعلام، ومن يُعين بديلاً للوزير المستقيل جورج قرداحي… وإلا ذهب المجلس إلى إجازة جديدة، يمكن إعادة النظر فيها السنة المقبلة، وهي سنة الاستحقاقات والتعيينات، والبدائل والانتظارات المريرة.

وفي حال مضى الرئيس نجيب ميقاتي، ممسكاً بالعصا الحكومية، ليس من وسط واحد وحسب، بل من أكثر من وسط وطرف، بما في ذلك بيت الوسط، فإن بقاء الحكومة، يعني مكسباً للفريق المناوئ لميشال عون وعهده: الرئيس نبيه بري وكتلته وحركته الحزبية، والرئيس ميقاتي ونادي رؤساء الحكومات، رغم المآخذ التي تساق عليه (أي على ميقاتي من قبل حلفائه في النادي المذكور) وكذلك الحال بالنسبة للنائب وليد جنبلاط وحزبه التقدمي الاشتراكي، واللقاء الديمقراطي، وصولاً إلى تيار المردة، وحزب «القوات اللبنانية» الذي يستعير عدة الشغل الإيديولوجي واللوجستي والسياسي من التيار الخصم، أي التيار الوطني الحر.

في مثل هذه الحالة، تملأ حكومة ميقاتي الفراغ الحاصل إذا لم ينتخب رئيس، في استعادة، لا يمكن وصفها منذ الآن بأية صفات، لأن الاستباق بحد ذاته يحمل تشويشاً، وإضعافاً لمنطق المحاججة.

ليس من السهل على فريق جبران باسيل، بوصفه الممسك بزمام الأمور، أن يقبل بهزيمة مقبلة، في الاستحقاقات الدستورية، يساعده ليس اقتناع حزب الله – كما يرنو لي – بجدوى العلاقة أو التحالف معه، بقدر ما يحدوه نزوع للحد من نمو وضعية خصمه «القوات اللبنانية» في الساحة المسيحية.

وبناءً، على هذا الافتراض، القريب من الواقع، فإن باسيل، وربما ينجح بجر بعض حلفائه، سواء حزب الله، أو بعض قوى 8 آذار، ذات الامتداد السوري، في دفع الاستحقاقات إلى التأجيل.

وهذا ما يفسر الاستنفار الدولي بوجه الطبقة السياسية، مولياً اهتماماً خاصاً بـ«حزب الله» ليس بوصفه قوة على صلة بسوء الحكم او ملفات الفساد، بل من زاوية قوته في التأثير على الاتجاهات التي سيسلكها الوضع اللبناني في الأشهر المقبلة.

يتمثل هذا الاستنفار ليس بحركة إيمانويل ماكرون المحسوبة جيداً في ما خص حصة فرنسا في الجيوبولتيكا الشرق أوسطية، بل بالدور الوسائطي، في ما خص المفاوضات المباشرة وغير المباشرة مع الجانب الأميركي، في نقاش متجدد، وهو قديم، يتعلق بموقع إيران، بوصفها دولة ناهضة، بين مجموعة من العمالقة الكبار في عالم يتغير بسرعة من «وادي السليكون» في كاليفورنيا الأميركية إلى ضفاف المحيط الهادئ بصخبه الآسيوي والروسي، من الصين إلى الهند، وبعض النمور الآسيوية من اليابان إلى ماليزيا الاسلامية.

تتحرّك الإدارة الأميركية عبر قنوات عدة من قانون قيصر، الذي لا يزال ساري المفعول، بوجه استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن إلى لبنان، وعبر القناة الفرنسية، وبعض القنوات الأخرى، مثل سلطنة عُمان، باتجاه إيران، في محاولة لاحتواء صعودها باتجاه حسابات لا تقوى هي عليها من دون تسخين الساحات العربية، ولا سيما تلك التي تتواجد فيها قوى شيعية منظمة ومدربة، أو ذات نفوذ سياسي.

تعني الولايات المتحدة بأن لبنان دولة فاشلة، أن الطبقة السياسية، سواء في المجلس أو الرئاسات، أثبتت عقم الرهان عليها، وعلى التزاماتها… المسألة لا تتعدى الشأن الداخلي، وبدعة ما يُحكى عن إصلاحات أو إدخال نظم جديدة، تقضي بإعادة هيكلة المصارف أو القطاع العام أو مؤسسات الدولة، بل تتعداه إلى التزامات من نوع آخر، مثل الانخراط بتوجيه تدخلات تحاصر العامل الفلسطيني في المخيمات وخارجها بذريعة السلاح غير الشرعي، مسحوباً هذا الأمر أولاً وأخيراً على حزب الله.

فشل الطبقة السياسية، يعني تدخلاً أميركياً، لإقصائها عن السلطة، ليس بقوة الحراكات الشعبية كما حصل في بعض الأنظمة العربية، إذ أن الأهداف الكامنة وراء تحركات 17 (ت1) 2019، كانت حبلى بالإخفاقات، بعد انكشاف عقم الرهانات، والعجز عن لعب دور في دفع عملية إقصاء الطبقة عن السلطة.

تمكنت هذه الطبقة من إعادة صياغة المبادرات، واستعادة زمام تحديد كيف تسير الأمور على مستوى الحكومات أو منح الثقة للبرامج الحكومية أو البيانات الوزارية، حتى ولو كانت حبراً على ورق.

أعلنت إدارة جو بايدن، قبل أشهر قليلة من الاستحقاقات المقبلة، أنها معنية بـ:

1- إبعاد ما أمكن من الطبقة الفاسدة عن السلطة.

2- إعادة التدقيق جدياً بالوضع المالي، ولا سيما لجهة حركة الدولار الأميركي.

3- تعزيز وضعية القوى العسكرية والأمنية، وفقاً لآليات تحددها الإدارة الأميركية.

بكلمة واحدة: تجتمعُ في سماء لبنان مواجهةٌ من نوع جديد… هي أشبه بـ«الحرب الباردة» لمنع تمكّن المنظومة الفاشلة من العودة إلى جنّة الحكم، ولا أحد يدري ما إذا كانت ستتخذ أشكالاً عنفية، مع ازدياد الضغط والتفلّت، والارتهان إلى المشيئات الخارجية… وما أكثرها.