كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
على مسافة اشهر من المعركة الانتخابية، تبدو المواجهة على أوجها بين مواطن خسر لقمته وأحزاب تركته لمصير مجهول، ومعارضة ما زالت تبحث عن ذاتها المشتتة، علّها تجد شخصية ذات ثقل تنافس بها. وبين كل ذلك، المعركة تبدو معيشية اكثر منها سياسية والشعب يريد لقمته المسروقة. فكيف تبدو اجواء المعركة في منطقة النبطية؟
ربما لم تخضع المنطقة لجردة حساب انتخابية شاملة حتى الساعة، لكنها في الحقيقة، تشهد اسوأ ظروف اقتصادية وحياتية ومعيشية، وسط نقمة شعبية على الأحزاب التي تخلت عن ناسها في احلك الظروف. بالطبع، لا صورة واضحة حول تركيبة الانتخابات حتى الساعة، أقله لجهة الثنائي الذي أطلق صافرة ماكيناته الانتخابية وبدأ العمل. اما لجهة المعارضة، فلا شيء واضحاً نظراً لتواجد سلسلة معارضات لم تتفق حتى الساعة ولم تجتمع على عنوان مواجهة واحد، فلكل معارضة سياستها واهدافها. وبالتالي، فإن الحديث عن معارضة قوية في منطقة النبطية هو ضرب من الخيال، طالما ان حالة التفكك والتشرذم واضحة للعيان.
وسط حديث عن لقاءات هنا وهناك لجمع الاقطاب المعارضة المتناحرة، تؤكد المعلومات ان لا شيء ملموساً حتى الساعة، فكل طرف معارض يُخوِّن الطرف الآخر ويعتبره موالياً اما للحزب او للحركة، وبالتالي فإن فكرة تشكيل نواة اعتراضية انتخابية تبدو صعبة التحقيق، اقله حتى الساعة، فحتى اللقاء الاخير الذي جمع “الكتلة الوطنية” مع المعارضين لم يخرج بخريطة طريق واضحة للتحالفات، فهناك اليساريون والشيوعيون والبعثيون وحزب سبعة والجنوبيون والمستقلون وغيرهم، وكل ذلك يجعل الإنتخابات المقبلة عبثية نوعاً ما، رغم أن موازينها مختلفة، فالشعبية التي يراهن عليها الثنائي تراجعت كثيراً، نظراً للتدهور الإقتصادي الذي رافق حياة المواطنين ودفعهم الى الحضيض، هذا عدا عن النقمة التي تسود اوساطهم، وتجعل من الصعب على كلا القطبين ترميمه أو بناء جسر ثقة من جديد، حتى ان القطبين خسرا ورقة الضغط التي كانا يمارسانها، تحديداً على الموظفين واصحاب اللوحات العمومية وحتى الدوائر العامة. فهذه القطاعات التي تشكل “لوبي انتخابي” وازن خرجت عن سيطرة الاحزاب،
وبحسب اوساطهم فإن تخليها عنهم جعلهم يعيدون النظر بإنتماءات، من غير تحديد ما إذا كانوا سيقاطعون او سيصوتون خارج السرب، وإن كانت الفرضية الأولى مرجحة. وتعيد الاوساط الأسباب الى ان الموظفين وحتى السائقين العموميين ممّن كانوا يرضخون للضغوط كُرمى للقمة عيشهم التي كانوا يتهدّدون بها، باتت لقمتهم خارج السيطرة، فالسائقون يخوضون معركة تصحيح اوضاعهم ولا يهتمون بإرضاء الزعيم الذي تخلى عنهم، وبالتالي “المونة” التي كانت تُمارس عليهم بلغة حرمان الخدمات “راحت” وخرجوا من تلك العباءة بواقع مرير، معتبرين أنهم باتوا بلا شيء ومهنتهم تحتضر ولم تعد ذات وزن كالسابق، أضف الى ذلك وجود نقمة لافتة واعتزال كثر للعمل الحزبي، موجهين اتهامات لاذعة للأحزاب المنضوين تحتها “ما بقى تأثروا فينا”.
وفق المعطيات، فإن المحازبين من الحلف الأخضر يسجلون عتباً كبيراً على تنظيمهم ويرون انه أدار ظهره لهم ولم يقف قربهم في عز الحاجة. وتلفت المصادر الى أن كثراً رفضوا الانصياع للاوامر والدخول في أفواج الماكينة الانتخابية، كنوع من العصيان، ولا تخفي أن المعركة الانتخابية ستكون حرباً ضروساً بين الاحزاب والشعب، فالاحزاب تخشى ان تُرشح المعارضة شخصية وازنة لها ثقلها على الساحة فتجذب الاصوات الناقمة عليها، ما قد يحدث شرخاً وصدمة كبرى ويقلب المعادلة. وتضرب المصادر مثلاً ما جرى في العديد من البلديات التي خرجت عن طاعة الاحزاب حين ترشح اشخاص من خارج اللوائح وخرقوها بثقة الشعب، وإن كان الكف رُدّ بحلها، فإن سيناريو مماثلاً قد يتكرر في الانتخابات، سيما وأنها تجرى وسط انقلاب شامل في ظروف الناس التي تواجه نار جهنم. وحتى الرشوة الانتخابية الوقتية لن تنفع ولن “تشيل الزير من البير”، وهنا تلفت المصادر الى اهمية أن تكون المعارضة متحدة تستفيد من الهوة القائمة بين الشعب والاحزاب، وتقدم على الاستحقاق موحدة لا مشرذمة، وأن تطرح اسماء ثقة لا اسماء ذات خلفيات مشبوهة.
الحلقة الثانية التي تواجهها الاحزاب، قطاع الموظفين والمعلمين، فهذا القطاع الوازن بات خارج سيطرة الاحزاب هذه الأيام، بعدما تآكلت معاشاتهم وباتوا يشحذون تنكة البنزين، وبالتالي لم يعد نبضها الانتخابي، بل هناك نقمة داخله. فطيلة مرحلة التحركات المطلبية لم تقف الاحزاب معهم وتدعم مطالبهم، بل تركتهم لمصير مجهول وقاس، ولن تنفع المساعدات الآنية التي دأبت على توزيعها قبل فترة الانتخابات في استمالتهم وتخفيف حدة غضبهم، اذ تقول اوساطهم “لطالما كنا عالحلوة والمرة معهم وحين ذقنا المرة تُركنا لوحدنا، وبالتالي لم يعودوا يمثلوننا على الاطلاق”.
وتشير المعطيات الى “أن هناك خشية كبيرة لدى الثنائي من انقلابات تحصل بوجههم من قبل بيئتهم الحاضنة، وبالتالي تصب الاصوات في الجهة المقابلة سيما مع شح الخدمات من قبل احد الاطراف، وعدم ايلائهم الازمة الاقتصادية والمعيشية اقله لمحازبيهم ومناصريهم اي اعتبار، وزحفهم اليوم تجاههم سيواجه بالرفض، وان دل هذا على شيء فانما يدل على حقيقة واحدة، وهي ان معركة الانتخابات المقبلة ستكون الاشرس بين شعب ذاق المرّ واحزاب تركتهم لجهنم درّ.