Site icon IMLebanon

لبنان بين الاندفاعة السعودية والعودة الأميركية

كتب علي شندب في اللواء:

كما شكلت «قمّة العُلا» الخليجية في السعودية، المدماك الأساسي في صرح المصالحة المصرية الخليجية مع قطر. شكلت قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربي في الرياض، المدماك ما فوق الأساسي في خارطة الطريق الاستراتيجية لتحويل صيغة المجلس من «التعاون» الى «الإتحاد».

إنها الصيغة التي تعكس «الخليج العربي الجديد» والتي ستطوي صفحة «مجلس التعاون لدول الخليج العربي» لتحل محلها صيغة «الإتحاد الخليجي» بالتنسيق والتكامل والترابط في جميع الميادين، بعدما عمّدت موقفها بإعلان «وقوفها صفاً واحداً في مواجهة أي تهديد تتعرض له أي من دول المجلس»، كما جاء في «إعلان الرياض».

قمة الرياض التي ترأسها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بدت أشبه بحائط صدّ ونقطة تحوّل بارزة وسط تعقيدات اللحظة الإقليمية والدولية التي تجهد فيها فرق التفاوض في قاعات فيينا محاولة تخصيب إتفاق نووي جديد، يمنع إيران من ولوج العتبة النووية.

ممّا لا شك فيه أن جولة بن سلمان الخليجية بلورت مفاصل ومرتكزات البيان الختامي للقمة الخليجية. وبهذا المعنى بدا إعلان الرياض المطوّل في فقراته خالياً من الحشو الإنشائي لصالح القرارات الإجرائية. سيما انه وضع على عاتق قادة دول الخليج مسؤوليات استثنائية على المستويات التكاملية اقتصادياً وسياسياً، والأهم أمنياً وعسكرياً وذلك بهدف جبه التحديات والتهديدات التي تستهدف دول الخليج العربي وتقويض بنيانها الاجتماعي والسياسي فضلاً عن مرتكزاتها الدفاعية، وما التمرين التعبوي الخليجي (أمن الخليج العربي 3)  في يناير المقبل في الرياض إلّا تعبيراً عن إدراك قادة الخليج عمق التهديدات التي تستهتدف بلادهم تارة بالكابتغون والمخدرات، وطوراً بالصواريخ والمُسيرات.

وعلى غرار موقفها من قمة العُلا، كان موقف طهران من قمة الرياض التي أدانت أدوار إيران التخريبية في المنطقة، إذ سارعت الخارجية الايرانية الى تأكيد «رفض طهران أي تدخل من الدول الخليجية في برامجها النووية والصاروخية والعسكرية»، كما وجدّدت دعوتها «الدول الخليجية لإعادة النظر في رؤيتها للقضايا الإقليمية واستبدال الاتهامات بالتعاون».

إعلان الرياض، أتى بعد أيام قليلة على «إعلان جدة» الصادر عن القمة التي ضمّت وليّ العهد السعودي والرئيس الفرنسي، والتي تخلّلها مهاتفة مشتركة مع رئيس الحكومة اللبنانية بهدف كسر الجليد وإيقاف تدحرج العقوبات السعودية الخليجية ضد لبنان على خلفية ظاهرها تصريحات جورج قرداحي العبثية، والتي راكمها تصريحات مسيئة لمسؤولي جمعية الوفاق البحرانية (الذين يحظون بحماية ورعاية حزب الله) ضد حكومة البحرين من بيروت. وهو الإعلان الذي تضمّن خارطة طريق فرنسية سعودية مشتركة للتعامل مع لبنان بهدف إنقاذه من محنته الجهنميّة العميقة.

إعلان جدّه إذن، بات بنداً أساسياً من إعلان الرياض الذي تطالب إحدى فقراته لبنان بـ «اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بالإصلاحات الشاملة ومكافحة الفساد، وبسط سيطرته وسيادته على كافة مؤسّساته ومنع حزب الله الإرهابي من ممارسة نشاطاته الإرهابية واحتضانه ودعمه للتنظيمات والميليشيات الإرهابية المزعزعة للأمن والاستقرار في الدول العربية لتنفيذ أجندات دول إقليمية».

وقد باتت الفقرة اللبنانية في إعلان الرياض، وقبله في إعلان جده، وما بينهما، خلال جولة وليّ العهد السعودي الخليجية، بمثابة استراتيجية خليجية واضحة لكيفية التعامل مع الواقع اللبناني الذي يمرّ بأزمة غير مسبوقة في تاريخه. إنها الفقرة التي نجح بن سلمان فيها على نحو لافت في تصحيح وإعادة ضبط بوصلة ومسارات ايمانويل ماكرون الذي بدا في حراكه العراقي واللبناني بالتنسيق مع نظيره الإيراني ابراهيم رئيسي أشبه بتاجر شنطة أو محرّر عقود للشركات الفرنسية المتغوّلة على مبادىء وقيم الجمهورية توسلاً للفوز بكرسي الجمهورية مرة أخرى.

طبيعي جداً أن يشعر حزب الله بالضيق جرّاء التحولات العميقة في موقف ماكرون منه. لكنّ الحزب يقارب هذه المسألة بحذر شديد وغضب مكبوت، مشابه تماماً للغضب غير المكبوت من ابتهاج نجيب ميقاتي بمكالمة ولي العهد السعودي. فباريس هي الرئة شبه الوحيدة التي توفر للحزب تنفساً تواصلياً يحول حتى هذه اللحظة دون تصنيفه بإجماع دولي تنظيماً إرهابياً.

ولهذا فالحزب الذي سمح باستقالة قرداحي إكراماً لعيون ماكرون، يعرف كيف يُمسك بعنق تعطيل الحكومة من خلال تمسكه بقبع المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، وهو التعطيل الذي يستهدف ضمناً وأساساً تعطيل كافة مندرجات خارطة الطريق السعودية الفرنسية، وأيضاً الاستراتيجية السعودية الخليجية تجاه لبنان.

وسط هذه التطورات المفصلية، تمايزت الإمارات بحركة دبلوماسية أمنية من خارج السياق لمستشار الأمن الوطني باتجاه تركيا وايران. أما الحركة الاختراقية اللافتة فكانت بزيارة وزير خارجية الامارات عبدالله بن زايد الى دمشق ولقائه مع الرئيس السوري بشّار الأسد، دونما تسجيل اعتراض الولايات المتحدة الإستباقي أو تشجيعها. زيارة فسرت في لحظة التطبيع مع اسرائيل ورواج نظرية السلام الإبراهيمي، وكأنها تشكل كاسحة الألغام ونقطة البداية الخليجية والسعودية خاصة لتدشين التطبيع مع الحكم في سوريا.

لكن عبارة «التطبيع» رُذلت وأُقصيت من إعلان الرياض الذي تضمّن فقرة خاصة حول فلسطين أكد فيها قادة دول الخليج «دعمهم لسيادة الشعب الفلسطيني على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ يونيو 1967، وتأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية». إنها الفقرة / الشرط الذي سبق لسفير السعودية في الأمم المتحدة عبدالله المعلمي التأكيد أن بلاده «على استعداد لتطبيع العلاقات مع اسرائيل اذا طبقت والتزمت المبادرة العربية للسلام التي قدمتها السعودية عام 2002»، في قمة بيروت.

وكصلية إسنادية موازية، برز موقف لافت للسعودية حيال التطبيع مع النظام السوري أطلقه أيضاً السفير المعلمي من نيويورك وفيه «أن النظام السوري هو أول من فتح للإرهاب أوسع الأبواب عندما أدخلوا إلى بلادهم حزب الله الإرهابي، زعيم الإرهاب في المنطقة والمنظمات الطائفية القادمة من الشرق».

ومن كلام المعلمي هذا، تتجحّظ أكثر وبوضوح شديد، خطوط الاستراتيجية السعودية وشروطها تجاه سوريا المشابهة لشروطها اللبنانية. ليتبيّن أن لجم حزب الله وكبح جماح حركته من جانب دمشق في سوريا وعبر الحدود، فضلاً عن الإصلاحات الدستورية والسياسية، هو القطبة غير المخفية في إنطلاق قطار التطبيع مع سوريا وإعادتها الى مقعدها في الجامعة العربية.

بالاضافة لما تقدم، برز موقف أميركي لافت يقول «وجود حزب الله في الحكومة يعيقنا». موقف يذكر بالمقاربة الترامبية للبنان والتي أطلقها مايك بومبييو وتقول بضرورة «تشكيل حكومة بعيداً عن حزب الله». ففي بيان للبيت الأبيض أكدت الولايات المتحدة «وجود تنسيق كامل مع فرنسا بشأن لبنان». إنّه التنسيق المكمّل لخارطة الطريق السعودية الفرنسية. وإذ أشار بيان البيت الأبيض إلى «أن واشنطن لا تريد رؤية دولة فاشلة في الشرق الأوسط وهناك مؤشرات على أن لبنان يسير نحو الفشل»، فقد لوّحت واشنطن بإمكانية «فرض عقوبات على السياسيين الفاشلين في البلاد». بيان البيت الأبيض هذا، ترجمه نجيب ميقاتي بالقول «هناك مظلة خارجية وداخلية تحمي عمل الحكومة، وهناك قراراً دولياً بعدم سقوط لبنان».

وربّ سائل يسأل، هل بامكان العقوبات الأميركية وحدها (كتلك المفروضة على حلفاء حزب الله كبعض وزراء تيار المردة وحركة أمل، يوسف فنيانوس، غازي زعيتر وعلي حسن خليل المطلوبين للمناسبة من قبل المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت، أو الوزير السابق للخارجية والاتصالات والطاقة، صهر رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل المصنّف فاسداً وفق مندرجات قانون ماغنيتسكي العالمي)، الحؤول دون انهيار لبنان وتحوّله الى دولة فاشلة، يفاضل مواطنيها بين الموت غرقاً تحت قوارب الموت في أعالي البحار، أو الموت في جهنم الجوع والإفقار الممنهج الذي صنعته منظومة الفساد والنيترانيوم والكابتغون، كما بشرهم بها الرئيس عون. أم تشكل زيارة أمين عام الأمم المتحدة انطونيو غوتيريش «التضامنية مع لبنان»، فرصة اللحظة الأخيرة لحثّ القوى السياسية على الشروع الفوري في تنفيذ الإصلاحات وبسط سلطة الدولة على الأرض وتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة وخصوصا القرارت 1559 و1680 و 1701 وقبل فوات الأوان؟.

للبحث بقية.