كتب أنطون الفتى في وكالة “أخبار اليوم”:
غادر أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لبنان، تاركاً إيّاه بين أيدي مجموعة من المتسلّطين، ومنظوماتهم، ومنظومات منظوماتهم، التي تسمع وترى وتفهم، ولكنّها ترفض أن تُظهِر الفَهْم، وذلك حتى لا تعمل على إعادة البلد الى الحياة.
سمع غوتيريش الكثير من الكلام، وأبلغ من يعنيهم الأمر بالكثير أيضاً. ولكن الزيارة انتهت، وها هو لبنان يعود الى دائرة الجمود، والتحذيرات الدولية، فيما الشّعب اللبناني يزول من الوجود، بالملموس.
نتيجة واحدة
الخطورة الأكبر، هي أن أطرافاً لبنانية عدّة تتشارك مجموعة من الأهداف، التي ترغب بتحقيقها من مُنطَلَقات مختلفة، فيما نتيجتها واحدة، وهي زوال لبنان، وإزالة شعبه من الوجود.
ففريق “الاحتلال” الإيراني للبلد، يرغب بتغيير وجه لبنان، لصالح المشروع الإيراني العالمي، وأهدافه العقائدية النّهائية. ولكن هذا الفريق يلتقي وينسجم مع أطراف لبنانية أخرى، سياسية ومالية واقتصادية، ترغب بتغيير وجه لبنان الحالي أيضاً، ولكن للسيطرة على البلد الى ما بعد أجيال وأجيال، من خلال تحويل نفسها الى ما يُشبه مدرسة سياسية – اقتصادية ترث “الحريريّة السياسية”، ظنّاً منها بأنها ستدخل التاريخ بهذه الطريقة، حتى ولو أدّى ذلك الى إماتة ملايين اللبنانيين.
وبين الطرف الأول والثاني، يلفّ الشّعب اللبناني ويدور، بين مشكلة وأخرى، الى ما لا نهاية، وسط عجز دولي عن تحقيق أي خرق مُنتِج في هذا الجدار، حتى الساعة.
مختلفة
كشف مصدر واسع الاطلاع عن أن “المُنطلقات التي يُعمَل عليها في الكواليس لتغيير وجه لبنان، وصلت الى مرحلة شديدة الخطورة، نظراً الى دخول أطراف مسيحية فيها، وذلك رغم أن تغيير وجه لبنان، سيمسّ بالمكوّن المسيحي فيه، وبكلّ العناصر المسيحية في الدولة. ومن هنا، يأتي العمل المُمنهج لـ “حزب الله”، ولمنظومته الإعلامية، على تشويه صورة قائد الجيش (العماد جوزف عون)، ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، واتّهامه بالطائفيّة”.
ولفت في حديث لوكالة “أخبار اليوم” الى أن “ضرب صورة مصرف لبنان الحالي، وحاكم مصرف لبنان (رياض سلامة)، يشكّل هدفاً مشتركاً لدى “حزب الله” وبعض من في “التيار الوطني الحرّ”، ولكن الأسباب التي ينطلقان منها مختلفة”.
مشروع
وأوضح المصدر: “حزب الله”، ومن خلال حربه على سلامة والمصارف، يرغب بتدمير النظام الليبرالي في لبنان، بأوجهه كافّة، ومنها المالية. بينما يركّز بعض من في “التيار الوطني” حربه على سلامه، لاستبداله بآخر ينتمي الى المنظومة المالية “البرتقالية”، بموازاة خلق نظام مصرفي جديد، بمصارف جديدة، تابعة لتلك المنظومة المالية. وهو مسار قد يؤدي الى إفلاس معظم المصارف العاملة في لبنان حالياً”.
وأضاف: “هذا مشروع يلتقي حوله أيضاً، بعض رجال الأعمال الذين ترشّحوا على لوائح تكتّل “لبنان القوي” في عام 2018، بالإضافة الى مسؤولين أمنيّين يمثّلون “حزب الله” في لبنان، وبعض كبار المصرفيّين التابعين لـ “التيار البرتقالي”. وهنا يلتقي “الوطني الحرّ” مع “حزب الله” على تغيير وجه لبنان المصرفي، ولكن وفق مُنطلقات وأهداف نهائية، مختلفة”.
أشكال جديدة
وشرح المصدر: “تدمير القطاع المصرفي، لضرب وجه لبنان الليبرالي، والحليف للغرب، يخدم “الأجندة” العقائدية لـ “حزب الله”. أما تحقيق هذا الهدف بالنّسبة الى بعض من في “التيار الوطني”، فهو المدخل لحُكم لبنان مستقبلاً، ولنسج تحالفاته الدولية، بأشكال جديدة. فالإمساك بهذا المسار يمنح المُمسِك به قوّة “رئاسية” وسياسية مُستدامة، الى ما بعد سنوات وعقود”.
محاربة الدولار
وشدّد المصدر على أن “غوتيريش زار لبنان بثقله الكامل، وكرئيس لأكبر منظّمة دوليّة رفيعة المستوى، لثلاثة أيام كاملة تقريباً. ففي العادة، أمين عام الأمم المتحدة لا يُطيل مدّة زياراته الى هذا الحدّ في أي بلد حول العالم، خصوصاً في تلك التي لا حجم كبيراً لها على الصّعيد الإقليمي أو الدولي. أما طول مدّة زيارته لبنان، فتعود الى أنه وضع ثقله الكامل في الملف اللبناني، بما يُفهِم اللبنانيين أن لا تصدّقوا أن الهيمنة الإيرانية على بلادكم يُمكنها أن تنجح، في أي يوم من الأيام”.
وختم: “إذا أُفلِسَت المصارف، فإن حقوق كل المودعين ستضيع، حتى من النّاحية القانونية. والنتيجة الأولى لذلك، هي زوال لبنان من الناحية النّقدية، من خلال دخوله في منظومة محاربة الدولار الأميركي، وهو ما لا قدرة للصين وروسيا على النّجاح فيه، رغم ما تشكّلانه من قوّة سياسية وعسكرية، على الساحة الدولية”.