Site icon IMLebanon

“الدستوري” كرَّس الشلل الحكومي

كتب عمر البردان في “اللواء”:

يواجه لبنان مرحلة شديدة التعقيد بعد «اللا قرار» من جانب المجلس الدستوري بشأن الطعن بقانون الانتخابات النيابية الذي تقدم به «التيار الوطني الحر»، ما أفسح المجال أمام إجراء الاستحقاق النيابي وفق القانون المعتمد، خلافاً لوجهة نظر «التيار العوني» الذي كان يمنِّي النفس بقبول طعنه، وهو ما لم يحصل، وبالتالي سيعطى المغتربون اللبنانيون حق التصويت لـ 128 نائباً. ولم يتأخر رد رئيس الجمهورية ميشال عون على «سقطة» المجلس الدستوري، فوجّه رسائل حازمة إلى «الثنائي الشيعي»، وقال إن «مقاطعة جلسات مجلس الوزراء فعل إرادة من أعضاء موجودين فيه، وهذا غير مقبول وإذا كان هناك اعتراض على موضوع معين يمكن معالجته من خلال المؤسسات»، مشدداً على أنه «يجب انعقاد مجلس الوزراء وأنا لست ملزماً بالتوقيع وحدي على أي قرار ولا يمكن لأي توقيع اختصار مجلس الوزراء في ظل حكومة مكتملة الأوصاف الدستورية».

ويأتي موقف عون، غداة الاتهامات غير المسبوقة التي وجهها رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل لـ«الثنائي» بأنه يقف خلف خطوة «الدستوري»، متحدثاً عن تبعات سياسية لما جرى، وهذا سيفتح الأبواب أمام اشتداد حدة الاشتباك السياسي في البلد، بعدما كشف باسيل عن بداية قيام تحالف رباعي يعمل ضد تياره، في إشارة إلى «الثنائي»، إضافة إلى «المستقبل» و«التقدمي»، سيما مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية والرئاسية. وهذا بالتأكيد سيدفع إلى قيام معادلات سياسية جديدة، ستفرض نفسها بقوة على المرحلة المقبلة .

وقد ظهر بوضوح أنه وفي قراءة لمواقف النائب باسيل، أن العلاقة بين «العوني» وحليفه «حزب الله»، قد تعرضت لهزة قوية، تضاف إلى ما سبقها من انتقادات كان يوجهها قياديون في «الوطني الحر» ضد «حزب الله» الذي يشل الحكومة، برفضه عودتها للاجتماع، إذا لم تتم إقالة المحقق العدلي القاضي طارق البيطار . لكن وبعد سقوط الصفقة التي كان يعمل عليها، في أعقاب خطوة المجلس الدستوري، فإن التعطيل الحكومي مرشح للاستمرار، كما هي الحال المواجهة بين «الثنائي» و«الوطني الحر» على حساب الشعب المسكين ومصالحه .

وفي الوقت الذي وصفت أوساط دبلوماسية زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى لبنان، بأنها كانت «على قدر كبير من الأهمية، بما حملته من رسائل إلى كبار المسؤولين بضرورة حزم أمرهم والإسراع في عملية الإنقاذ، باعتبار أن الأمور ما عادت تحتمل أي تأخير، ولا بد من أن تأخذ الحكومة اللبنانية على عاتقها السير في مشروع الإصلاحات، قبل فوات الأوان، وتحديداً ما يتصل بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وفي أن يُنهي الزعماء اللبنانيون الخلافات بينهم، من أجل وقف التدهور في لبنان»، فإنها أبدت خشيتها من أن يضيِّع المسؤولون اللبنانيون الفرصة مجدداً، بالاستمرار في مماحكاتهم التي لن تقود إلى أي نتيجة.وقد ظهر ذلك جلياً، من خلال تبادل الاتهامات بين حلفاء الأمس، بشأن عدم اتخاذ المجلس الدستوري، قراراً بشأن الطعن الذي تقدم به «الوطني الحر». وبين مرحب ومنتقد، فإن «لا قرار الدستوري»، سيعبد الطريق أمام إجراء الانتخابات النيابية في أيار المقبل، وهو مطلب أممي ودولي ثابت، أكد عليه الأمين العام للمنظمة الدولية في اللقاءات التي أجراها مع المسؤولين، باعتبارها محطة رئيسية، داعياً الشعب اللبناني لأن «يلتزم بشكل كامل في اختيار كيفية دفع البلاد قدماً».

وشددت الأوساط على أن العين الدولية ستبقى مصوبة باتجاه مدى التزام الحكومة بالإصلاحات وإجراء الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها، كاشفة أن الرئيس نجيب ميقاتي تلقى تحذيرات من خطورة التبعات المترتبة عن الاستقالة، في حال أقدم على هذه الخطوة، لأنها ستضع لبنان في المجهول، ستجعله مكشوفاً أمام التحديات الكثيرة التي تنتظره، مشيدة في هذا الخصوص، بموقفه برفض ما حكي عن صفقة قضائية حكومية، لأن السير بهذه الصفقة، كان سيفقد الحكومة ورئيسها المصداقية أمام المجتمع الدولي الذي يدعم بقوة كشف الحقيقة في جريمة انفجار مرفأ بيروت .

وقد أبدت مصادر مسيحية ارتياح بكركي لزيارة الأمين العام للأمم المتحدة إلى لبنان، ما يؤكد على أن هذا البلد لا يزال في صلب الاهتمام الدولي والأممي، بدليل اللقاءات الموسعة التي عقدها الأمين العام للمنظمة الدولية مع المسؤولين اللبنانيين، السياسيين والروحيين، وما أطلقه من مواقف على قدر كبير من الأهمية، تؤكد استمرار الرعاية الدولية للبلد، في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها». وقالت إن «هناك تأييداً أممياً قوياً لطرح البطريرك بشارة الراعي من أجل حياد لبنان، وعقد مؤتمر دولي من أجله»، مشددة على أن الأمم المتحدة، تدرك تماماً أن الأمور في لبنان معقدة للغاية، في ظل الهيمنة الإيرانية، من خلال «حزب الله» على قراره، وهذا ما يفرض بقاء البلد تحت المراقبة، للتأكد من مدى التزام حكومته ومسؤوليه، بمطالب المجتمع الدولي.

وخلال المحادثات التي أجراها غوتيريش في لبنان، ظهر اهتمام الأمم المتحدة بملف ترسيم الحدود البحرية، لكن ذلك يتطلب توحيد الموقف اللبناني الذي لا يزال مشتتاً إذا صح التعبير، باعتبار أن الضغط الاميركي والاستعداد الأممي للمساعدة، عاجزان وحدهما، عن تحقيق الخرق المرجو. فإحياء المفاوضات ينتظر توحيد لبنان الرسمي موقفه من سقفه التفاوضي ومن شكل الوفد المفاوض. ولناحية خياره بين العودة إلى الاتفاق الإطار أو توسيع الرقعة التي يفاوض عليها لبنان وهو ما تطالب به المؤسسة العسكرية المتمسكة بالحقوق حتى الشبر الأخير، ولا بد بالتالي من التوافق على صيغة محددة تقوي الموقف اللبناني، ولا تظهره ضعيفاً في مقابل محاولات إسرائيل مد اليد على الحقوق اللبنانية.