Site icon IMLebanon

لبنان بين هيمنة “الحزب” وطموحات عون… الفراغ يتمدد!

خارج الاهتمام الدولي بلبنان، بلغت الخلافات السياسية بين الأفرقاء اللبنانيين ذروتها، خصوصاً بعد “لاقرار” المجلس الدستوري في موضوع الطعن الذي تقدم به نواب التيار العوني حول تخصيص المغتربين بستة مقاعد يمثلون الاغتراب في القارات، والرد الناري لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وأيضاً لرئيس الجمهورية ميشال عون ضد حليفه “حزب الله” والثنائي الشيعي وكذلك ضد الرئيس نجيب ميقاتي في ما يتعلق بالحكومة. وفيما التعطيل مستمر ويستعاض عن اجتماعات مجلس الوزراء بلجان وزارية، بدا المشهد السياسي والطائفي في البلد مفتوح على فصول جديدة من الصراعات تزيد من حدة الانهيار وتفتح البلد على أخطار خارجية أكبر في ظل رهانات قوى على تطورات إقليمية ودولية تصب في مصلحتها للحصول على مكاسب اذا وضع لبنان على سكة الحل.

يأخذ الصراع مداه في الملفات الداخلية، وعلى هامشه تتعرض التحالفات السياسية والطائفية لاهتزازات كبرى، بدأت تنذر منذ الآن باحتمال عدم إجراء الانتخابات النيابية في أيار المقبل، لا بل تعطيلها بالرغم من الضغوط الدولية لإجرائها، وكذلك عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون. المؤشرات كثيرة على التعطيل الشامل في لبنان، لعل أولها العجز عن إيجاد تسويات داخلية للملفات الخلافية الشائكة، إن كان باشتراط “حزب الله” عودة الحكومة بتنحية المحقق العدلي طارق البيطار، وكذلك تعطيل المؤسسات ورفض عون التوقيع على الكثير من الموافقات الاستثنائية، بما يعني تمدد الفراغ واستمرار الأزمة.

في المعادلة القائمة تعرض تحالف الرئيس ميشال عون وتياره الوطني الحر مع “حزب الله” إلى اهتزازات، وظهر أن هناك ابتعاداً انطلاقاً من حملات التيار العوني وكلام عون وباسيل حول الطعن. لكن ما لا يخرج الى العلن هو المهم في العلاقة بين الطرفين اللذين لا يزالان بحاجة لبعضهما بعضاً في التغطية المتبادلة والمصالح المترابطة. يصوّب التيار العوني على الحزب وهو بحاجة إليه، فيما يعمل الثاني على فصل الملفات تبعاً لحساباته السياسية محلياً وإقليمياً، لذا لن تصل المواجهة الى القطيعة، إذ أنه طوال السنوات الخمس الماضية تولى تحالفهما الحكم وقبله تم إيصال عون إلى الرئاسة ةتةطجت الهيمنة على البلد في مسار الممانعة. وأكثر حملات التيار العوني البوم هي لشد العصب المسيحي والتعبئة، خصوصاً إذا أجريت الانتخابات النيابية وهو استحقاق سيكون “حزب الله” داعم فيه للتيار العوني. ويعلم هذا التيار أن طريقه إلى الانتخابات إذا حصلت، أم لم تحصل، وإعادة الحكومة إلى الالتئام إضافة إلى استحقاق رئاسة الجمهورية المقبل، يحتاج فيها كلها إلى أن يكون متحالفاً مع “حزب الله” وهذا الاخير يحتاج التيار الوطني الحر رغم الترهل الذي أصابه، لتأمين تغطيات سياسية عدة في غير مجال وملف محلي وإقليمي.

المشكلة المطروحة أن البلد يسير من دون أن تتمكن أي هيمنة داخلية على فرض شروطها، إذ أن التركيب اللبناني السياسي والطائفي لا يعطي حتى لقوة “حزب الله” حسم الامور وتحديد وجهة البلد، وان كان مسيطراً ومهيمناً على مفاصل أساسية من القرار. لكن الحزب اليوم يفتقد للتغطية الحكومية بتعطيل الحكومة وتوجه رئيسها نجيب ميقاتي إلى مواقف لا تصب في مصلحته، وان كان لا يريد الصدام معه او حتى الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء يعرف سلفاً أنها قد تفجر الحكومة.

تمدد الفراغ هو السمة الغالبة على مجريات الامور في لبنان في ظل التعطيل المستمر، وعدم القدرة على انتاج تسويات حقيقية، لا صفقات تؤدي الى مزيد من الانهيار. المشكلة أن لبنان غير مفتوح اليوم على وجهة تطويرية للنظام، لا بل إلى مزيد من الصراعات والتعطيل وتأبيد الانهيار. وعليه سنشهد في المرحلة المقبلة استخدام كل الأوراق المتاحة من الأطراف، خصوصاً من رئيس الجمهورية ميشال عون وتياره وأيضاً من مجلس النواب ورئاسته، وصولاً إلى مواعيد الاستحقاقات المعلقة على حبال الصراعات. وهذه الاوراق مرتبطة أيضاً باستحقاق رئاسة الجمهورية، إذ أن عون لن يستسلم بعد لـ”لاقرار المجلس الدستوري”، لا بل سيسعى الى تعزيز موقعه باستخدام أوراقه، في ما يتعلق بتعطيل الحكومة وعدم منح التواقيع للموافقات الاستثنائية والتوقف عن إصدار المراسيم، وحتى عزوفه عن التوقيع على فتح دورة استثنائية لمجلس النواب، فيضغط بذلك على الجميع ويعطل كل الأعمال في البلد في سياق الصراع السياسي.

يعرف “حزب الله” ما يمكن أن تؤدي إليه هذه الامور في العلاقة مع التيار الوطني الحر، لكنه لا يكترث كثيراً لبعضها، انما همه الأساس هو عدم تطويقه في ملفات يعتبرها مرتبطة بالإقليم أو لها امتدادات فيها، لذا سيعمل على إعادة ترتيب العلاقة مع عون من مداخل مختلفة لاستمرار التغطية المتبادلة، إلى أن تحين لحظة المواجهة الكاملة في موضوع التمديد لمجلس النواب ما لم تجر الانتخابات ومعها التمديد للرئاسة أو عدم ترك البلد للفراغ كما قال سابقاً ميشال عون.

البلد أمام مرحلة مفصلية. ستختلط الامور في الداخل نتيجة الصراعات على القرار والسلطة والمصالح، فيما “حزب الله” سيكون في موقع حرج في موازنته بين تحالفه وميشال عون وبين حليفه في الثنائي الشيعي رئيس مجلس النواب نبيه بري، لكنه يحسب الأمور بما يتناسب مع مشروعه وحساباته ومرجعيته الإيرانية. ومع أن الانتخابات الرئاسية لن تُحسم إلا دولياً وبالتماهي مع التطورات التي ستحدد موازين القوى، يبدو عون مصراً على البقاء في القصر الجمهوري إذا حدث الفراغ وجرى تعطيل الانتخابات النيابية، وهو أمر قد يفتح على احتمالات تصعيد أمني خطير في البلد قبل الاستحقاقين وبعدهما.