جاء في العرب اللندنية:
استبعد قائد الجيش العماد جوزيف عون، في تصريحات لافتة، انهيار المؤسسة العسكرية في بلاده بعدما دأب منذ أكثر من عامين على التحذير من هذا المنزلق، في خطوة قالت أوساط سياسية لبنانية إنها جاءت بعد تلقيه تطمينات دولية بذلك.
وذكرت أوساط لبنانية أن تغيّر خطاب قائد الجيش من التحذير المتكرر من مغبة انهيار المؤسسة العسكرية إلى القول بأن هناك سيناريو للتعامل مع الأسوأ يشي بتغيّر التعامل الدولي مع متطلبات الجيش اللبناني من تقديم مساعدات عينية من أكل وشرب وملابس إلى توفير التمويل المباشر لرواتب العسكريين.
وأشارت تلك الأوساط إلى أن من شأن هذا التغيّر أن يحيّد تماما الجيش اللبناني عن تداعيات الأزمة الاقتصادية ويضمن له مواصلة أنشطته دون صعوبات ودون مخاطرة.
وقال عون خلال حديثه إلى الضباط في اجتماع استثنائي عقده في اليرزة (مقر القيادة) شرق بيروت الأربعاء “الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد ستطول”، لكنّه أشار إلى وجود “سيناريوهات لمواجهة الأسوأ”.
وأضاف “إنّها أزمة ستمر، مررنا من قبل بظروف صعبة وتجاوزنا الأمر، فلا توجد أزمة إلا ووراءها فرج، المهم أن نصمد أمام هذه العاصفة إلى حين انتهائها”.
وأشار إلى أنّه “طلب مساعدات مادية للعسكريّين لكنّ الأمر اصطدم بمعوّقات قانونية ودستورية (لم يوضحها) لدى الجهات المانحة ويتمّ العمل على إيجاد حلول لها”.
وتنامى الاستياء في صفوف الجيش اللبناني بسبب انهيار العملة، الذي أدى إلى إلغاء أغلب قيمة رواتبهم. وانخفضت قيمة الليرة اللبنانية 90 في المئة منذ أواخر 2019، في انهيار مالي يشكل أكبر تهديد لاستقرار لبنان منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.
ويفرض الانهيار الاقتصادي ضغوطا غير مسبوقة على القدرات العملياتية للجيش، مما يؤدي إلى القضاء على قيمة رواتب الجنود وتحطيم معنوياتهم. ويعرّض هذا التدهور للخطر أحد مراكز القوى القليلة التي توحد اللبنانيين في وقت تتصاعد فيه التوترات الطائفية ومعدلات الجريمة وسط ارتفاع شديد في نسب الفقر.
وينظر إلى الجيش اللبناني منذ فترة طويلة على أنه مؤسسة تمثل نموذجا نادرا يجسد الوحدة والفخر الوطني. وأدى انهيار الجيش في بداية الحرب الأهلية عندما انقسم وفقا لانتماءات طائفية إلى تسريع انزلاق لبنان نحو سيطرة الميليشيات.
ويخشى المجتمع الدولي من أن تتسبب الأزمة الاقتصادية الحادة في تفكك الحصن الأخير لأمن اللبنانيين في ظل أجندات داخلية وخارجية تتربص باستقرار البلاد.
وكثفت القوى الدولية مؤخرا، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا، دعمها العسكري واللوجستي للجيش اللبناني؛ وذلك لعدة اعتبارات على رأسها تعزيز سيادة الدولة ومنع انهيار آخر حصن لأمن اللبنانيين، إلا أن الدعم الغربي موجه أيضا لمواجهة تنامي القدرات العسكرية لحزب الله التي قد يستغلها لفرض أجنداته الداخلية والإقليمية.
ويرى محللون أن الاندفاعة الغربية لانقاد الجيش اللبناني من الانهيار ستظل غير كافية إذا بقيت مقتصرة على المساعدات المالية العينية، مطالبين بضرورة تسريع المساعي الدولية لتوفير تمويل مباشر لرواتب العسكريين والأمنيين.
وأشار هؤلاء إلى أن انهيار المؤسستين العسكرية والأمنية يضع لبنان تحت سطوة الميليشيات التي تمتلك ترسانة كبيرة من الأسلحة تفوق إمكانيات ما لدى القوى اللبنانية الحاملة للسلاح.
وتتطلع الدول الغربية، بحسب مراقبين، إلى دور أكبر للمؤسسة العسكرية اللبنانية؛ بغية ترجيح كفة الردع العسكري للدولة في مواجهة تنامي قدرات حزب الله، بما يساهم في منع أيّ ضغوط من الأخير لتحقيق مصالح سياسية في الداخل اللبناني أو تجاه ملفات إقليمية.
وقال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن إدارة جو بايدن ترغب في تفعيل قدرات الجيش اللبناني للتصدي لحزب الله واحتواء نفوذ إيران في لبنان.
وأوضح المسؤول أن الإدارة الأميركية تدرك ان طهران تؤدي دورا فاعلا ومؤثرا في لبنان عبر تنظيم حزب الله، وهي بالتالي ستبقى متمسكة بنفوذها في هذا البلد على الرغم من التقارب الممكن حصوله على مستوى المحادثات غير المباشرة مع طهران والمتعلقة بملفها النووي.
وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتريش، الذي أدى زيارة استغرقت ثلاثة أيام إلى لبنان انتهت الأربعاء على استمرار الدعم الدولي للجيش اللبناني وباقي المؤسسات الأمنية، معتبرا ذلك “أساسيا لاستقرار لبنان”.
وحث غوتريش بعد لقائه الرئيس اللبناني ميشال عون “كل الدول الأعضاء على زيادة دعمها والاستمرار فيه”.
وأفادت مصادر لبنانية مؤخرا بأن عدد الفارّين من الخدمة في الجيش اللبناني تجاوز عتبة الخمسة آلاف بين ضباط وعسكريين، بينما لامس العدد خمسمئة في قوى الأمن الداخلي وتجاوز العشرات في بقية الأجهزة الأمنية.
وتأتي هذه الأرقام التي لا تزال غير مقلقة، ولكنها مرشحة للارتفاع، في وقت تزداد فيه المخاوف من انهيار كبير للمؤسسة العسكرية والأمنية في حال قررت الحكومة اللبنانية السماح بتسريح العسكريين من الخدمة للضغط على المصاريف الحكومية الشحيحة.