بعيداً عن التسريبات حول كلمة رئيس الجمهورية المنتظرة الاثنين، وكل الحديث عن تصعيد سياسي بوجه “حزب الله” في محاولة من العهد لممارسة ابتزاز جديد لتحقيق المقايضة التي يسعى إليها صهر العهد النائب جبران باسيل والتي يسعى فيها إلى تحقيق مطلبين لا مساومة عليهما بالنسبة للعهد: تطيير الانتخابات النيابية تجنباً لفضيحة تراجع تمثيل “التيار” والاحتمال الجدي جدا لرسوب باسيل، وفرض جلسة للحكومة تُقرّ فيها سلسلة التعيينات المطلوبة لمصلحة باسيل بدءًا بتعيين بديل “عوني” لحاكم مصرف لبنان وصولاً لتغيير رئيس مجلس القضاء الأعلى والحلقة القضائية الكاملة للإمساك بمفاصل القضاء في الأشهر الأخيرة من العهد. بعيداً عن كل القراءات السياسية، في ما يأتي نص الكلمة المتخيّلة لفخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الاثنين فيما لو أراد فعلاً ولوج باب الحل والتغيير الحقيقي والإصلاح المنشود:
أيتها اللبنانيات، أيها اللبنانيون…
من دون مقدمات أعترف أنني فشلت في عهدي في تحقيق المطلوب مني، فسقطت كل رهانات اللبنانيين على إجراء الإصلاح والتغيير الحقيقيين للنهوض بالوطن.
فشلت لأسباب عديدة، منها خارجة عن إرادتي ولا أتحمل مسؤوليتها، ومنها بسبب أدائي وممارسات الفريق المحيط بي.
الثابت أنني كرئيس للجمهورية لا أتحمّل ولا يمكن تحميلي مسؤولية كل ما آلت إليه الأوضاع على مختلف الأصعدة السياسية والمالية والاقتصادية والأمنية، والتي تعود جذورها إلى تراكمات العقود الثلاثة الأخيرة، لكنني أعترف أنني لم أقم بأي خطوة حقيقية في الاتجاه المطلوب لإصلاح ما كنا وصلنا إليه أو لمحاولة تغيير المسار الخاطئ.
لست أنا ولا “التيار الوطني الحر” من أوجد “حزب الله” ولا من غطّاه وحماه تكراراً، من مرحلة الاحتلال السوري، مروراً بالاتفاق الرباعي وليس انتهاء بكل حكومات “ربط النزاع” ولا خوفاً منه تحت شعار “تجنّب الفتنة السنية- الشيعية”. لكنني أعترف وأقرّ بأنني من موقعي كرئيس للجمهورية اضطررت لأن أسلّف “حزب الله” كل المواقف الرسمية، تماماً كما فعل صهري جبران باسيل خلال توليه وزارة الخارجية ومن أعقبه فيها، لتأمين مصالح الحزب فسخّرنا سياسة لبنان الخارجية ومواقفه لخدمة “حزب الله” فدفعنا ثمناً باهظاً بالمقاطعة الخليجية والدولية وصولاً إلى حدّ أننا تسببنا بعزلة لبنان وهذا ما سرّع الانهيار بشكل كارثي نتيجة وقف تدفق العملة الصعبة إلى البلد نتيجة المقاطعة السياحية والاستثمارية وصولاً إلى مقاطعة المنتجات اللبنانية الزراعية والصناعية.
ليس “التيار الوطني الحر” من أسّس سياسة الفساد في لبنان، وهي موجودة منذ ما بعد “الطائف” نتيجة تركيبة نظام الحمايات الطائفية المذهبية، وتوزيع المؤسسات والصناديق والمجالس كمغانم طائفية على التكتلات الحزبية والمذهبية. لكنني أعترف وبكل أسف أننا في “التيار الوطني الحر”، وعوضاً عن محاولة الإصلاح والتغيير، انخرطنا في التركيبة وبتنا شريكاً أساسياً في المنظومة وأجرينا الصفقات على كل المستويات، وبتنا نتعاطى مع الأطراف السياسية والطائفية بما يخدم مصالحنا الخاصة لا المصلحة الوطنية، ودفعنا الثمن عبر العقوبات الأميركية على جبران باسيل والمتعهد داني خوري. ولعل الفضيحة الكبرى التي نتحمّل مسؤوليتها تكمن في ملفي الكهرباء والسدود حيث فشل وزراؤنا فشلاً ذريعاً وكبدنا الخزينة عشرات مليارات الدولارات نتيجة إصرارنا على تغييب الشفافية وتغليب المصالح الخاصة على المصلحة الوطنية.
وفي السياسة فشلنا لأننا سخّرنا في هذا العهد مبدأ إعلاء مصلحة صهري جبران باسيل على مصلحة البلد بدءًا من تشكيل الحكومة وليس انتهاء بكل ملفات التعيينات والتشكيلات القضائية والدبلوماسية وصولاً إلى ملفات كملف الترقيات في قوى الأمن الداخلي. واليوم نفاوض من أجل إجراء مقايضة تضمن تأجيل الانتخابات النيابية حتى إشعار آخر وانعقاد الحكومة لإقرار سلسلة تعيينات مالية وقضائية وإدارية تأميناً لمصالح باسيل بعد انتهاء العهد وللحفاظ على فرص خلافتي في القصر الجمهوري.
لذلك، وبناء على كل ما تقدّم، أعلن استقالتي من رئاسة الجمهورية، وآمل أن تشكل هذه الاستقالة مدخلاً إلى الحل الشامل عبر دعوة الحكومة إلى إجراء انتخابات نيابية عاجلة في أسرع وقت ليتمكن المجلس الجديد من انتخاب رئيس جديد للجمهورية يعمل على الإمساك بالقرارات السيادية واستعادة علاقات لبنان العربية والدولية والسعي لتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان وفي طليعتها القرارات 1559 و1680 و1701، بما يؤدي إلى حصر السلاح بيد الشرعية اللبنانية وإطلاق حوار وطني- سياسي داخلي من أجل تطوير نظامنا بما يسمح بتفعيله والانتهاء من مكامن التعطيل فيه لنُبقي الأمل لشبابنا وللأجيال المقبلة.
عشتم وعاش لبنان…