كتبت راكيل عتيّق في “الجمهورية”:
ليس كشف التحالف العربي بقيادة السعودية، نهاية الأسبوع المنصرم، عن تورُّط «حزب الله» في حرب اليمن بالأمر الجديد. لكنّ عرض أدلّة تثبت هذا التورُّط وتحميل «الحزب» مسؤولية «الوفيات واستهداف المدنيين» في السعودية، واعتبار أنّ على المجتمع الدولي مسؤولية لمنع نشاطات «ميليشيا» «حزب الله» التي امتدت الى خارج لبنان، ليس عابراً في هذا التوقيت. وعلى رغم أنّه مرتبط أساساً بحرب اليمن والنزاع الإيراني – السعودي، الذي يُعدّ «حزب الله» جزءاً منه، إلّا أنّه لا ينفصل عن سياق العلاقة اللبنانية – السعودية، ووضع لبنان في أجندة الرياض وسياستها. فقد يكون هذا التصريح مقدّمة للإمعان في سياسة عزل لبنان و»معاقبته»، أو قد يكون محفّزاً للانغماس السعودي مجدداً في الساحة اللبنانية، خصوصاً على المستوى السياسي.
نجح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارته للسعودية، الشهر الفائت، بكسر القطيعة السعودية تجاه لبنان ولجم إجراءاتها المتصاعدة ضدّه، بعد أن استحصل على ورقة استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي الذي كانت أثارت تصريحاته عن حرب اليمن أيضاً، حفيظة السعوديين وبعض دول الخليج.
وتمكّن ماكرون من ترتيب اتصال ثلاثي ضمّه وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، تلاه بيان فرنسي – سعودي مشترك تناول لبنان. كذلك انتزع ماكرون من ولي العهد اتفاقاً على «إنشاء آلية سعودية – فرنسية للمساعدة الإنسانية في لبنان».
وكشفت سفيرة فرنسا لدى لبنان آن غريو، لاحقاً، أنّ آلية المساعدات الإنسانية هذه تقوم على فكرة «إنشاء صندوق ائتماني تشترك فيه الدولتان، وأيضاً الشركاء الخليجيون الآخرون، لتمويل مشاريع تساعد الشعب اللبناني مباشرةً». وأكّدت أنّ «المساعدات الفرنسية – السعودية لن تمرّ عبر الدولة اللبنانية، وهو شرط وضعته المملكة العربية السعودية، ومحدّد حالياً من قِبل المجتمع الدولي بأسره».
لكن حتى الآن، لم يُترجَم الدفع الفرنسي في اتجاه العودة السعودية الى لبنان على الأرض، ولم تنتج أي مفاعيل عملية من الاتصال الثلاثي، إذ لم تُعِد السعودية سفيرها الى بيروت، ولم تتراجع عن القرارات التي اتخذتها بعد الأزمة التي نشأت مع لبنان إثر تصريحات قرداحي. ما تغيّر فعلياً، بعد تلك المبادرة الفرنسية، هو انغماس السعودية في لبنان سياسياً، لكن عبر البيانات، وذلك خلال جولة ولي العهد السعودي الخليجية في الشهر الجاري، والتي طالبت لبنان بـ»اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالإصلاحات الشاملة ومكافحة الفساد وبسط السيطرة على سيادته ومؤسساته، ومنع «حزب الله» الإرهابي من ممارسة نشاطاته الإرهابية واحتضانه ودعمه للتنظيمات والميليشيات الإرهابية المزعزعة للأمن والاستقرار في الدول العربية لتنفيذ أجندات دولية وإقليمية».
كلّ هذه المعطيات تجعل جهات سياسية تعتبر أنّ السعودية قد لا تزيد من «إجراءاتها العقابية» على لبنان بسبب «حزب الله»، لكنها لن تعود الى دعم الدولة بأي شكل من الأشكال أو إعادة العلاقات الطبيعية معها، طالما أنّها تعتبر أنّ «حزب الله» يستهدفها من خلال الدولة اللبنانية وعبر خاصرتها اليمنية.
على رغم ذلك، لا يزال الفرنسيون يعوّلون ويعملون على إعادة الدعم السعودي للبنان، أقلّه للشعب اللبناني مباشرةً وليس عبر الدولة. وتكشف مصادر سياسية زارت باريس أخيراً، عن أنّ الفرنسيين يعتبرون أنّهم أجروا نقلة نوعية خلال زيارة ماكرون الأخيرة للخليج، بالاتصال الذي أمّنوه مع ميقاتي والبيان الذي صدر بعده، وبإقناع السعودية بالمشاركة في صندوق مساعدات للبنان بإدارة فرنسية، وهُم الآن في طور تحديد القطاعات التي سيعملون فيها وتشملها هذه المساعدات، لكن بالشروط نفسها، وأبرزها الإصلاحات. لكن هذه المصادر تعتبر أنّ السؤال الأساس الآن: هل أنّ تنفيذ هذه المساعدات مرتبط بالخيارات السياسية؟ فالسعوديون يحملون في يد جزرة وفي الأخرى عصا، إذ يتحدثون من جهة عن إرادة بالمساعدة ومن جهة ثانية تصدر البيانات العالية السقف في ما يتعلّق بـ»حزب الله» الذي يعرف الجميع أنّ ارتباطاته تتخطّى الساحة اللبنانية. وبالتالي كيف سيوفّقون بين الموقف العالي السقف وإرادة المساعدة؟ قد يجري ذلك بفصل هذين الأمرين، إذا كانت الرغبة في المساعدة لدى السعوديين صادقة، بحسب المصادر نفسها، خصوصاً أنّ الفرنسيين أخذوا على عاتقهم إدارة هذا الموضوع من دون أن يظهر أنّهم يدعمون السلطة أو النظام. فهناك رغبة فرنسية بالضغط وإدخال الخليج وتحديداً السعودية الى المساعدة في لبنان، وإرادة بترجمة هذه الرغبة، من دون تحديد فترة زمنية لولادة صندوق المساعدات هذا وتنفيذه.
أمّا القطاعات التي ستشملها هذه المساعدات، فستكون مبدئياً الصحة والتربية والمياه، بحسب المصادر إيّاها. إلّا أنّ «هذه القطاعات كلّها شئنا أم أبينا ليست معزولة عن الدولة، فالإدارة العامة هي التي تديرها، إن المستشفيات الحكومية أو المدارس الرسمية أو مؤسسة المياه».
وفي حين يرى البعض أنّ استقالة قرداحي كانت «شبه مجانية»، توضح مصادر سياسية معنيّة أنّ خطوة قرداحي كانت حكيمة، وجرى من خلالها نزع فتيل الأزمة ووقف تدهور العلاقة السعودية – اللبنانية عند حدٍ معيّن. وتؤكّد أنّ الباب السعودي ليس مقفلاً، بل كان يُدرس موضوع إعادة عملية التصدير، والمطلوب من لبنان إجراءات مطمئنة على هذا الصعيد.
من جهتها، تعتبر جهات سياسية قريبة من المملكة، أنّ هناك «عودة سعودية قوية الى لبنان من الباب السياسي، ولا يجب النظر دائماً الى السعودية كأنّها «قجة مصاري»، فهذه دولة لديها موقف سياسي كبير، وهي الآن رأس حربة العالم العربي وتدافع عن سيادة الدول العربية وكياناتها». ومن خلال التواصل مع الرياض، تخلص هذه الجهات الى أنّ «لبنان يشغل همّاً أساسياً لدى الخليجيين وتحديداً السعودية، لكن لماذا على المملكة أن تموّل دولة بمساعدات تذهب الى جماعات ودول أخرى؟». أمّا الموقف السعودي بخطواته العملية، فلا يُمكن أن يتغيّر، بحسب هذه الجهات، الّا في حال تبدّلت طريقة التعاطي من قِبل الدولة اللبنانية، واتخاذ الحكومة إجراءات تثبت أنّها سيدة على أرضها وقراراتها، وتمنع أن يكون هناك فريق داخلي يتدخّل بشؤون دول أخرى ويهز استقرارها وأمنها. كذلك إنّ الأمور مرهونة بالانتخابات وإنتاج سلطة جديدة، وبقدر ما تُظهر السلطة أكثر وأكثر حرصها على سيادتها بقدر ما تتغيّر الإجراءات السعودية وتتبدّل بالاتجاهات المطلوبة.