كتب أسامة القادري في “نداء الوطن”:
بعد مرور نحو ثمانية أشهر على ضبط السلطات الامنية السعودية “شحنة رمان الكبتاغون”، القادمة اليها من لبنان، بموجب شهادة منشأ مزورة كانت قدمت من سوريا الى لبنان على دفعتين عبر نقطة المصنع الحدودية، ما زال بلد الارز يعاني عدم قدرته على تصدير انتاجه الزراعي والصناعي باعتبار أن السوق الخليجية هي الأكبر والأوسع بالنسبة للمنتجات اللبنانية. فهذه العملية كانت دفعت بالسعوديين لأن يرفعوا الصوت ويحمّلوا السلطات الأمنية اللبنانية مسؤولية التهاون والتواطؤ لتصدير المخدرات الى المملكة، ومنعوا كل أنواع الصادرات اللبنانية من الدخول ليحذو حذوهم باقي دول الخليج العربي، فوازنت الادارة السعودية تجارة الآفات والمخدرات مع تصريحات ومواقف السياسيين اللبنانيين التابعين للمعسكر الإيراني.
وبالبحث عن السبب أعادت السلطات السعودية هذا القرار الصارم الى إرتفاع معدل عمليات تهريب المخدرات من لبنان اليها بشكل مفضوح، واعتبارها أن سببه تلكؤ القوى الامنية والعسكرية في وضع حد لهذا التمادي. مصادر متابعة لعمليات التهريب أكدت لـ”نداء الوطن” أن الاجهزة الامنية السعودية عند الحدود تواكب التطورات، انما تبين أن المملكة تواجه حرباً شعواء من قبل الايرانيين وادواتهم في المنطقة ليتم ارسال المخدرات الى الداخل السعودي لما له من تأثير في تفكك البنيتين الوطنية والاسلامية. وأحد أهم مصادر المخدرات حبوب مخدرة وحشيشة كيف هي من لبنان غالبيتها مخبأة بشحنات الخضار والفواكه والصناعات اللبنانية. وهذا العدد الهائل من عمليات التهريب ليس صدفة او لكون السوق السعودية خصبة للترويج انما لأنه يأتي ضمن خطة لخلق تداعيات سياسية تهدد أمن المملكة.
وقالت: “التحقيقات ومتابعة ضبط العمليات أظهرت أن شحنة الرمان ليست أكبر كمية تضبط انما سبقتها شحنات عديدة ومنها شحنة ماليزيا وتبين ان مصدرها لبنان، وغالبية الناشطين في تجارة المخدرات ومصانع هذه الحبوب المخدرة يتمركزون في البقاع، كما ان كبرى هذه المعامل نقلت الى منطقة القلمون السورية، فيتم تصنيعها هناك وتهرب الى لبنان ومن ثم توضب داخل منتجات زراعية او صناعية وتصدر بموجب شحنات مزورة المنشأ”. لذا إن “شحنة رمان الكبتاغون”، ما زالت لها تداعيات اقتصادية كبيرة عدا انها تهدد سمعة المنتجات اللبنانية، وما تلاها من مواقف مسيئة لسياسيين في الحكومة اللبنانية لها ارتداداتها على العلاقة اللبنانية مع دول الخليج على القطاعين الزراعي والصناعي، مما اوقع العاملين فيهما بخسائر كبيرة نتيجة توقف التصدير، وبعد وساطات وتدخلات سياسية اقليمية ودولية تركت أثراً على الوضع الاقتصادي ليتبعها تصريح مسيء لوزير خارجية لبنان آنذاك شربل وهبة ثم تصريحات جورج قرداحي. وقالت مصادر أمنية لبنانية لـ”نداء الوطن” أن “بعض عصابات تهريب المخدرات تحت حماية سياسية، وتبين التحقيقات مع موقوفين ومتهمين ارتباط هذه الشبكات مباشرة بأجهزة خارج لبنان وبجماعات حزبية لبنانية. وكانت كميات الحبوب المخدرة الكبيرة السبب في نقل العشرات من معامل الكبتاغون الضخمة الى الداخل السوري، لذلك ليس سهلاً ضبط هذه العصابات”. القوى الأمنية والعسكرية تحتاج الى قرار سياسي برفع الغطاء عن جميع العاملين في هذه الآفة”. وأضافت “إن عمليات الضبط تتزايد كلما تزودت المعابر ومراكز الجمارك بأجهزة سكانر حديثة”.
مصدر جمركي لبناني أوضح لـ”نداء الوطن” أن غالبية الشحنات المضبوطة يتم تصديرها بموجب شهادات منشأ مزورة، وقال: “الواضح أن هناك شركات عريقة تصدر منتجات زراعية وصناعية لا يمكن موازاتها مع الشركات الوهمية”. وأضاف: “يجب على وزارة الاقتصاد ان تعتمد آلية المكننة لإعطاء اذونات التصدير والمنشأ، بالتعاون مع غرفة التجارة والصناعة والزراعة التي تتبع لوزارة الاقتصاد كسلطة وصاية”.
وقال “ليس لدى الجمارك أجهزة سكانر، وكمية الرمان المصدّر لم تخضع للتفتيش لحظة دخولها براً إلى بيروت، ولا في أثناء شحنها بحراً من مرفأ بيروت إلى السعودية، نظراً إلى افتقار الجمارك إلى الأجهزة”.
من جهته رئيس تجمع الصناعيين في البقاع نقولا أبو فيصل يؤكد لـ”نداء الوطن” أن الصناعيين اللبنانيين لم يعودوا قادرين على مواجهة المصائب التي تحل بهم والتي إستنفدت طاقاتهم الذهنية والفكرية وحتى المادية”، وقد بلغت الامور ذروتها منذ أكثر من عامين مع بدء الحصار الاقتصادي على لبنان والانهيارات الاقتصادية والمالية المرعبة واستكملت بحظر دخول المنتجات اللبنانية الى السعودية والبحرين، حتى صار الهروب من الموت البطيء للصناعيين والبحث عن دول تستضيف صناعاتهم احد الخيارات القليلة المتاحة بين ايديهم، رغم إيمانهم الدفين بأن قراراتهم بالانتقال خارج الوطن ليست صائبة.
وتابع: “عانت الصناعة الوطنية لسنوات من مشاكل عديدة كان ابرزها إغراق الاسواق بالعديد من المنتجات المستوردة تبعاً لاتفاقيات تجارية ظالمة، كما عانت من كلفة انتاج مرتفعة مقارنة بالدول المجاورة، اما اليوم وبعد الانهيار الحاد لليرة فإن امام الصناعة الوطنية فرصة ذهبية في التطور وتقليص الواردات لمنتجات يتم تصنيعها محلياً مع ارتفاع كلفة الاستيراد وانخفاض كلفة الانتاج الوطني بحدود 20% تقريباً حسب التكلفة التشغيلية لكل قطاع من القطاعات الانتاجية، وصولاً الى زيادة الصادرات اذا فتحت اسواق السعودية وصولاً الى تفاؤل بالوصول الى تعادل في الميزان التجاري في السنوات الخمس القادمة عبر زيادة موازنات وزارتي الزراعة والصناعة والغاء الاجازات التافهة او الحصول عليها الكترونياً، ولسنا بحاجة لدعم دولتنا بقدر ما نحتاج للحماية من الحدود المفتوحة والمصانع غير المرخصة”.
وقال: “مملكة الخير كانت ولا تزال الداعمة لوطننا وكفى بعض اللبنانيين مكابرة، وحسناً حصل باستقالة وزير الخارجية وبعدها استقالة وزير الاعلام”. وتابع “في هذا الوضع أصبح هم الصناعي الاستمرارية، لبقاء العمال وليس الربح. والواضح ان تدمير القطاعات في لبنان هو ضمن خطة مبرمجة لتحقيق الانهيار الاخير لكل مقومات الصمود”. وفند بالارقام ميزان الصادرات والواردات بين لبنان والدول الخليجية.
صادرات لبنان في عام 2020
إلى الإمارات:552.9 مليون $، إلى السعودية:219 مليون $، إلى الكويت:74.2 مليون $، إلى البحرين:14.8 مليون $
الواردات اللبنانية في 2020
من الإمارات:633.7 مليون $،
من السعودية:183.5 مليون $،-من الكويت:189.1 مليون $، من البحرين:6.2 مليون $
بدوره، رئيس لجنة الاقتصاد في غرفة تجارة وصناعة وزراعة زحلة والبقاع طوني طعمه استعرض ارتدادات ظاهرة تهريب المخدرات. وقال: قرار وقف الصادرات ما زالت تداعياته تكبر ويشكل ضرراً كبيراً على المنتجات الزراعية لأن الخليج أهم الأسواق للمنتجات اللبنانية ومصدر رئيسيا لتأمين الكاش دولار”. وأسف طعمه لكون “المنظومة الحاكمة غائبة عن المعالجات الجدية، وتتفرج على انهيار العلاقات بين لبنان والدول العربية والاوروبية وغيرها نتيجة لخطابات سياسية خشبية”. وكشف “أن حجم الخسائر المرتقبة من وقف التصدير إلى دول الخليج كبير، إن حجم صادراتنا هو حوالى 700 مليون دولار وفي غياب الدولة اللبنانية وعدم وجود حكومة فاعلة نتوقع خسائر إضافية”.