ألقى رئيس تيار الكرامة النائب فيصل كرامي، كلمة لمناسبة الذكرى السابعة لرحيل رئيس مجلس الوزراء السابق عمر كرامي، وذلك في منزله في طرابلس.
فقال: “ايها اللبنانيون، اني اذ اشارككم هذا العام الذكرى السنوية لرحيل عمر كرامي، انما ليس لكي اتذكره، او لكي استذكر مواقفه وثوابته واخلاقياته وحكمته ونهجه، فكل ذلك حاضر في يومياتي وفي كل تفاصيل حياتي. ايها اللبنانيون، اني اذ اشارككم هذا العام ذكرى عمر كرامي، انما اشارككم، وبكل مرارة، ذكرى وطن من المفترض حسب الفقرة الف من مقدمة الدستور انه وطن سيد حر مستقل ووطن نهائي لجميع ابنائه ووطن واحد ارضاً وشعباً ومؤسسات.
ولكم ان تتخيلوا كم هي هذه الثوابت البديهية بعيدة عن الواقع الذي نعيشه، لكأن فاتحة الدستور تحكي عن وطن آخر غير هذا الوطن، وطن تخلى نهائياً عن جميع ابنائه.
اشارككم ذكرى وطن من المفترض حسب الفقرة ب من مقدمة الدستور انه عربي الهوية والانتماء، وانه عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها. واتساءل اين هي الهوية واين هي العروبة واين هي الجامعة واين هي مواثيقها.
اين هي العلاقات المميزة التي تربط لبنان بإشقائه العرب كما نص الدستور؟ أين هي روابط الأخوة المميزة التي تربط لبنان مع سوريا التي نأمل ان نستعيد مكانها الطبيعي في الحضن العربي.
اشارككم ذكرى وطن من المفترض حسب الفقرة ج من مقدمة الدستور انه جمهورية ديمقراطية برلمانية تقوم على العدالة الاجتماعية وعلى المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز او تفضيل. وفعلياً لم يبق من الجمهورية ومن الديمقراطية ومن البرلمانية سوى اشكال كرتونية، واما العدالة والمساواة بين المواطنين فتحولتا الى عدالة ومساواة في تجويع المواطنين وفي اهانة المواطنين وفي دفع المواطنين الى الكفر بهذا الوطن.
اشارككم ذكرى دولة من المفترض حسب الفقرة د من مقدمة الدستور ان الشعب فيها هو مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية. والشعب صار شعوباً، ولم يعد مصدراً للسلطات، بل تحول الى رهينة لسارقي السلطات يتم استعماله لحماية حصونهم الطائفية والمذهبية والمالية عبر التخويف والترهيب وزرع الفتن.
وها هم اليوم قد انجزوا المهمة التي اقلقت عروشهم في ١٧ تشرين الاول عام ٢٠١٩ وانقضّوا على الانتفاضة الاجتماعية وشرّعوا استباحتها والاستثمار فيها من الداخل والخارج، واضافوا بذلك الى الطوائف اللبنانية طائفة جديدة هي طائفة الثورة او طائفة المجتمع الدولي”.
أضاف: “اشارككم ذكرى دولة نظامها من المفترض حسب المادة ه من الدستور قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها. وما فعله اللبنانيون منذ ٣٠ سنة حتى اليوم هو الخلط بين السلطات وتنافرها وتضاربها. من بوسعه اليوم ان يميّز بين سلطة تشريعية رقابية وبين سلطة تنفيذية اجرائية وبين سلطة قضائية مستقلة؟ وهنا اتساءل اين اصبح اقتراح القانون الذي تقدم به عمر كرامي مع مجموعة من نواب المعارضة قبل نحو عشرين سنة والمتعلق باستقلالية القضاء؟
ان كل السلطات مجتمعة هي اشلاء سلطات يحكمها مجلس مليّ مقنّع غير معلن تتحكم به مصالحه السلطوية وارتهانه للخارج شرقاً وغرباً وشهواته المتوحشة غير المسبوقة في تاريخ الدول للتحكم في كل ما يتعلق بالناس بدءاً من لقمة العيش وصولاً الى لقمة الموت، حتى اصبحنا عبرة عند الدول عندما يتحدثون عن الفساد وعن نهب المال العام!
اشارككم ذكرى دولة نظامها من المفترض حسب الفقرة و من الدستور قائم على الاقتصاد الحر الذي يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة. وعملياً لقد حوّلوا الاقتصاد الحرّ الى اقتصاد ريعي قاتل للانتاج القائم على الاحتكارات، وقد بدأ هذا الاقتصاد مسيرته التدميرية بمراكمة الديون والسيطرة على القطاع المصرفي وتشريع ابواب وصناديق ومجالس النهب الممنهج وابتكار الهندسات المالية المشبوهة وانتهى الى السطو على اموال المودعين ومدّخراتهم وتحويل ليرة الفقراء الى ورقة بلا قيمة.
اشارككم ذكرى دولة من المفترض حسب الفقرة ز من الدستور ان الانماء المتوازن بين مناطقها هو ركن اساسي من اركان وحدتها واستقرار النظام بشكل عام. فعلياً جرى تدمير ونسف هذا الركن بشكل كامل، وبدل الانماء المتوازن وجدنا مناطقنا ترزح تحت الحرمان المتوازن وكأن المطلوب هو عكس وحدة الدولة عكس استقرار النظام.
اشارككم ذكرى دستور ينصّ في الفقرة ح من مقدمته على ان الغاء الطائفية السياسية هو هدف وطني اساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية. وعلى مدى ٣٠ سنة جرى تطبيق خطة مرحلية لتكريس وترسيخ الطائفية السياسية وغير السياسية وبكل اشكالها المذهبية المقيتة، وهو ما نعيشه اليوم على ارض الواقع.
اشارككم ذكرى دستور ينصّ في الفقرة ط من مقدمته على ان ارض لبنان ارض واحدة لكل اللبنانيين وان لا فرز بين الشعب على اي اساس كان وان لا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين. ويتبيّن اليوم ان كلام الدستور مجرد حبر على ورق وان الواقع هو عكس كل هذا الكلام، فلا ارض لبنان واحدة لكل اللبنانيين، وفرز الشعب اللبناني قائم ومستمر بنجاح على كل المستويات، والكل ذاهب الى التجزئة والتقسيم والتوطين.
اشارككم ذكرى دستور ينص في الفقرة ي من مقدمته على ان لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك. وهنا تجلّت العبقرية اللبنانية في تحويل هذه الفقرة الى نقيضها، حيث ان لا شرعية لأي سلطة تعزّز ميثاق العيش المشترك. لقد جرى نسف العيش المشترك وتحريف وتشويه الدستور عبر تحميل هذه الفقرة تفاسير استنسابية غبّ الطلب. وتحت شعارات وعناوين الميثاقية والديمقراطية التوافقية وحقوق الطوائف وسواها من عبارات برّاقة جرى تأسيس لبنان آخر لا يشبه ماضيه ولا يشبه مستقبله ولا يمت بصلة الى دستوره”.
وقال: “باختصار، ان الدستور بريء من كل الارتكابات والاخطاء وتوابعها، ومن حقنا التساؤل لماذا لا يتم تطبيق هذا الدستور المنبثق من اتفاق الطائف الذي اجتمع عليه اللبنانيون كعقد اجتماعي جديد يؤسس للسلم الاهلي وللدولة المدنية في ظل حكم القانون والمؤسسات؟ واني اقول صراحة للداعين الى مؤتمر تأسيسي او مؤتمر وطني او مؤتمر حواري ان الاولى بنا جميعاً ان نطبق دستورنا ونكتشف حسناته وسيئاته عبر التطبيق قبل ان نذهب الى عقد مؤتمرات قد نعرف لماذا عقدناها لكننا حتما لا نعرف الى ماذا ستنتهي”.
واردف: “ايها اللبنانيون، لقد تخيّلنا اننا نواجه منظومة سلطة وفساد فقط، ونكتشف اليوم اننا نواجه مشروعاً يعيدنا الى عام ١٩٢٠ وان علينا ان نعيد انتزاع لبنان الذي نريده ونستحقه في ظل متغيرات وتسويات وصفقات اقليمية ودولية تعصف من حولنا وتنذر بتغيير وجه المنطقة وخرائطها. واسمحوا لي هنا ان اتوجّه تحديداً الى رفاقي في تيار الكرامة الذين كانوا ينتظرون ان نحيي ذكرى الرئيس عمر كرامي في احتفال شعبي، لكن التفشي المتزايد والمتسارع لجائحة كورونا أملت علينا جميعاً ان نتّخذ كافة الاحتياطات الوقائية حفاظاً على صحة الجميع، واقول لهم ان علينا مواجهة التحديات مهما كانت كبيرة وان الشعارات التي سنخوض معاركنا السياسية في ظلها تتلخص في ثلاثة عناوين:
– اولاً: ان الحلول التي نبحث عنها لكل ازماتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية تبدأ من تطبيق الدستور، والدستور هو مرجعنا الوحيد في كل الشؤون الوطنية ومنه نستقي خطة الانقاذ والخلاص والحفاظ على لبنان واستقلاله ووحدته وعروبته وعيشه المشترك.
ثانياً: نحن لسنا في اي محور، خصوصاً وان كل المحاور قد اختلطت ببعضها البعض، ولكننا لسنا ممن يضيّعون البوصلة. وبالتالي، فإن تموضعنا السياسي على المستوى الاقليمي هو الانتصار لعروبتنا والوقوف على الضفة المضادة لكل المشاريع التي تخدم الكيان الصهيوني وتهدر الحق الفلسطيني في الارض المحتلة والحق العربي/ الاسلامي والمسيحي في المقدسات المحتلة والحق الانساني المشروع لكل فلسطيني في الشتات اي حق العودة.
اما تموضعنا في الداخل اللبناني فهو الانتصار لوحدة لبنان ولعيشه الواحد وبالتالي فنحن حتماً على الضفة المضادة لكل طروحات الفيديرالية الصريحة او المقنّعة ولكل محاولات تمدد وتسلل ميليشيات الحرب الاهلية بأقنعة سياسية زائفة ومكشوفة.
ثالثاً: ان طرابلس مدينة مؤسسة لقيام لبنان الكبير، ومن ثم لاستقلال لبنان. وطرابلس مدينة مؤسسة لعروبة لبنان. وعلى طرابلس اليوم، ورغم معاناتها واوجاعها والظلم لذي لحق بها واوهن قدراتها، على طرابلس اليوم ان تكون المدينة المؤسسة لبقاء وانقاذ لبنان.
ايها اللبنانيون، لقد قال عمر كرامي في آخر انتخابات نيابية خاضها عام ٢٠٠٩: انا لا اترشح لكي احفظ مقعداً لابني، انا اترشح لكي احفظ قبراً لابي. واني اكرر اليوم قوله، واضيف ان واجبي ان احفظ قبراً لابي وقبراً لجدي ووطناً لابنائي وابنائكم”.
وختم: “ايها اللبنانيون، لقد آمن عمر كرامي خلال مسيرته السياسية والوطنية بأن قدر اللبنانيين ان يعيشوا معاً او ان يموتوا معاً، فماذا تختارون؟”.