كتب جوني منيّر في “الجمهورية”:
لم نلمس أي أثر يُذكر في الأوساط الديبلوماسية الغربية المهتمة بالوضع اللبناني للكلام الذي اطلقه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
قد يكون السبب له علاقة بالأزمات والملفات الداخلية الضاغطة إن كان اوروبياً او حتى اميركياً، فهنالك هاجس تفشي الكورونا بنسخته الجديدة «اوميكرون»، والمخاوف المتصاعدة من ضربة جديدة وقوية لاقتصادات لم تنجح بعد في التعافي من موجات كورونا السابقة وإغلاق الاسواق.
وهنالك الإنقسام الداخلي الاميركي الذي هو على اشدّه، ويُنبئ بانتخابات نصفية حامية، وفقدان الإدارة الديموقراطية نفوذها على مجلسي النواب والشيوخ.
اما في اوروبا فحدّث ولا حرج. فألمانيا لا تزال في المرحلة الانتقالية، بعد رحيل الشخصية التاريخية انجيلا ميركل عن السلطة. وفي فرنسا وضع اقتصادي ضاغط وانشغال داخلي بالانتخابات الرئاسية بعد اشهر، وتنافس فرنسي ـ الماني ـ ايطالي على تزعّم الاتحاد الاوروبي بعد خروج ميركل من الحياة السياسية.
لكن الواقعية تقضي الاعتراف بوجود جانب آخر للتجاهل الغربي لكلام عون، فالكلمة لم تحمل جديداً سياسياً في المعنى الفعلي للمواقف، ولا حتى بدت وكأنّها تعطي اشارات جدّية لمسار سياسي جديد. فالغالب بالنسبة الى المراقبين الغربيين أنّ الكلمة تأتي في سياق واحد، وهو تحسين شروط المصالح الداخلية في العلاقة مع «حزب الله».
ويذهب هؤلاء المراقبون في الإشارة الى وجود جوانب عدة مبهمة في كلمة رئيس الجمهورية، القصد منها حفظ خط الرجعة لخطة إعادة رسم «بروتوكول» تعاون جديد بين رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل وقيادة «حزب الله». وبدا واضحاً انّ قراءة قيادة «حزب الله» للخلفية السياسية لخطاب عون ليست بعيدة عن قراءة الغربيين. لذلك، وعلى الرغم من عاصفة «التهويل» التي سبقت، بقي «حزب الله» محافظاً على هدوئه المقرون بالثقة بأنّ الانعطافة في الخيارات غير مطروحة، وانّ رئيس الجمهورية يرفع الصوت من دون ملامسة الخطوط الحمر، بهدف فتح ورشة تحسين «حصاد» جبران باسيل، بعد النتائج القاسية لصفعة المجلس الدستوري.
لذلك، من المنطقي الاعتقاد أنّ «حزب الله» سينتظر تفاصيل المطالب التي سيوردها باسيل في كلامه الاحد المقبل، لتبدأ بعدها رحلة البحث عن ضمان المكاسب التي يريدها باسيل، ولكن ضمن الأطر المعقولة ووفق مبدأ «لكي تُطاع أطلب المستطاع».
وحاول رئيس الجمهورية دغدغة الشارع المسيحي من خلال طرح اللامركزية الادارية والمالية الموسّعة. لكن الطلقة لم تحدث صداها، ذلك أنّ ملفاً بهذه الاهمية لا يجوز طرحه في الاشهر العشرة الاخيرة من الولاية. فعلى الاقل لكان جرى طرحه في بداية الولاية او في السنة التالية. ما يعني انّ الهدف إعلامي وليس حقيقياً، وهذا ايضاً ما ينطبق على طرح الاستراتيجية الدفاعية، والذي بدا انّ الهدف منه «حشر» «حزب الله» اعلامياً، وبمثابة الردّ على نتيجة اقتراع المجلس الدستوري. ولم يعدد سراً انّ من صوّت ضدّ قبول الطعن كان عضواً درزياً وآخر مسيحياً والعضوين الشيعيين. وقيل انّ باسيل، والذي تواصل قبل صدور القرار مع «حزب الله»، وعد نفسه بتبدّل موقف احد العضويين الشيعيين، لكن ذلك لم يحصل بسبب ان ليس لـ»حزب الله» تأثير على أي منهما بل فقط الرئيس نبيه بري.
لكن طالما انّ النتيجة معروفة سلفاً بأنّ اياً من القوى السياسية وخصوصاً «التيار الوطني الحر»، لن يغادر تموضعه السياسي والتحالفي، فلذلك يكون السبيل المتاح في فتح لائحة التعويضات المطلوبة.
باسيل يدرك جيداً النتيجة الثقيلة عليه وعلى مرشحي تياره، من خلال مشاركة المغتربين في الانتخابات في الداخل اللبناني، الى درجة انّ البعض يرسم خطاً احمر على مصيره الشخصي في دائرة الشمال الثالثة، في حال لم ينجح في تأمين شريك له يستطيع مدّه بعدد وازن من الاصوات. والأهم من سيقوم بهذه «التضحية» في نهاية عهد عون.
في المقابل، تناقل البعض كلاماً قيل انّ «حزب الله» ردّ به على باسيل بقوله انّه متضرّر اكثر منه من سقوط «الصفقة»، بسبب استمرار قاضي التحقيق طارق البيطار في مساره القضائي نفسه. لكنه، اي «حزب الله»، غير قادر على الذهاب بعيداً في ضغطه على الرئيس نبيه بري، بعدما تجاوز نزاع الاخير مع باسيل كل الخطوط المرسومة.
وأدرك باسيل ايضاً انّ الرئيس نجيب ميقاتي الذي وجّه الضربة القاضية «للصفقة»، يريد تجنّب انفجار آخر لا بدّ ان يحدث في حال عودة الحكومة الى الاجتماع، ويتعلق بالتعيينات الواسعة التي يريدها باسيل قبل الانتخابات النيابية.
فهنالك من يتحدث عن اكثر من 61 موقعاً مسيحياً يريد باسيل أخذها.
في اي حال، فإنّ التواصل بقي قائماً وبنحو شبه يومي بين باسيل ومسؤول التنسيق والارتباط في «حزب الله» وفيق صفا. ومن البديهي ان يكون باسيل قد طرح افكاراً جديدة تتعلق بأن يعيد مجلس النواب إقرار قانون انتخابي جديد يأخذ بالنقاط التي شكّلت اساس طعن «التيار الوطني الحر»، وايضاً بأفكار جديدة تتعلق بالاستحقاق الرئاسي المقبل.
صحيح انّ كلمة رئيس الجمهورية سعت الى استعادة زمام الامور وحشر «حزب الله» لانتزاع مكاسب سريعة تتعلق بالاستحقاقين المنتظرين، الّا أنّ الحزب لا يبدو قلقاً إزاء ادراكه الحاجة الماسّة له لتأمين العديد من المقاعد النيابية، هذا عدا عن الحاجة السياسية للمرحلة المقبلة.
في هذا الوقت، نشرت مؤسسة «الباروميتر العربي» الاميركية نتائج استطلاع للرأي أجرته حول الشعوب العربية التي ترى بأنّ الحريات في بلدها هي الأكثر عرضة للتهديد. وتصدّر لبنان النسبة بـ 55% امام الاردن وتونس والمغرب والجزائر، والمتعلق بالخشية على حرّية التعبير.
كذلك تصدّر لبنان اللائحة في الخشية على حرية الاعلام بنسبة 53%. فقط في الخشية على حرّية التظاهر، جاءت نسبة الاردن بـ 55% وبفارق ضئيل عن لبنان الذي حصل على نسبة 54%.
واللافت انّ نسبة 7% فقط، وهي أدنى نسبة، سجّلها اللبنانيون عند سؤالهم اذا كانوا مستعدين للتضحية بالحرّيات في مقابل الحفاظ على الصحة العامة.
كذلك سجّلت نسبة 14% فقط من اللبنانيين وهي الأدنى، رداً على سؤال حول قبولهم بالرقابة على الإعلام. وهو ما يدفع الى الاستنتاج بأنّ اللبنانيين يشعرون بالخطر حيال وجودهم وخياراتهم السياسية والحرية في التعبير، وهو ما سينفجر حتماً في صناديق الاقتراع.