غداً، تلفظ السنة الحالية نَفَسها الأخير، ويُطوى آخر يوم منها إلى غير رجعة.
وغداً، يطلّ على سنة جديدة، أورثتها السنة الراحلة أسوأ أزمة يشهدها لبنان في تاريخه، ودفنت احلام اللبنانيين وآمالهم، وتكاد تفتك بكيان هذا البلد.
وغداً، وعلى جاري عادتهم مع نهاية كل سنة، سيطلّ المنجّمون على الشاشات ليفرغوا ما في جعبتهم من عجائب وغرائب، ولكنّهم سيُصابون بالخيبة هذه المرّة، وستكون توقعاتهم مملّة وفارغة، فجنون الأزمة ملّك اللبنانيين قدرة هزيمة المنجّمين والتفوق عليهم في استشراف المأساة الآنيّة واللاحقة، والمنزلقات التي يهوي اليها هذا البلد.
فبداية السنة الجديدة تتّسم بطابع كارثي، منعدمة فيها كلّ عوامل الإطمئنان، وطافحة بكل عوامل التفجير، وبسيناريوهات واحتمالات مدمّرة على كلّ المستويات، في ظلّ الإفلاس الكامل للدولة، ونضوب احتياطات الأفكار العلاجية لهذه الأزمة، والفشل المدوّي لطبقة الحكام في مقاربة مسؤولة للجائحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية والقضائية التي تجتاح البلد وتمعن تفسيخاً في أعمدته.
غداً، لن يتبادل اللبنانيون التهاني والمعايدات برحيل سنة ملعونة وحلول سنة جديدة، فخوفهم كبير من أن تكون السنة الجديدة ألعن منها، وخصوصاً مع ترحيل كل صواعق الأزمة اليها، ومن هم في موقع المسؤولية والقرار من أعلى الهرم الرئاسي والسياسي والحزبي إلى أدناه، أصابعهم على الزناد، يعلّق كل منهم خطاياه على شماعة الآخر، وألسنة السوء السياسية بدل ان تتفق على كلمةٍ سواء لإخراج البلد من أزمته، تنعق بالخراب، وهمّها الاول والأخير إقامة حفلات نشر الغسيل الوسخ، وإيقاظ خلايا الحقن والشحن والتوتير التي لم تعد نائمة!
كما ستنتهي السنة الحالية غداً،على شلل حكومي وتعطيل لجلسات مجلس الوزراء، ستبدأ من هذه النقطة، يُضاف اليها غياب لمجلس النواب مع انتهاء دورة انعقاده العادية اعتباراً من منتصف ليل غد الجمعة، ما يعني انّ لبنان سيدخل في شلل مزدوج حكومي ومجلسي، ويبدو انّه سيكون طويل الأمد، مع الإنسداد الكامل امام الحكومة، وتفاعل الأسباب السياسية والقضائية المانعة من انعقادها، وكذلك مع عدم توجّه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى فتح دورة انعقاد استثنائي لمجلس النواب.
وفيما لم تقطع مصادر وزارية الأمل من حصول انفراج حكومي في ايّ وقت، ربطاً بما سمّتها الجهود التي سيبذلها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد عطلة الاعياد، لمحاولة إنعاش حكومته، الّا أنّها ألمحت في الوقت نفسه الى انّ الأمل ضئيل في إعادة المسار الحكومي الى انتظامه، فالشرط الأساس لذلك، كما قالت لـ”الجمهورية”، يبقى مرتبطاً بمدى استجابة الأطراف السياسية لجهود رئيس الحكومة، واستشعارهم المخاطر المتزايدة على كل المستويات جراء استمرار تعطيل الحكومة، اضافة الى انّ ضرورة عودة إحياء الحكومة باتت اكثر من ملحّة، وخصوصاً انّ التحضيرات لبدء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي قد بلغت مرحلة متقدّمة جداً.