كتبت راكيل عتيِّق في “الجمهورية”:
منذ «ثورة تشرين» 2019، بعد سنة و5 أشهر على الانتخابات النيابية الأخيرة عام 2018، والأحزاب السياسية التقليدية، لا سيما منها أحزاب السلطة، تواجه نقمةً شعبية، خصوصاً مع تراجع الوضع في لبنان دراماتيكياً، مالياً ونقدياً واقتصادياً واجتماعياً، الى حدّ دخول البلد في انهيار لم يصل الى قعره بعد ووقوفه عند حافّة السقوط التام. وفي حين أنّ انتخابات 2018 وفق القانون النسبي مع صوت تفضيلي على صعيد القضاء عزّزت تمثيل الأحزاب على حساب الشخصيات المستقلّة، يأمل كثيرون في أن تكون 2022 سنة أفول أحزاب السلطة عبر الاستحقاق الانتخابي النيابي.
لم يُعرف بعد حجم النقمة الشعبية على السلطة والأحزاب عملياً ولم يُقس من خلال أي استحقاق انتخابي أو إحصاء شامل، واقتصر على بعض المظاهرات والتحركات الاحتجاجية وقطع الطرق، ويُنظر الى عام 2022 الذي يحمل الاستحقاق الانتخابي النيابي، كمحطة مفصلية وحاسمة لتعبير اللبنانيين عن نقمتهم على الطبقة الحاكمة بالتصويت ضدها وإسقاطها ديموقراطياً ولفرز طبقة تغييرية جديدة، أو بالحد الأدنى خرق الطبقة الحالية.
ومع توقيع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، أمس، مرسوم دعوة الهيئات الناخبة الى انتخاب أعضاء مجلس النواب في 15 أيار 2022 للمقيمين وفي السادس والثامن منه لغير المقيمين، تسلك المرحلة الانتخابية المسار الجدي، ويُصبح الاستحقاق الانتخابي مؤكد الإجراء الّا إذا طرأت «قوة قاهرة» ما. وفي حين يحرص جميع أفرقاء السلطة على المجاهرة وتأكيد حصول الانتخابات، تعتبر جهات سياسية أنّ هناك أفرقاء لا يرغبون في تحقيق الانتخابات لمعرفتهم المسبقة بتراجع موقعهم شعبياً وبالتالي انحسار كتلهم النيابية، لكن أحداً لا يجرؤ على الاعتراف بذلك، في ظلّ التشديد الدولي، والغربي خصوصاً، على حصول هذه الانتخابات. وتقول جهات من السلطة: «من الصعب عدم إجراء الانتخابات أو تطييرها أو تأجيلها إذ إنّ هذا الفعل سيرتّب إجراءات جدية وكبيرة من المجتمع الدولي على المسؤولين».
على صعيد الأحزاب، هناك فئة بدأت التحضيرات اللوجستية وهناك أحزاب أخرى كانت لا تزال تنتظر تحديد موعد الانتخابات فيما بعض الأحزاب يتخبّط ولم يحسم قراراته بهذا الشأن، وأحزاب تجري انتخابات داخلية لفرز مرشحيها للمقاعد النيابية. كذلك تنشط المنظمات والجمعيات ومجموعات «الثورة»، تحضيراً وترشيحاً للانتخابات وعلى صعيد التحالفات. لكن حتى الآن لم يعلن أي من الأحزاب الكبرى، التي تشكّل مجلس النواب الحالي، مرشحيه أو يحسم تحالفاته.
وفي حين أنّ قانون الانتخاب النافذ يؤدي دوراً أساسياً في التحالفات، لجهة الحسابات وتأمين الحواصل وتقسيم الأصوات التفضيلية، لن تكون التحالفات سياسية فقط بل إنّ لعبة الأرقام تفرض نفسها. كذلك هناك أفرقاء بات التحالف فيما بينهم متعذراً مثل تيار «المستقبل» و»التيار الوطني الحر»، بينما هناك أحزاب تفضّل خوض المعركة منفردةً، والبعض مثل حزب «الكتائب اللبنانية» يؤثر الدخول في أي تحالف مع أي من أحزاب السلطة وحتى حزب «القوات اللبنانية» الذي يعتبر أنّه جزء من السلطة. أمّا «القوات» فقد يقتصر تحالفها السياسي على «الحزب التقدمي الاشتراكي» في الجبل فقط وتخوض المعركة الانتخابية في بقية المناطق بمرشحيها بالتحالف مع بعض الشخصيات. أمّا «التيار الوطني الحر» فلم يحسم تحالفاته بعد ولا مرشحيه في كلّ المناطق، وما زال تيار «المستقبل» يعيش حالة من التضعضع في انتظار مجيء رئيسه سعد الحريري الى بيروت أو حسم قراره لجهة خوض الانتخابات أم لا. في المقابل يبدو أنّ «الثنائي الشيعي» مرتاح على «وضعه الانتخابي»، والتحالف بين حركة «أمل» و»حزب الله» محسوم، فيما أنّ التحالف بين «الحزب» و«التيار الحر» غير محسوم بعد.
أكثر من فريق سياسي يعتبر أنّ التغيير الذي يمنّي المجتمع الدولي النفس به، من خلال مجموعات «الثورة» والجمعيات المدنية، مُبالغ فيه، وأنّ الخرق الذي يُمكن أن يحصل في ظلّ قانون الانتخاب الحالي المُفرز بدوائره طائفياً سيقتصر على الساحتين المسيحية والسنية، وذلك نظراً الى تراجع «التيار الوطني الحر» انطلاقاً من الأزمات التي يشهدها عهد الرئيس ميشال عون والانهيار الذي وصل إليه البلد، كذلك لتراجع وجود تيار «المستقبل» ودوره. أمّا في البيئة الشيعية فمن الصعب إحداث خرق، كذلك في البيئة الدرزية. وفي حين يعتبر مراقبون أنّ «القوات» ستكون الحزب الأوفر نصيباً في الانتخابات، بحيث تزيد كتلتها النيابية مقابل تقلُّص كتلة «التيار» خصوصاً مع العدد الكبير من المغتربين المسجّلين للاقتراع والذين سيعطي أكثريتهم أصواتهم لـ«القوات»، يقول آخرون إنّ هذا الأمر غير محسوم في ظلّ لعبة الحواصل، وانّ الشخصيات المستقلّة وتلك البارزة حديثاً من «رحم الثورة» قد تكون هي البديل للرأي العام من «التيار».
وعلى رغم أنّ فقدان «حزب الله» وحلفاءه الأكثرية النيابية سيؤثّر على «الحزب»، الّا أنّ حسمه مع «أمل» الانتخابات لمصلحتهما شيعياً من دون أي خرق يُذكر، سيثبّت وجودهما، خصوصاً في ظلّ نظام محكوم بالميثاقية، فها هو «الثنائي» يمنع مجلس الوزراء من الانعقاد بعكس إرادة كلّ من رئيسي الجمهورية والحكومة. وفي حين أنّ «حزب الله» يعتبر أنّ واشنطن من خلال أدواتها في لبنان من أحزاب وجمعيات ومنظمات، والمال الذي يأتي عبرها، تسعى الى تحجيم «الحزب» انتخابياً أو ضربه من خلال تقزيم حيثية حلفائه، استبقَ نتيجة الانتخابات بتأكيده معادلة التوافق الوطني وأنّ أي غالبية نيابية مضطرة الى التوافق والحكم مع الآخرين. وتقول مصادر حركة «أمل» إنّها واثقة من شعبيتها، ومرتاحة الى عدد المغتربين المسجّلين، معتبرةً أنّ غالبية الشيعة منهم من مناصريها ومؤيديها، وترى أن لا مشكلة مع اقتراع المغتربين الّا لدى «التيار الوطني الحر»، خصوصاً أنّ انتخابات عام 2018 على مستوى المغتربين كانت لمصلحة «القوات» في أكثر من دائرة انتخابية.
من جهتها، تقول مصادر قريبة من «حزب الله» انّه من المرجّح أن يتبيّن أسماء مرشحيه مع نهاية الشهر الأول من السنة الجديدة، وتؤكد عدم تخوفها من الانتخابات ونتائجها، وتقول: «لنا ملء الثقة في أهلنا وناسنا». وترجّح أن يدعم «الحزب» حليفه «التيار» في بعض الدوائر على رغم التباين الأخير بينهما. وعن التوفيق بين «أمل» و«التيار» في ظلّ الخلاف بينهما، الذي وصل الى القمة، أي بين عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، تقول: «كلّ شيء له حلّه».
لا شك في أنّ عام 2022 سيكون مفصلياً لبنانياً، وتحديداً في أيار، إذا تمكّن اللبنانيون من إحداث خرق جدي في الطبقة الحاكمة، أو إذا تمكّن أهل السلطة من تثبيت وجودهم وتجديده لأربع سنوات مقبلة، فلكلّ من النتيجتين مترتباتها وانعكاساتها داخلياً وخارجياً، فكثير من الدول تنتظر نتيجة هذا الاستحقاق لكي تبني على الشيء مقتضاه في العلاقة مع لبنان. ومع وضع الاستحقاق الانتخابي على السكة، ستكون الأشهر الخمسة المقبلة انتخابية بامتياز، وستشهد خطابات عالية السقف وتحالفات وتباينات وترشيحات وعملا تحضيريا لهذا الاستحقاق الفاصل، وبالتأكيد ستحمل تشنُّجات يُؤمل أن تقتصر على المستوى السياسي وأن لا تصل الى الأمن والاستقرار، بما يضع لبنان بكيانه على طاولة البحث قبل حلول موعد 15 أيار 2022، كما تقول جهات سياسية.