جاء في “نداء الوطن”:
من باب التسليم بالقضاء والقدر، بات التعامل مع “أوميكرون” بوصفه المتحوّر الذي يسود العالم وسيطغى على سائر المتحورات المشتقة من “كوفيد 19” بحلول مطلع العام الجديد، لا سيما بعدما تساقطت خطوط الدفاع الصحية في كبريات الدول الغربية الأكثر تحصيناً وتلقيحاً، أمام مدّ “تسونامي” الإصابات على حد توصيف منظمة الصحة العالمية، ليعرب أمينها العام تيجروس غيبريسوس أمس عن “بالغ القلق” جراء انتشار “أوميكرون” الأشد عدوى في الوقت نفسه مع “دلتا”، محذراً من أنّ ذلك “يُمثل عبئاً هائلاً على العاملين الصحيين المنهكين وعلى منظومات صحية تقف على شفير الإنهيار”.
وفي لبنان، دخلت البلاد مرحلة “الانتشار” الوبائي وفق ما أعلن رسمياً أمس وزير الصحة فراس الأبيض إثر تضاعف عدد الحالات الجديدة المصابة خلال 24 ساعة، مع تسجيل 3153 حالة أمس وبلوغ نسبة الإشغال في المستشفيات 78% لمداواة الإصابات التي تحتاج إلى استشفاء ورعاية طبية في العناية المركزة أو على أجهزة التنفس الاصطناعي. وبحسب المعطيات الطبية فإنّ اقتحام “أوميكرون” الساحة اللبنانية قلب المعادلة رأساً على عقب، فانتقل المشهد من السيطرة إلى “فقدان السيطرة” على تفشي العدوى لعدة أسباب وعوامل، أبرزها على المستوى العلمي قدرة المتحور الجديد على اختراق المناعة المتكوّنة نتيجة الإصابات بمتحورات سابقة من كورونا، وسرعة انتشاره بين الملقحين وغير الملقحين. أما على المستوى الاجتماعي، فقد ساهم التراخي والتفلّت المجتمعي من القيود الاحترازية في تسريع وتيرة الانتشار خصوصاً وأن عوارض “أوميكرون” خفيفة ويصعب رصدها في بداية العدوى، فضلاً عن أعداد المصابين بالمتحور الجديد الذين دخلوا البلد في الآونة الأخيرة، وما تلاها من تجمعات وعمليات اختلاط مكثفة في فترة الأعياد.
وأمام التصاعد الدراماتيكي في المنحى الوبائي، عادت بعض المستشفيات إلى إعادة تجهيز أقسام مخصصة لمرضى كورونا بعدما كانت أقفلتها عقب انحسار موجة الإصابات في المرحلة السابقة بالتزامن مع تنظيم حملة تلقيح المواطنين، غير أنّ مسألة الإقفال العام لا تزال خارج قائمة الخيارات الراهنة ربطاً بانعدام القدرة على تحمل التبعات الاقتصادية لأي إقفال جديد في البلد ومنعاً لإجهاض فرصة الأعياد التي يعوّل عليها اللبنانيون لإعادة تحريك عجلتهم الاقتصادية والمعيشية بين عطلتي الميلاد ورأس السنة… على أن يبقى الخيار مطروحاً ابتداءً من مطلع العام قياساً على مستويات التفشي والانتشار وتقويم مدى القدرة الاستشفائية والطبية على إبقاء الأمور تحت السيطرة من دون الحاجة إلى الإقفال.
وبهذا المعنى، أكد وزير الداخلية بسام مولوي إثر اجتماع لجنة متابعة الإجراءات الوقائية لكورونا، برئاسة وزير الصحة في السراي الحكومي، أنّ “الحكومة تريد أن تتلافى الإقفال العام لما يمكن أن يسببه من ضرر اقتصادي”، مشدداً في المقابل على “التشدد في التدابير الردعية” في المرحلة المقبلة، مع التحذير من أنّ قوى الأمن الداخلي ستكون “صارمة جداً بتطبيق القرارات المتخذة لأن تفشي الوباء بشكل كبير سيؤدي بنا إلى مكان شديد الخطر”.
وكذلك على مستوى تفاقم الهواجس الدولية، نبّه أمين عام منظمة الصحة العالمية إلى أنّ الضغط على أنظمة الرعاية الصحية لا يأتي فقط من المرضى الجُدد، ولكن أيضاً بسبب إصابة عدد كبير من العاملين في مجال الرعاية الصحية بالمرض، محذّراً من أن “الأشخاص غير الملقحين هم أكثر عرضة للوفاة من دلتا وأوميكرون”، وأشار إلى أنهما يشكلان “تهديدين متلازمين” يرفعان عدد الإصابات الجديدة، ما يؤدّي إلى ارتفاع حاد في حالات الاستشفاء والوفيات.
وبلغت إصابات “أوميكرون” مستويات قياسية في بلدان كثيرة خلال الأسبوع الأخير، بحيث ارتفعت الحالات المسجّلة على الصعيد العالمي بنسبة 37% بين 22 و28 كانون الأوّل مقارنةً مع الأيام السبعة السابقة، وفق حصيلة تُعدّها وكالة “فرانس برس” بالاستناد إلى بيانات وطنية. وسُجّل ما مجموعه 6.55 ملايين حالة خلال هذه الفترة، في أعلى حصيلة منذ إعلان منظمة الصحة “كوفيد” وباءً عالميّاً في آذار 2020. ووضع هذا الإرتفاع الذي تشتدّ وطأته في أوروبا خصوصاً، حكومات العالم، من الصين إلى ألمانيا وفرنسا وصولاً إلى الولايات المتحدة، أمام معضلة الموازنة بين قيود الحدّ من انتشار الفيروس القاتل وتفادي اكتظاظ المستشفيات من جهة، والحاجة لإبقاء الاقتصادات والمجتمعات مفتوحة من جهة أخرى.
وبينما سجلت الولايات المتحدة الأميركية قفزة قياسية بأكثر من 440 ألف إصابة بكورونا خلال 24 ساعة، سجّلت فرنسا أمس أعلى حصيلة إصابات يومية تجاوزت للمرّة الأولى عتبة 200 ألف إصابة خلال 24 ساعة، إذ أعلن وزير الصحة أوليفييه فيران أمام الجمعية الوطنية تسجيل 208 آلاف إصابة جديدة. وفي الصين، أقرّت السلطات بأنها تُواجه صعوبة في توفير المواد الغذائية وسلع أساسية أخرى لسكان مدينة “شيآن” الذين أبلغوا عن نقص في الأغذية وطلبوا المساعدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ إنهم يخضعون لحجر منذ الخميس الماضي، تمّ تشديده الإثنين، بعد أوامر من السلطات بعدم السماح بمغادرة المنازل إلّا لإجراء فحص الإصابة بالفيروس.