كتب عمر البردان في “اللواء”:
فيما يطوي الـ2021 أوراقه، ويستعد للرحيل غير مأسوف عليه، على أمل أن يحمل العام الجديد، تباشير خير تخفف من معاناة اللبنانيين، لا يبدو أن الأجواء باتت مهيأة لانفراجة سياسية، تفتح معها باب الحلول التي لا تزال موصدة، في ظل إمعان الطبقة السياسية على ارتكاب الموبقات،والسير عكس مصالح اللبنانيين الذين ضاقوا ذرعاً من من ممارسات المسؤولين، في وقت يبدو لبنان أمام مفترق طرق على أبواب الـ2022 التي تظللها أجواء الشكوك والارتياب، من أن تكون أسوأ من التي سبقتها. وإذا كان الانقسام السياسي لا يزال سيد الموقف بين القوى المتصارعة، مع ما نجم عنه من تعطل العمل الحكومة منذ أواسط تشرين الأول الماضي، فإن لا شيء يوحي بإمكانية عودة عجلة مجلس الوزراء إلى السكة، وسط إصرار «الثنائي» على إقالة المحقق طارق البيطار، وإلا لن تكون جلسات للحكومة، في رد بالمباشر على دعوات رئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء ميشال عون ونجيب ميقاتي، من أجل إزالة العقبات أمام عودة اجتماعات الحكومة.
أما على المقلب الآخر، وتحديداً ما يتصل بالعلاقات اللبنانية الخليجية، فإن الأمور تزداد سوءًا، بعدما أطاح «حزب الله» بأي أمل لإخراجها من مأزقها، بعد الأدلة التي عرضها التحالف العربي، عن تورطه في الاعتداء على المملكة العربية السعودية. وهو أمر سيترك بالتأكيد تداعيات خطيرة على لبنان، وبالتالي سيفتح أبواب المواجهة القائمة على مصراعيها. هذا ما أشارت إليه مصادر خليجية، معربة عن اعتقادها، أن «الأمور مرشحة لمزيد من التعقيد والتصعيد في آن على صعيد علاقات لبنان مع دول مجلس التعاون»، باعتبار أن «ما يقوم به حزب الله الذي ينفذ سياسة إيران، يتناقض كلياً مع كل ما يقوله المسؤولون اللبنانيون، بصدد تحسين العلاقات مع الخليج، بدليل أن حزب الله مستمر في عدوانه على السعودية وبقية الدول الخليجية، بعدما تحول لبنان إلى منصة إيرانية لاستهداف الدول الخليجية».
وفيما أنحى رئيس الجمهورية باللائمة على معارضي العهد، وحمَّلهم مسؤولية ما وصلت إليه البلاد من تدهور على مختلف المستويات، منتقداً «الثنائي» الذي يعطل جلسات الحكومة، فإن دعوة الرئيس عون للحوار، لن تجد صداها لدى القوى السياسية، وتحديداً في ما يتصل بالاستراتيجية الدفاعية التي سبق وعقدت جلسات حوارية متعددة بشأنها دون أن تصل إلى نتيجة، باعتبار أن «حزب الله» كان يرفض كل ما يتم طرحه على هذا الصعيد، طالما لم يكن المعروض وفق رؤيته. وهو الذي وافق على «إعلان بعبدا» في عهد الرئيس ميشال سليمان، ثم عاد وانقلب عليه. وقد تساءل البعض عن «سر استفاقة الرئيس عون على الحوار بشأن الاستراتيجية الدفاعية، وعن انتقاد حزب الله على تدخله في دول المنطقة في السنة الأخيرة من عهده، وبعدما خرب الحزب علاقات لبنان العربية والخليجية، في ظل علامات استفهام كبيرة حول مدى إمكانية أن يؤتي مثل هكذا حوار ثماره، على وقع ارتهان الدولة للدويلة، على حساب مصالح لبنان العربية والخليجية».
وإذا كانت الأنظار متجهة إلى ما سيقوله رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، مطلع السنة الجديدة بشأن علاقته مع «حزب الله»، فإن المتابعين لمسار هذه العلاقة، لا يتوقعون وفق معلومات «اللواء»، أن تذهب الأمور باتجاه التصعيد، لحاجة كل طرف إلى الآخر، لاعتبارات سياسية وانتخابية، وهذا ما ظهر بوضوح من كلام الرئيس عون في إطلالته التلفزيونية الإثنين الماضي. فهو لم «يبق البحصة»، كما كان متوقّعا، ولم يأتِ تالياً على «تحديد» مَن يعرقلون عودة الاجتماعات الحكومية، في إشارة إلى «الثنائي» الذي يشترط العودة إلى المشاركة في جلسات الحكومة، بإزاحة المحقق العدلي في جريمة المرفأ القاضي طارق البيطار، ولا في تسمية «حزب الله» بتخريب علاقات لبنان الخليجية، مفضلاً كما ذكر، ترك «خط الرجعة» مفتوحا في العلاقات بينه وبين الحزب، على أن تتضح الصورة أكثر في ضوء ما سيقوله رئيس «العوني» في الأيام المقبلة.
وسط هذه الأجواء القاتمة التي لا توحي بقرب الخلاص، لا يفوت بابا الفاتيكان فرانسيس القلق على لبنان، فرصة إلا ويذكره في صلاته، وها هو يوفد في مطلع العام الجديد وزير خارجية الفاتيكان بياترو غالاغير إلى هذا البلد، للاطلاع على الأوضاع عن كثب. كما من المتوقع أن يلتقي البابا رئيس الكنيسة الأرثوذكسية البطريرك كيريل، بطريرك موسكو وكل روسيا. فقد زار مسؤول العلاقات الخارجية في الكنيسة الأرثوذكسية المونسينيور هيلاريون الفاتيكان واجتمع مع البابا ناقلا إليه رسالة من كيريل ورغبة في الاجتماع. وكان اللقاء لتحديد موعد الزيارة والترتيبات لذلك، بحيث يكون الاجتماع مسكونيا ويلتقي كيريل اركان حاضرة الفاتيكان. ومن المعروف ان البطريرك الروسي مؤثر جدا في القرار في موسكو وله موقعه ودوره في السلطة ويولي لبنان اهتمامه وقد سبق وأوفد المونسنيور هيلاريون الى لبنان اكثر من مرة، فهل من مشروع إنقاذي قريب للبنان؟
ويظهر بوضوح، أن الفاتيكان الذي يولي لبنان اهتماماً كبيراً، لديه خوف على مستقبل هذا البلد، على وقع اتساع رقعة الانقسامات السياسية بين مكوناته، في وقت يزداد القلق الفاتيكاني، في ظل الانهيار المخيف في علاقات لبنان العربية، وتحديداً الخليجية، في اقتناع فاتيكاني على أعلى المستويات، بأن لبنان الذي يمثل وطن الرسالة في الشرق، لا يمكنه أن يعيش ويبقى حياً، دون الحاضنة العربية، وفي ظل عزلة خليجية، بدت آثارها جلية على مختلف المستويات، بعد مقاطعة الدول الأربع لهذا البلد، رداً على ممارسات «حزب الله» العدوانية ضدها.
ويعتبر زياد الصّائغ المدير التّنفيذي لـ«ملتقى التأثير المدني» أنّ «الكرسيّ الرّسوليّ وبتوجيهات مباشرة من البابا فرنسيس، ومُتابعة دقيقة من أمين سرّ الدّولة الكاردينال بيترو بارولين، وتنسيقٍ مع وزير خارجية الفاتيكان المطران غالاغير يقوم بدبلوماسيّة مكوكيّة هادِئة وفاعلة بالاستناد إلى الخطر الوجوديّ الذي يواجهُه لبنان. وقد كان لهذه الدبلوماسيّة التأثير العميق في السياسة الدّوليّة، بل هي باتت مِحوَرها. وما زيارة الأمين العام للأمم المتّحدة،.. سوى ثمرة من جهود فاتيكانيّة هائِلة للتأكيد على أنّ لبنان العضو المؤسِّس في الأمم المتّحدة تحت المجهر».