Site icon IMLebanon

عون لمَّح وميقاتي أوضح: نحن واجهة للحاكم الفعلي!

كتب المحامي حسن بيان في “اللواء”: 

العام 2021, طوى ايامه الاخيرة على اعلانين سياسيين, الاول, صدر عن «الرئيس النظري» للجمهورية, والثاني, عن الرئيس «الواجهي» لمجلس الوزراء.

الاول, سبق واعلن في يوم الميلاد انه «سيبق البحصة» وسيقول كلاماً يزعزع الارض, والثاني, صرح أن الامور لم تعد تستقيم بالشكل الذي كانت تدار فيه.

لقد انتظر الجميع من المرجعين, ان ُيقْدِما على اعلان مواقف تسمي الاشياء بمسمياتها, وتحدد الجهات التي تقف وراء التعطيل,ووراء «فرملة التحقيق», وبقي الجميع يعدون بالدقائق والساعات ماكانوا يظنونه مواقف مدوية ستقلب الطاولة على رأس من اوصل البلاد الى الانهيار الذي بدأ بالوضع المالي والنقدي ومعه كل الوضع الاقتصادي, وتواصل الى حيث ادى الى انهيار مؤسسات المرفق العام وبلغ ذروته بتعطيل اعمال السلطة التنفيذية التي يمثلها مجلس الوزراء, والتي ستنسحب على اعمال السلطة التشريعية.

ان شاغل الموقع الاول في هرمية المؤسسات الدستورية الذي دعا الجميع لانتظاره بعد الميلاد, خاطب الناس وكأنه في موقع المعارضة,إن لم نقل وكأنه من قوى الاحزاب ومجموعات الحراك التي نزلت الى الشارع عشية السابع عشر من تشرين الاول مطالبة بالتغيير ومحملة المسؤولية في ما آلت اليه الاوضاع للمنظومة الحاكمة. وعندما يخاطب الموقع الاول في الحكم الشعب مستعيراً خطاب المعارضة في تبرير الاسباب التي ادت بالبلد الى ما هو عليه من اوضاع كارثية, فإننا لا نقول من موقع  التزامنا الادبي باخلاقية المخاطبة أنه «منتحل صفة» لأن صاحبها يقع تحت طائلة المساءلة الجزائية – وبطبيعة الحال فإن هذا سيدخلنا في سجالات دستورية حول مرجعية الجهة التي تحاكم ونحن بغنى عنها, وفينا مايكفينا من سجالات ومماحكات تتعلق بالتحقيق في جريمة تفجير المرفأ -بل نقول انه أقر,وإن جاء الاقرار متأخراً, بأنه وإن كان رئيساً للجمهورية وفق احكام الدستور الذي اقسم على احترامه والتقيد باحكامه, إلا أنه ليس الرئيس الفعلي للبلاد وهذا ليس لكون صلاحيات الموقع قد قيدت بعد اتفاق الطائف الذي تحول الى دستور, بل لأن من يدير الحكم من المواقع الخلفية,هو الذي يضبط الايقاع السياسي ويحدد سقوفاً للمواقف,وهو الذي يضع البلد امام خياران لاثالث لهما: إما السير بما يريد, وإما التعطيل.

ان الاقرار المتأخر لرئيس الجمهورية بأن يده مغلولة, إنما أشّر تلميحاً عن بعض من الحقيقة, لكنه لم يفصح عنها كاملة, وهي إقراره بأن وصوله للرئاسة لم يكن لأنه الاقوى في طائفته وهي البدعة التي يعمل بها في التقاسم المحاصصي, بل وصل على قاعدة الالتزام بتحويل تفاهم ثنائي الى خارطة طريق للحكم. وبذلك كان صادقاً في التزامه بمندرجات ذاك التفاهم ولو كان يتعارض مع المزاج السياسي والشعبي لشرائح سياسية وشعبية واسعة من اللبنانيين. واذا كان الرئيس اقدم على التلميح دون التصريح بأنه ليس الحاكم الفعلي, فلإن الرياح وكما يبدو لم تعد تسير بالاتجاه الذي سيوصل «الصهر المدلل» الى الموقع الاول.

ان الكلام الذي ادلى به الرئيس بعد الميلاد ومع تناقص الايام لعهده الرئاسي, إنما ينطبق عليه مايصح تسميته بخطبة الوداع. ولو كان الدستور يسمح بالتمديد تلقائياً حتى مع توفر الاسباب القاهرة لما كان اقدم ولو من باب التلميح الى من يمارس التعطيل الذي وسّع مروحة اطرافه حتى لايقع تحت طائلة المساءلة لولي نعمته الرئاسية.

ان السقطة السياسية التي وقع فيها رئيس الجمهورية بتقديم نفسه معارضاً, كانت اقل وقعاً في تداعياتها السياسية من السقطة التي وقع فيها رئيس الحكومة. فالاخير, لم يقل في مؤتمره الصحفي بعد الميلاد وقبل افول السنة لايامها الاخير, أنني في الموقع المعارض في تحميل المسؤولية عن تدهور الاوضاع, بل قال كلاماً شديد الوضوح في دلالاته, بأنه لن يدعو مجلس الوزراء لجلسة انعقاد,لان فريقاً في الحكومة يمثل مكوناً شعبياً سيقاطعها إن لم يؤخذ بخارطة الطريق التي حدد عناوينها واولها «قبع»المحقق العدلي في جريمة تفجير المرفأ. ورئيس الحكومة برر موقفه بالاتكاء على نص الفقرة «ي» من مقدمة الدستور والتي تنص على لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك. ومع أن نص هذه الفقرة بات شماعة يعلق عليها غسيل «التعطيل»، إلا أن تطبيقاتها لا تنسحب على الموقف الذي يتخذه فريق سياسي من حضوره لجلسات مجلس الوزراء. فمجلس الوزراء ينعقد اذا ما توفر نصاب الثلثين من اعضائة دون تحديد الهوية السياسية او الطائفية للحاضرين او المتغيبين. ونص المادة ٦٩ من الدستور لم يشر في اسباب استقالة الحكومة الى تغيب مكون عن حضور اجتماعاتها. بل نص على اعتبارها مستقيلة اذا فقدت أكثر من ثلث اعضائها المحدد في مرسوم تشكيلها. ولذلك فإن التلطي وراء موقف التعطيل بحجة مقاطعة فريق لجلسات المجلس هو بدعة من البدع الدستورية التي بات الاخذ بها نهجاً ثابتاً وتبريراً لتظهير مواقف تحاكي مصالح المنظومة السلطوية بكل اطرافها ولو كان على حساب مصالح الشعب الذي يعاني الامرَّين.

لقد سبق واعلنت اطراف سياسية مقاطعتها لا بل استقالتها من الحكومة, لكن الحكومة لم تستقل ولم تعتبر بحكم المستقيلة سنداً «للبند ب من المادة ٦٩»، وهذه حال استقالة وزراء اللقاء الديموقراطي وهم يمثلون مكوناً طائفياً . كما سبق وبقيت الحكومة قائمة يوم قاطع ممثلو حركة أمل وحزب الله جلسات مجلس الوزراء بسبب الاشكالات حول تشكيل المحكمة الدولية الخاصة بمقتل رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. وقد استعيض يوم ذاك عن تعطيل الحكومة بتعطيل مجلس النواب.

ان تطبيق الدستور يجب ان يطبق بالاستناد الى وحدة المعايير في التعامل مع المكونات الطائفية, فيما لو سلمنا جدلاً بالالتزام بنص «البند ي» من مقدمته بما يتعلق بدستورية انعقاد مجلس الوزراء, مع اننا لسنا من هذا الرأي بما يتعلق بانعقاد جلسات المجلس. فالتمثيل الطائفي في الحكم مكرس في المؤسسة التشريعية, فهي التي تشرع وهي التي تراقب وتحاسب, وطالما ان الكل ممثل فيها فإن الميثاقية التي يتم التلطي وراءها لتبرير التعطيل متوفرة في التمثيل النيابي. والدستور الذي لم ينص على التمييز بين الطوائف بالنظر الى حجمها التمثيلي في مجلس الوزراء , لاينظر الى الطوائف على ان بعضها بزيت وآخر بسمنة، فالكل هم في نفس الموقع الاعتباري لجهة تطبيق احكام الميثاقية. لكن يبدو ان هذا المعيارالدستوري ليس هو المعيار الذي يعتمد في تحديد توفر شروط الميثاقية. بل مايعتمد هو ميزان القوى السائد على الارض. وهذا مابات يفرض نفسه على كل المتعاطين بالشأن السلطوي.

فرئيس الجمهورية لمح, ورئيس الحكومة اوضح, بأن ميزان القوى السائد لايسمح له بالدعوة الى استئناف مجلس الوزراء الى الانعقاد. واذا كان رئيس الحكومة برر ذلك بالحرص على المصلحة العاملة,ألا انه في توصيفه لحقيقة الدور الذي يلعبه من يقف وراء التعطيل, ابطل مفعول تبريره حول مراعاة المصلحة الوطنية, وبيّن وكأنه يقدم اوراق اعتماده لاعادة تكليفه فيما لو سقطت او اسقطت الحكومة.

إن ما ميز موقف رئيس الجمهورية عن رئيس الحكومة, أن الاول محكوم عليه المغادرة إلا اذا ُمدد له  بتعديل دستوري وهذا مستبعد, وأما الثاني فيمكنه العودة بالاستناد الى معطى الواقع السياسي وهذا لا يحتاج الى تعديل دستوري, وهذا ما يدفعه الى مقاربة الوضع من خلال المداورة والمناورة ومراعاة مصالحه السياسية الخاصة ولو كانت على حساب المصالح الوطنية التي تتطلب مصارحة ومكاشفة وتسمية الاسماء بمسمياتها.

في نهاية عام وبداية اخر, رئيس الجمهورية لمح ورئيس الحكومة اوضح: نحن مجرد واجهة للحاكم الفعلي ,وبهذه صدقا لانهم قدما نفسيهما كما هو واقع الحال وكما هو قائم وليس كما ينص عليه الدستور .لكن هذا التلميح والتصريح في تشخيص واقع الحال لم ينسحبا على حقيقة واقعهما،بأنهما جزء من كل سلطوي منغمس حتى العظم في المحاصصة ويتحملون المسؤولية في ما آلت اليه الاوضاع .