كتب منير الربيع في “الجريدة” الكويتية:
يطوي لبنان سنةً عصيبة بانتظار السنة الأخطر. 2022 التي ستكون سنة الاستحقاقات الكبرى. وفي قراءة لمؤشرات منحنى الأزمة، يتضح ارتفاع أسهم الانهيار، المسار تصاعدي سيكون في السنة الجديدة معطوفاً على مخاطر سياسية واستراتيجية وانتخابية، بشكل لا تعود معه الأزمة محصورة بالجانبين الاقتصادي والمالي.
ستتشعب الصراعات على وقع الأزمات، خصوصاً أن لبنان مقبل على استحقاقين انتخابيين، انتخابات نيابية وأخرى رئاسية، ينظر إليهما بالكثير من الاهتمام لتغيير ميزان الأكثرية النيابية والوصول إلى رئيس جمهورية توافقي غير محسوب على طرف في مواجهة الطرف الآخر.
كانت سنة 2021 حافلة بالكثير من الانهيارات السياسية، المالية، وتوجّت بأزمات للبنان مع عدد من الدول العربية، بسبب الانحراف السياسي للدولة اللبنانية التي لم تلتزم بمقررات الجامعة العربية وبمبدأ حسن الجوار، أو بسبب عدم القدرة على السيطرة على المعابر والمنافذ الحدودية، فتجلت أزمة تهريب المخدرات إلى دول الخليج، والذي أصبحت الدول العربية تتعاطى معه وكأنه استهداف ممنهج لأمنها ومجتمعاتها.
هذه الملفات كلها ستكون حاضرة في السنة الجديدة، وسط انعدام القدرة لدى الدولة اللبنانية على التصدي لعمليات التهريب، وهذا يفتح النقاش أمام ملف استراتيجي يرتبط بانعدام قدرة الدولة في ضبط حدودها والسيطرة على المعابر والمنافذ. ملف الحدود، وضبطها، وترسيمها سيكون أساسيا في السنة الجديدة، خصوصاً أنه في أوائل العام ستحصل زيارة المبعوث الأميركي لشؤون الطاقة، آموس هوكشتاين، لإعادة البحث في ملف ترسيم الحدود الجنوبية، وتوقيع التفاهم الذي لا بدّ أن يكون مرتبطاً بتوفير الاستقرار في تلك المنطقة للتمكن الشركات النفطية من العمل.
ملف الترسيم جنوباً قد يتأخر بانتظار حصول تفاهمات إيرانية – أميركية، وهذا دليل على ارتباط لبنان بالأزمة الإقليمية، لكن عندما يتم الانتهاء من عملية الترسيم هذه ستفتح فوراً حقبة البحث عن ترسيم الحدود بين لبنان وسورية لجهة الشمال والشرق، وهي ورقة تمسك بها روسيا بشكل تفصيلي، خصوصاً أن موسكو أبدت الاستعداد للمساعدة في الوصول إلى تفاهم على الترسيم بين لبنان وسورية، خاصة أن شركة روسنفت الروسية هي التي فازت بمناقصة إعادة تأهيل وتشغيل مصفاة النفط في طرابلس، وقبل أيام أعلن وزير الطاقة اللبناني توقيع العقود لإعادة تأهيل خزانات النفط في تلك المنطقة، مما سيعزز الاهتمام الروسي في شمال لبنان، انطلاقاً من وجود القوات العسكرية الروسية على مسافة قريبة من الساحل اللبناني، أي في الساحل السوري، حيث أنشأ الروس قاعدة حميميم العسكرية.
وسط الاهتمام الأميركي جنوباً، والاهتمام الروسي شمالاً. تبقى إيران حاضرة في العمق اللبناني من خلال حزب الله وحلفائه، حجم النفوذ والتأثير الإيراني سيكون مرتبطاً بعاملين أساسيين، الأول المفاوضات مع القوى الدولية حول الملف النووي، والثاني الاستحقاق الانتخابي وسعي خصوم الحزب وإيران إلى كسب الأكثرية النيابية، مما سيؤدي إلى تغيير في الموازين السياسية بشكل يتمكن فيه لبنان من استعادة التوازن، وهذا مطلب دولي وإقليمي بالتحديد، فلا يمكن إغفال الاهتمام السعودي بهذه النقطة بالتحديد من خلال مواقف واضحة تجلّت أخيراً في موقف الملك سلمان بن عبدالعزيز، الذي دعا اللبنانيين إلى إيقاف هيمنة حزب الله على الدولة اللبنانية، مؤكدا وقوف المملكة إلى جانب الشعب اللبناني. موقف الملك سلمان سيكون خطاً بيانياً في المعنى السياسي للمرحلة المقبلة، وسيضع لبنان أمام الكثير من الاستحقاقات السياسية وغير السياسية في الأشهر المقبلة.
في الخلاصة، ستكون سنة 2022 سنة الاستحقاقات الكبرى، سيقف فيها لبنان على مفترق طرق استراتيجية. إما أن تحصل الاستحقاقات الانتخابية وتؤدي إلى إعادة إنتاج السلطة بشكل يسمح باستعادة التوازن في العلاقات الخارجية والداخلية، ويضع البلاد على سكّة خطة الإصلاح وفق شروط المجتمع الدولي. وإما عدم إجراء الاستحقاقات والدخول في دوامة من الفراغ القاتل الذي سينتج توترات سياسية وأمنية، ويؤدي إلى انحلال كامل في مؤسسات الدولة، مما يشكّل خطراً على الدولة اللبنانية برمّتها وعلى فكرة وجود هذا الكيان.