كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
يدخل البرلمان اللبناني مع انتهاء عقده الثاني اليوم في إجازة تشريعية تمتد إلى منتصف آذار المقبل موعد بدء العقد الأول ما لم يوافق رئيس الجمهورية ميشال عون على فتح دورة استثنائية بتوقيعه بالاتفاق مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على المرسوم الخاص بها، أو أن يكون البديل بتوقيع الغالبية النيابية على عريضة ترفعها إليه وتطلب فيها فتح هذه الدورة، خصوصاً أن هناك ضرورة ملحة لإقرار الموازنة العامة للعام 2022.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية أن ميقاتي كان لمح إلى عون في أكثر من لقاء جمعهما بالموافقة على فتح دورة استثنائية، لكنه تريث في إعطاء الجواب النهائي وكأنه يربط موافقته بالإفراج عن جلسات مجلس الوزراء التي لا تزال معطلة على خلفية مقاطعة الوزراء الشيعة للجلسات ما لم يتلازم انعقادها مع كف يد المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار عن ملاحقة الرؤساء والوزراء التي هي من صلاحية المجلس الأعلى لملاحقتهم.
وكشفت المصادر النيابية أن «حزب الله» انضم إلى الجهود المبذولة من ميقاتي لإقناع عون بالتوقيع على مرسوم فتح الدورة الاستثنائية، وقالت إن مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا يتواصل حالياً مع عون، إضافة إلى رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل لعله يتمكن من تذليل اعتراضهما على فتحها، خصوصا أن الأخير كان طلب ومعه عدد من النواب الأعضاء في كتلته النيابية من رئيس المجلس النيابي نبيه بري الدعوة لعقد جلسة لمساءلة الحكومة.
وقالت إن الرئيس بري بعث برسالة في هذا الخصوص إلى الرئيس ميقاتي ليكون في وسعه التحضير للرد ضمن مهلة 15 يوماً على مساءلته من قبل نواب «تكتل لبنان القوي» برئاسة باسيل، وإن كان تحديد موعد لانعقاد الجلسة يقع على عاتق الرئيس عون لأن البرلمان ليس الآن في حال انعقاد لانتهاء العقد الثاني ما يتطلب فتح دورة استثنائية تتيح له تحديد موعدها. ولفتت إلى أن طلب باسيل مساءلة الحكومة يبقى في إطار المزايدات الشعبوية بالتهويل على الحكومة وابتزازها لأغراض أخرى ما لم يقنع عون بجدوى الموافقة على فتح دورة استثنائية بتوقيعه على المرسوم الخاص بفتحها بالتضامن والتكافل مع ميقاتي الذي ليست لديه مشكلة في معاودة الجلسات النيابية لإقرار الموازنة للعام 2022، والتوقيع على مجموعة من الاتفاقيات أبرزها استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، إضافة إلى مواكبة المفاوضات الجارية بين الحكومة وصندوق النقد الدولي للانتقال بلبنان إلى مرحلة التعافي المالي التي يُفترض أن تتوج بإقرار خطة التعافي في البرلمان بعد أن تحيلها إليه الحكومة.
وقالت المصادر نفسها إن الرئيس بري يتريث لبعض الوقت قبل أن يطلق الضوء الأخضر للتوقيع على العريضة النيابية المطالبة بفتح دورة استثنائية، مع أنها مُلزمة للرئيس عون بالاستجابة لطلب الغالبية النيابية بحسب الأصول الدستورية التي لا تعطيه صلاحية للالتفاف عليها وإحالتها إلى أرشيف رئاسة الجمهورية أسوة بالعشرات من مشاريع واقتراحات القوانين التي أُحيلت إليه من رئاسة المجلس النيابي، ولم يوقع عليها حتى الآن برغم أن بعضها يتعلق بالإصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي لمساعدة لبنان لوقف الانهيار الاقتصادي والمالي.
وعزت تريث بري إلى أنه ينتظر ما سيؤول إليه تحرك صفا باتجاه عون وباسيل لإقناعهما بجدوى موافقتهما على فتح دورة استثنائية؛ تجنباً لتجدد الاشتباك السياسي بين الرئاستين الأولى والثانية، خصوصاً أنه سيتسم هذه المرة بالتحدي لدخولهما في مواجهة مباشرة. وقالت إن وساطة صفا تتلازم مع تحرك بري وتواصله مع رؤساء الكتل النيابية لتهيئة الأجواء أمام البدء بالتوقيع على العريضة النيابية في حال أن صفا اصطدم بحائط مسدود.
وقالت إن قيادة «حزب الله» أوفدت صفا للتواصل مع عون وباسيل ليس بهدف تجنب الصدام السياسي بين الرئاستين الأولى والثانية فحسب، وإنما لتفادي إحراجها إذا ما طُلب من النواب الأعضاء في كتلة الوفاء للمقاومة التوقيع على العريضة النيابية التي تطالب عون بفتح دورة استثنائية في حال أوصد الأخير الأبواب في وجه صفا واستعصى على وساطة حليفه.
وأكدت المصادر نفسها أن استجابة عون لوساطة صفا يعفي «حزب الله» من الإحراج لئلا يجد نفسه محشوراً بين خيارين أحلاهما مر لأنه سيضطر إلى مراعاة عون، وهذا ما يزعج حليفه الاستراتيجي رئيس البرلمان، وقالت إن المعاون السياسي لبري النائب علي حسن خليل يتواصل مع قيادة «حزب الله» لمواكبة ما سيتوصل إليه صفا ليكون في وسع بري أن يبني على الشيء مقتضاه.
ولفتت إلى أن الأيام المقبلة يُفترض أن تشكل محطة لاستقراء خريطة الطريق التي سيرسمها بري لنفسه بالتعاون مع رؤساء الكتل النيابية، ورأت أنه لن يكون من خيار أمامه سوى السير بالتوقيع على العريضة النيابية في حال أن عون امتنع عن التوقيع على مرسوم فتح دورة استثنائية لأن لا مصلحة في إحداث فراغ في التشريع يمتد لحوالي شهرين ونصف أي إلى حين بدء العقد الأول للبرلمان في منتصف مارس.
لذلك فإن منسوب المخاوف أخذ يرتفع إذا ما تلازم تعطيل الحكومة مع تمديد الإجازة القسرية للبرلمان، إلا إذا انقضت عطلة الأعياد بأقل الأضرار على البلد، وأعادت التواصل لإخراجه من التأزم بالإفراج عن المؤسسات الدستورية لتأمين انتظامها بمنأى عن تصفية الحسابات.