جاء في “الراي الكويتية”:
لم تُخالِفْ انطلاقةُ 2022 اللبنانية التوقّعات بأن تشكّل امتداداً لِما أَقْفَلَ عليه العامُ المنصرمُ من أزماتٍ متعددة الفتائل تَعكس أن الـ 4 أشهر ونيف الفاصلة عن الانتخابات النيابية ستكون عبارةً عن «صندوقة فرجة» لحروبٍ طاحنة، سواء بين مُجْتَمِعِين حول طاولة الحكومة الممنوعةِ من الانعقاد منذ 12 تشرين الأول الماضي، أو بين أطراف الائتلاف الحاكم وخصومه، في استحقاقٍ يقاربه الخارج بوصفْه أول معيارٍ لمدى قابلية الواقع في «بلاد الأرز» للتصحيح في الشق السياسي – السياديّ الذي أوْدى بها إلى هلاكٍ مالي – اقتصادي – نقدي له مرتكزاتٌ تتصل أيضاً بالفساد والقضم المنظّم لمساحة الدولة و«فكرتها» في البنيان المؤسساتي – الإداري.
وعشية أول يوم عمل بعد انتقال لبنان، من قلب غرقة العناية الفائقة، إلى السنة الجديدة، اكتملت في بيروت مقومات الذعر من موجة عاتية من طفرة إصاباتٍ بفيروس كورونا المستجد ومتحوّره «اوميكرون»، تتعاطى معها السلطات على قاعدة «إلا الإقفال الشامل»، فيما ارتسمت من خلف الأزمة الحكومية المستعصية، تحوّراتٌ إضافية في العلاقة المترنّحة بين رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه (التيار الوطني الحر) وبين «حزب الله» الذي لا يغادر «الخندق الواحد» مع شريكه في الثنائية الشيعية رئيس البرلمان نبيه بري، وذلك بما يضيف المزيد من الأقفال إلى الأفق السياسي المسدود.
وإذا كانت السلطات اللبنانية تحاول احتواء «الاجتياح الأوميكروني»، الذي ناهزت معه الإصابات عشية ولادة 2022 الـ 4300 (و17 وفاة)، فإنّ لا مؤشرات إلى أن أياً من اللاعبين الداخليين يملك «الترياق» لإنقاذ الحكومة، أقله في المدى القريب، من لعبة التعطيل الذي بدأ على خلفية إصرار الثنائي الشيعي على إقصاء المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار أو أقلّه كفّ يده عن ملاحقة السياسيين، قبل أن يتشابك، وعلى طريقة «الأوعية المتصلة»، مع كل المناخات المشحونة بين مكوّنات التشكيلة الوزارية أنفسهم كما مع الحسابات التي باتت تتحكّم بالوضع الداخلي في الطريق إلى «نيابية 15 أيار» المقبل التي ستخاض وكأنها «سباق تمهيدي» لانتخابات رئاسة الجمهورية خريف 2022. ولم تفاجئ إطلالة رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، أمس، الوسط السياسي الذي كان تلقَّف في الأيام الأخيرة، وتحديداً منذ عدم إمرار المجلس الدستوري الطعن الذي تقدَّم به تكتل «لبنان القوي» (باسيل) بالتعديلات على قانون الانتخاب، ملامح تشققات أصابت علاقة طرفيْ «تفاهم مار مخايل»، أي التيار و»حزب الله» ونَفَذتْ من الاشتباك شبه «الدائم» بين فريق عون وبري.
ورغم أن باسيل، لم «يكسر الجرّة» مع «حزب الله»، إلا أنه بدا وفق خصومه وكأنه «يقايض» الحزب بين «الوحدة الشيعية»، أي العلاقة مع بري، وبين تجديد الغطاء المسيحي له بإزاء «محاولات عزله التي ستستمر»، معتبراً أن أمام بناء الدولة والإصلاح وضرب «المنظومة» عائق من «3 أحرف: بري، وهو الجواب الذي يعطوننا إياه حين نسألهم»، كما «أغرى» «حزب الله» بإعلان «لم يعد لدينا مبرّراً لعدم زيارة سورية، وأنا على استعداد لزيارتها قبيل الانتخابات»، وإعلائه خيار انتماء لبنان إلى «المشرقية»، إلى جانب تذكيره بالأثمان (العقوبات الأميركية التي دفعها جراء تمسكه بالتحالف مع الحزب).
وتطرق باسيل إلى افتراقٍ في الأولويات مع الحزب: «نحن أولويّتنا الدولة وإصلاحها، وهم أولويّتهم المقاومة والدفاع عنها، قلنا يمكن أن نحافظ على الاثنين ولكن تبقى المقاومة تحت الدولة وفي كنفها وليس فوقها. لا يمكن أن نخسر الدولة من أجل المقاومة، ولكن يمكن أن نربح الاثنين».
ووجّه سلسلة رسائل برسم «حزب الله» وورقة التفاهم معه التي «لا نريد تمزيقها بل تطويرها لأنها لم تعد تجيب عن التحديات ولا سيما المالية فالبلد انهار»، ومتوجّها إلى أمينه العام السيد حسن نصرالله «يلّي إلو عندي مكانة خاصة بالقلب والعقل» بأنه بالنسبة إلى الناس «هناك ثنائي شيعي ولا فارق بينهما بل تكافل وتضامن وتوزيع أدوار. وليس مقبولاً أن يتم وضعنا أمام معادلة الاختيار بين الدولة والسلم الأهلي، وبين الإصلاح والاستقرار – يعني كل ما منحكي بالإصلاح بيصير مهدَّد الاستقرار، والجواب نجّونا من الفتنة الشيعية – الشيعية»!
وسأل «نحنا اخترنا مار مخايل على أحداث الطيّونة، ولكن أين الترجمة لمار مخايل؟ أين بناء الدولة؟ بتغطية الفساد؟ ولو السكوت عنه هو اقل من المشاركة فيه. أين الديموقراطية التوافقية؟ بالمسايرة بشلّ مجلس الوزراء وبضرب الرئيس وعهده وصلاحيّاته؟ أين الاستراتيجية الدفاعية التي بقيت عنواناً حلو بلا مضمون فعلي، لتكون وسيلة مفيدة لحلّ مشاكل، ما لازم يكون عنا ياها مع دول صديقة متل الخليج».
وحمل رئيس «التيار الوطني الحر» على رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، قائلاً «منعرف منيح انّو جعجع كلّ عمره أداة للخارج، ساعة لإسرائيل، وساعة لأميركا، وتواطأ مع سورية بالـ 90، بس هي رفضته، وهلّق معروف وينو وعلى أي Payroll، وأي اجندة بينفّذ، ومطلوب منه الفتنة بلبنان، والطيّونة اجته شحمة على فطيرة».
ويُنتظر أن تكتمل صورة ما سيكون على مستوى العلاقة بين «التيار الحر» و«حزب الله» بكلمة نصرالله اليوم، وسط توقعات بأن يتلقّف بهدوء الكثير من النقاط التي أثارها باسيل ويتفهّم مقتضياتها، ولكن مع معاودة تثبيت مدوْزنة لثوابت تتصل بنقاط جوهرية مثل العلاقة مع بري على قاعدة «أن الخلاف لا يفسد في الود قضية».