كتب منير الربيع في “المدن”:
يزداد تجلي العجز السياسي في لبنان: لا رؤية واضحة لدى أي من الأفرقاء لمشروع جديد، سياسي أو اقتصادي، يطال بنية النظام. الجميع يبدو أسيراً للوضع القائم. وحتى حزب الله لا يبدو قادراً على الانتقال إلى مرحلة جديدة، رغم أن بقاءه حزبَ قوة عسكرية كبرى، يترتب عليه ما صار معروفاً من متوجبات وأدوار ستكون أثقل في المرحلة المقبلة، بظل فقدان عناوين القتال، التي ساهمت في صعوده واتساع دوره، الذي بنى عليه حضوره العسكري والأمني والجماهيري في البيئة الشيعية.
الحياة بلا السلاح؟
الصراع مختلف اليوم، وكيفما انقلبت الأمور يبدو أن السياق يتجه نحو شؤون اقتصادية واجتماعية ومعيشية وسياسية. وهذا يجعل الخيارات الأمنية والعسكرية مستنفدة، إما لصالح تسوية كبرى، وأما للدخول في هدنة، ما يفرض تغيراً في وظيفة حزب الله العسكرية. فهو لم يعد قادراً على التحرك في مساحة واسعة بين الدولة واللادولة. وهي المعادلة التي أوصلت البلد إلى ما وصل إليه. لذا، يبدو حزب الله أمام خيارين: إما التدمير الكامل للبلد، وإما تغيير جوهر وظيفته ودوره.
فأمام حزب الله أسئلة تتعلق بشؤون الناس التفصيلية، ولم يعد يسعه إدارة ظهره لها، وحتى الآن لا إجابات لديه عليها، ولا يبدو قادراً على التعامل معها. وفي حال قرر مقاربتها سيكون ضعيفاً في مقارباته. فهو نشأ وتعود على الإمساك بالمعادلة السياسية الداخلية والخارجية من طريق الأمن والعسكر. أما الدخول في تفاصيل المشاريع الاقتصادية، والمفاوضات مع القوى الدولية وغيرها، فيحتاج إلى أمور مختلفة وإمكانات غير متوفرة لحزب الله، حتى لو توفرت لديه الإرادة.
نهاية سياسة الاستنزاف؟
ولذلك لا يبدو هذا الباب مفتوحاً أمام حزب الله. وحتى لو فتح لا يمكنه أن يكون عنصراً متساوياً للأفرقاء الآخرين. وهذا يؤدي إلى إرباكه حول ماهية دوره المستقبلي. ولتجنب ذلك لجأ إلى اقتراحات عدة: التوجه شرقاً، وتصعيد المعركة مع أميركا والسعودية. وهو في هذا حريص على المعادلة القديمة حرصًا وجوديًا. وفي هذه الحال يستحيل تدفق المساعدات إلى لبنان. فالمعادلة تغيرت، ليواجه الحزب عينه أسئلة كثيرة حول مستقبله ودوره في المرحلة المقبلة.
فالحلول خارجية، وتحتم طرح مصير حزب الله، وضعه ووظيفته. أما هو فمصر على إبقاء الأزمة في وضعها السياسي التقليدي للمحافظة على سياسة الإستنزاف التي لم يعد أحد في الخارج يوافق على استمرارها، في مقابل الحفاظ على البلد وحمايته من الانهيار.
الموقف السعودي والخليجي واضح، والجميع يخوض معركة وجودية. لذلك، لجأ نصر الله إلى تصعيد هجومه إلى حدوده القصوى على السعودية وأميركا. وهو نهج يبدو أنه مستمر به، ولا ينفصل عن التفاوض بين واشنطن وطهران. لذا يجب الانتباه إلى التطورات في لبنان، ربطاً برسالتين واضحتين وجهتهما بيئة حزب الله الحاضنة في الجنوب لقوات الطوارئ الدولية.
ملهاة تفاقم الأزمة
ولا شك في أن القوى السياسية اللبنانية تعيش في ضياع في تعاطي كل منها مع جمهورها. وزرع فكرة الاستهداف الذي تتعرض له الطوائف، لم يعد يجدي في الأزمة الراهنة، بل هو إمعان في عبثية لن تؤدي إلا إلى استقطابات طائفية ومذهبية لتغطية الأزمة الحقيقية، المالية والاقتصادية والاجتماعية.
والمواقف التي تطلقها القوى السياسية كلها لا مفاعيل لها قابلة للاستمرار. فما يقال يستنفد سريعاً، فيما إيقاع الأزمة وتفجرها أسرع بكثير من إيقاع المواقف السياسية. وأي حركة تقوم بها الأطراف اللبنانية، تبدو خارج سياق الإجابات على الأسئلة الحقيقية المتعلقة بالأزمة العميقة. ولذلك تلجأ القوى بين فترة وأخرى إلى اختراع معارك جديدة وعناوين تصعّد من خلالها مواقفها، لتنسي اللبنانيين أزمتهم الحقيقية. لذا يعتمد الجميع استراتيجية القفز فوق المشاكل. وهذا لا يؤدي إلا لمزيد من الاستنزاف والانهيار.