Site icon IMLebanon

بين “التعدين” و”الهيليوم” أين الرقابة الرسمية؟

كتبت زيزي إسطفان في “نداء الوطن”:

في زمن انهيار العملة الوطنية تتجه أنظار اللبنانيين صوب العملة الرقمية وكيفية الاستفادة منها للحصول على العملة الصعبة التي تبقى الهدف المنشود لكل مواطن مقهور. ولبنان المستعد دوماً للسير مع أحدث الاتجاهات العالمية وأغربها بدأت تنتشر فيه ظواهر جديدة مثل الـMining والهيليوم وبدأت الخشية تتصاعد من تأثير هاتين الظاهرتين على أمنه الرقمي وعلى وضع الانترنت الهش فيه ووضع الشبكة الكهربائية التي تعاني ما تعانيه. فهل دخل لبنان مرحلة المخاطر الرقمية أم أنه باب جديد للاستفادة المالية؟ تحذيرات بدأت تظهر من هنا وهناك يقابلها اعتراضات وانتقادات في عملية تضارب مصالح وتحليلات، فالقصة كلها لا تزال جديدة في لبنان ولم يظهر بعد خيرها من شرها رغم تهويل البعض وتطمين البعض الآخر. “نداء الوطن” حاولت استطلاع موضوعي التعدين والهيليوم وما يثار حولهما من تساؤلات وما تثيرانه من إشكاليات عبر لقاء خاص مع الخبير في الأمن الرقمي وتقنيات التواصل رولان أبي نجم مع السعي لعرض الوقائع بشكل علمي مبسط.

منذ ظهور الـ Bitcoin وهي العملة الرقمية الأبرزانقسم العالم بين مؤيد ومعارض لكن ذلك لم يمنع صعود التداول بهذه العملة بشكل صاروخي وتحوّلها الى عملة رئيسية في عدد من الدول الى جانب العملات المحلية. انطلاقاً من هذا المعطى يمكن فهم عملية التعدين التي يحكى عنها اليوم في لبنان وفق ما يشرح أبي نجم، إذ إن أية عملية تحويل للبيتكوين transactionمن فريق الى آخر تتم عبر تقنية تعرف باسم blockchain وكل عملية تحتاج الى تصديق او تدقيق ( verification) يتم بدوره عبر عملية معقدة وبواسطة أجهزة ذات تقنيات متطورة تحتاج الى انترنت سريع وطاقة كهربائية عالية لا تنقطع. ويطلق على هذه العملية اسم التعدين ويقوم بها أشخاص يدعون الـ Miners أو “عمال المناجم” يملكون جهازاً أو أكثر من الأجهزة المذكورة ليتمكنوا من حل العمليات الخوارزمية المعقدة والقيام بالتدقيق على المزيد والمزيد من عمليات التحويل بحيث بات بالإمكان الحديث عن مزارع تعدين تضم أجهزة كثيرة وقادرة على تلبية أعداد أكبر من عمليات التحويل.

مزارع “التعدين”

أما لماذا تم إطلاق اسم التعدين على هذه العملية فالأمر بسيط ويحتاج الى القليل من المخيلة فكما يتم في المناجم تحويل المعادن الخام الى قطع ذات قيمة او الى عملات معدنية هكذا يمكن بواسطة أجهزة التعدين الرقمية لمن يقوم بعملية التدقيق استقطاع مبلغ من كل تحويلة يتم العمل عليها ليصار بعدها الى تعدين هذه العملة الرقمية أي تحويلها الى عملة حقيقية ( بالدولار) عبر مؤسسات مختصة باتت موجودة على الأراضي اللبنانية. ورغم ارتفاع سعر الجهاز الذي يشتريه المعدّن والذي قد يصل الى 1500 دولار إلا أنه يكون قادراً على استرداد ثمنه في غضون ستة اشهر بواسطة ما يجنيه يومياً من أرباح وبعد ذلك يتحول العمل الى ربح صاف يعود على أصحابه بمردود لا بأس به من العملة الصعبة في هذا الزمن الصعب. وهذا ما دفع بالكثير من الشباب اللبنانيين الى الاستثمار في هذه الأجهزة والقيام بعمليات التعدين لتحصيل العملة الصعبة بسهولة وسرعة من دون القيام بمجهود يذكر في وقت باتت البطالة سيدة الموقف وأعداد كبيرة من أبناء الجيل الجديد بلا عمل يفتشون عن أي مصدر رزق.

لكن عملية التعدين هذه التي باتت منتشرة بكثرة في لبنان تطرح أكثر من إشكالية يقول أبي نجم الذي يؤكد أنه ليس ضدها ولا ضد العملات الرقمية بل يسعى لأن يوضح مخاطرها وأضرارها على لبنان. فأجهزة التعدين المستخدمة تحتاج الى طاقة كهربائية هائلة لا تنقطع والى استهلاك عالٍ للانترنت. من هنا السؤال الذي يطرح نفسه كيف تؤمن مزارع التعدين والمعدنون هذه الطاقة الكهربائية؟ بعضهم عمل الى تزويد مقره بألواح الطاقة الشمسية لضمان الحصول على التيار الكهربائي بشكل متواصل فيما عمد كثيرون، وهو أمر بات شبه مؤكد، الى سرقة الكهرباء بشكل غير شرعي وهذا ما انعكس على الشبكة في بعض المناطق التي لم تعد تتحمل ازدياد الضغط عليها خصوصاً أن ترهل الشبكات في لبنان أمر معروف ومفروغ منه. وقد بدأت بعض المناطق والقرى التي تكثر فيها مزارع التعدين تشكو من انقطاع الكهرباء وعدم تحمل الشبكات للضغط المتزايد عليها ما اضطر شركة الكهرباء الى فصل بعض القرى التي ازداد فيها استهلاك الكهرباء بشكل كبير عن غيرها من القرى لتأمين استمرارية وصول التيار الى كل القرى ويذكر أن هذا الأمر ظهر في منطقة جزين بشكل خاص وبعض قرى الجنوب.

وتأكيداً على ضراوة وحش الطاقة هذا، فإن دولاً عديدة منعت عملية التعدين ويذكر أن الصين كانت من أوائل الدول التي منعت تعدين البيتكوين ودمرت كل الأجهزة المستخدمة فيه ومنعت بيعها في الصين ومن خلال كبريات الشركات الصينية مثل علي بابا. وللمزيد من التأكيد يتم التداول برقم مخيف وهو أن استهلاك أجهزة التعدين في العالم للطاقة يوازي ما تستهلكه دولة هولندا من الطاقة الكهربائية. فكيف بالحري في لبنان الذي يعاني أصلاً من ضعف موصوف في انتاج الطاقة الكهربائية وتوزيعها؟

أما إلإشكالية الثانية المطروحة فهي هل يمكن للبنان أن يتحمل في ظل تردي اوضاع الانترنت فيه وما يعانيه هذا القطاع من مشاكل، من زيادة هائلة في استهلاك الانترنت؟ أليس لزيادة الاستهلاك تأثير سلبي على قدرة الشبكات وينعكس سلباً على كافة المستخدمين؟

الـHelium همّ جديد؟

الموضوع الثاني الذي بدأ يثير الهمس والتساؤلات مؤخراً هو شبكة الهيليوم التي ذكّرت اللبنانيين بشكل أو بآخر بشبكة اتصالات سابقة سببت لهم في يوم مشؤوم مشكلة أمنية وسياسية كبرى. فهل يجب التخوف من شبكة الهيليوم ومخاطرها أم أنها لا تزال محدودة الإشكاليات ولا ترقى حد المخاطر؟

بداية لا بد من التعريف بما يسمى الهيليوم وهنا يقول الخبير رولان أبي نجم أنها مفهوم مختلف عن مفهوم تعدين البيتكوين وهي مرتبطة بما يعرف بانترنت الأشياء internet of things IOT اي ان العالم اليوم يستخدم أجهزة وأدوات كثيرة تحتاج الى الاتصال بالإنترنت حتى تعمل مثل كاميرات المراقبة على سبيل المثال ولذلك يجب ان يتوافر لهذه الأشياء أجهزة راوتر تتيح لها الاتصال بالانترنت او خط 3G. لكن أحياناً قد لا تكون التغطية بالإنترنت متوافرة لهذه الأشياء نظراً لبعدها عن مصدر الانترنت فكان لا بد من استخدام شبكة بديلة تعرف باسم الهيليوم. وعبرهذه التقنية يمكن للأفراد ان يقتطعوا جزءاً من الانترنت الخاص بهم في البيت او على هاتفهم وإرساله الى هذه الأشياء لتأمين التغطية لها ويتم ذلك عبر جهاز يوزع طاقة الانترنت المقتطعة على المحيط القريب. حتى الآن لا شيء غير قانوني لأن من يشارك طاقته عبر الهيليوم هو في الأصل يدفع لشركات تشغيل الهاتف او الانترنت ثمن ما يستهلكه.

وإذا أردنا تبسيط هذا المفهوم يمكن القول أنه قريب الى حد ما من مفهوم مولد الحي الذي يوزع طاقة بديلة عن التيار الكهربائي، وهكذا بفضل الهيليوم يمكن تأمين تغطية انترنت محلية لأي مكان يحتاجها. ومن جهة أخرى يبدو الأمر وكأنه عملية ربح-ربح لأن جهاز الهيليوم يمكن ان يستعمل أيضاً لتعدين نوع آخر من العملة الرقمية يحمل اسم HNT والتي بواسطتها يمكن شراء عملات رقمية أخرى او تحويلها الى دولار، وكلما كان الجهاز كبيراً يمكنه أن يعود على صاحبه بمردود أعلى من العملة الرقمية المذكورة التي يتم استبدالها بالعملة الصعبة. وبهذه الطريقة يكون اللبناني “الحربوق” قد أصاب عصفورين بحجر واحد واستطاع ان يجني مالاً سهلاً وهو يخدم من حوله وربما يقبض منهم أيضاً ( لكنه أمر لا يزال غير مؤكد).

شبكة الانترنت تختنق

وبعد انتشار خارطة للمواقع التي يكثر فيها استخدام شبكات الهيليوم تبين أن أكثرها يقع في الجنوب وأن بعضها مزروع قرب طريق المطار وهو الأمر الذي أثار إشكالية كبرى لأنه يعرض أمن مطار رفيق الحريري الدولي للخطر ويعرض كاميرات المراقبة فيه او في محيطه ربما للخرق او المراقبة كما يجعل الأجهزة التي تحتاج الى انترنت تحت قبضة شبكات الهيليوم المجهولة المصدر التي تزودها بالتغطية.

استخدام الهيليوم مثله مثل أجهزة التعدين يطرح أكثر من إشكالية حقيقية كما يقول أبي نجم، أولها هل الانترنت المستخدم كله شرعي أم ان البعض يعمدون الى مصادر غير شرعية للانترنت تكون بعيدة عن مراقبة الدولة؟

وثمة ما يدعو إلى التساؤل: هل أن شبكة الانترنت التي تعاني اساساً في لبنان وتشكو من البطء والانقطاع، وتشكو إدارتها اليوم عبر اوجيرو من عدم قدرتها على تشغيل المراكز بسبب فقدان مادة المازوت، قادرة على تحمل الضغط الإضافي الذي يولده استخدام الهيليوم؟ ففي العالم حيث الانترنت فائق السرعة والقدرة لا يشكل استخدام الهيليوم اية إشكالية بل يمكن ان يكون حلاً لبعض المناطق النائية أما في لبنان فهو يشكل خطراً حقيقياً على شبكة ترزح تحت كم لا يحصى من المشاكل والصعوبات.

و إذا أردنا الحديث عن الواقع القانوني لا بد أن نسأل اية قوانين ترعى هذه الأمور اليوم؟ وأين التراخيص التي تعطى للأشخاص الذين يتعاملون بأجهزة الهيليوم او الـ Mining ومن يستوفي منهم ضرائب على الأرباح أو يراقب أعمالهم؟

من جهة ثانية هل تدفع الضرائب الجمركية على الأجهزة التي تدخل لبنان عن طريقي المرفأ او المطار ولماذا ثمة أجهزة يتم إدخالها من دون رقابة او جمرك فيما أجهزة أخرى يتم توقيفها ومنع إدخالها؟ كلها أسئلة برسم الجهات الرسمية المختصة من وزارة الاتصالات الى وزارة الداخلية والمالية وغيرها التي لا تزال تتعامل مع هذا الأمر كأنه غير موجود متجاهلة ما يمكن ان يعود على الدولة منه من فوائد مالية او مخاطر أمنية.

وبعد هل يمكن ان نلوم الشبان والشابات الذين يسعون عبر تقنيات المعرفة الى محاولة كسب رزقهم في بلد لا يكاد يؤمن لهم شيئاً وفي ظل دولة فاشلة تقتل أحلامهم وطموحاتهم؟