كتب أنطوان الأسمر في “اللواء”:
سلك الـWaiver الأميركي الخاص بإعفاء كل من الأردن ومصر من عقوبات قانون قيصر، الدرب المرسوم له بدقة، حتى بات مشروع استجرار الكهرباء والغاز من قاب قوسين من التحقق.
واشنطن على يقين بأن تنفيذ هذا المشروع سيحدّ من التدهور الدراماتيكي للبنى التحتية اللبنانية. فالصناعة الكهربائية لا تقتصر فقط على آلية روتينية للتغذية بالتيار، بمقدار ما هي عصب الإقتصاد اللبناني، والإنهيار الكلي لهذا القطاع يأخذ بجريرته ما بقي من مقومات.
والطاقة أصلا هي عصب المجتمعات، ويُنظر اليها على أنه العامل الأساس في تصليب السلام الدولي، بدليل أن مناطق النزاع والنار غالبا ما تكون في جغرافيا النفط والغاز.
وواشنطن كذلك على دراية كاملة بأن ترتيب الحد المقبول من التغذية الكهربائية يصرف عن اللبنانيين مزيدا من شظف العيش ومكر منظومة الدولة العميقة.
لكل ذلك، وضعت الإدارة الأميركية خريطة لتزويد لبنان بما يؤمّن ما مجموعه 10 الى 12 ساعة كهرباء، وأوكلت الى كبير مستشاري الولايات المتحدة لأمن الطاقة العالمي آموس هوكستين أمر متابعة هذا المسار، بالطبع كمتفرّع من إهتمامه الرئيس بمسار ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع اسرائيل.
وسبق لهوكستين أن وصف الأزمة السياسية بالحرجة، وأنها أنتجت «أزمة إقتصادية مدمرة حقًا، هو أمر أعتقد أننا في الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بحاجة إلى القيام بكل ما في وسعنا لمساعدة لبنان على مساعدة الشعب اللبناني. انها حقا تبدأ بالطاقة». ولفت الى أن «لا أمل في الاقتصاد بغض النظر عما نفعله، في حال لم نصلح أساس السلم وهو الطاقة والوقود والكهرباء».
وحددت واشنطن، لهذا الغرض، نهاية كانون الثاني مهلة قصوى مقبولة وعادلة لبدء تنفيذ مشروع استجرار التيار من الأردن والغاز من مصر، بما يؤمن استقرارا كهربائيا نسبيا من غير الإقدام على حلول جذرية ومريحة. فالمطلوب مد يد العون الى اللبنانيين لكن في الحد الأدنى، لكي يبقى العامل الإقتصادي الأكثر تأثيرا في مسار الإنتخابات النيابية.
وتراهن قوى عدة محلية وخارجية على توظيف الإنهيار الإقتصادي لتحقيق إنقلاب في التركيبة السياسية، ينقل الغالبية النيابية، أي الغالبية المقرّرة، من حزب الله وحلفائه الى القوات اللبنانية والحزب التقدمي الإشتراكي والملحقات. لكن واشنطن باتت تنظر الى هذه المقاربة على أنها قاصرة وساذجة، بالنظر الى التجارب السابقة التي تؤكد استحالة أن تحكم أي أكثرية سياسية ونيابية وحزبية (احتفاظ قوى 14 آذار بالغالبية النيابية بين عامي 2005 و2018).
في سياق متّصل، يتحضّر هوكستين لزيارة قريبة الى بيروت، حاملا إقتراحا مركّبا من طبقات عدة، مفصّلا على قياس الرؤية الأميركية لحل مسألة ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل، وآخذا في الإعتبار الهواجس اللبنانية في حقول الغاز الجنوبية المتداخلة مع الجغرافيا الإسرائيلية.
ويصر لبنان على أن ينطلق أي حل من ضمان حقه في كامل حقل قانا، تاركا برسم المبعوث الأميركي خطوط الترسيم وشكلها وتعرجاتها وإنحداراتها.
ولا شك أن المقترح اللبناني يضمن مساحة أكبر بأشواط من الطرح الذي سبق أن سوّقه المبعوث السابق فريديريك هوف كحلّ للمنطقة المتنازع عليها والبالغة 860 كيلومترا مربعا، ولاقى في حينه تجاوبا عند بعض السياسيين.
وسمع زوار واشنطن تحميل المسؤولين الأميركيين المعنيين بملف الطاقة مرجعية سياسية لبنانية مسؤولية كبرى في استمرار تعطيل الحل الحدودي، حتى قيل إن هوكستين سيأتي حاملا ملفين سيعرضهما وجها لوجه على المرجعية: ملف إقرار الترسيم بلا مزيد من المماطلة، وإلا سيفتح المبعوث الملف الثاني وهو عبارة عن عقوبات قاسية على المرجعية المعنية.
وكانت السفير الأميركية دوروثي شيا قد أثارت مسألة الترسيم مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، عشية زيارة هوكستين. وهي حرصت على تعميم مسائل البحث مع رئيس البرلمان، وتحديدا ما حرفيته «النقاش مع رئيس مجلس النواب في تساؤلات حول مجلس النواب وفي زيارة مرتقبة لمسؤول في الخارجية الأميركية»، في إشارة لافتة شكلا ومضمونا إختصرت جدول أعمال لقاءات هوكستين.
ويُنظر الى الترسيم البحري على أنه حبل الخلاص لبنانيا، لأنه بشكل أساس يستجيب لمطلب أميركي مزمن يتعلق بالأمن الطاقوي الإقليمي، وبإعتبار تأمين إمداد سلس للطاقة حجر أساس في السلام في المنطقة.