شكّلت زيارة وزير الدفاع الوطني موريس سليم الاخيرة الى العراق، نقطة تحوّل في علاقات لبنان العسكرية مع الدول العربية، وبعدما انحصرت هذه العلاقة ببعدها العربي منذ التسعينات بسوريا، فإنها انفتحت على فضاء عربي آخر ومهم هو العراق الذي يمتلك خبرات وتقنيات وقدرات عسكرية كبيرة.
ولان التطورات المتسارعة في لبنان ببعدها الانهياري على مستويات متعددة، صرفت الانظار عن هذه الزيارة التي اثمرت توقيع «مذكرة تفاهم حول التعاون في المجال العسكري»، فان مصدراً معنياً تحدث لـ»نداء الوطن»، متناولاً مسارات النقاش التي سادت اللقاءات التي عقدها الوزير سليم المعروف بهدوئه ولباقته في الحديث وعمق تجربته العسكرية وصولاً الى السياسية.
وزير الدفاع العراقي
وقال المصدر «إن اجتماع الوزير سليم مع نظيره العراقي الفريق الركن جمعة عناد سعدون ركّزت على اهمية دور الجيش اللبناني في المرحلة الصعبة التي يمرّ بها لبنان، كون الجيش هو صمّام أمان كل الشعب اللبناني وخشبة خلاص دائمة الجهوزية للبنان، واثبتت المؤسسة العسكرية في لبنان عن ولاء وحرفية على الرغم من الظروف المالية الصعبة التي تمر بها كما المؤسسات اللبنانية الاخرى، من هنا جاء التشديد العراقي على تطوير العلاقات العسكرية مع لبنان، وابلغ الوزير العراقي نظيره اللبناني أنه لا يقبل بأن يكون الأشقاء بحاجة للمساعدة من دون تلبية النداء».
واوضح المصدر ان الحديث بين سليم وسعدون تطرق «الى المعارك التي تخوضها القوات العراقية عسكرياً وامنياً في مواجهة تنظيم «داعش» الارهابي، الذي يعتمد اسلوب العمليات الاستنزافية ضدّ القوات العراقية، ونقطة الضعف هي في شمال شرق سوريا، إذ ان «داعش» وفصائل أخرى مثل «جبهة النصرة» لديها أفضلية المفاجأة وعنصر المباغتة كونها موجودة على الضفة الأخرى من الحدود التي تمتدّ مع سوريا لأكثر من 600 كلم واستغلال الحدود مع سوريا التي هي بمثابة مناطق مفتوحة وتصعب السيطرة عليها، كما الخشية قائمة على الدوام من عمليات إرهابية تحضر ضدّ العراق في خارج الحدود، خاصة وأن الجماعات الإرهابية يأتيها دعم خارجي، لذلك العراق في حالة استنفار دائمة لمواجهة هذا الخطر المستمر».
مستشار الامن القومي
وتابع المصدر «ان الاجتماع المهم الآخر هو الذي عقده الوزير سليم مع مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي، الذي قدّم مقاربة امنية واستراتيجية عميقة لمسألة المواجهة مع الارهاب ووجوب التعاون العميق والهادف بين الدول العربية»، واللافت تأكيده ان «نهوض لبنان من كبوته لا يتحقق إلا بمساعدة ووقفة جادة من الأشقاء العرب، وخاصة الأغنياء، وذلك لا يعتبر فضلاً منهم بقدر ما هو واجب تجاه لبنان».
واذ «قدّم التحية للجيش اللبناني لجهة الأداء المهني على الأرض»، اشار الأعرجي إلى أن «رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي كان يطلب أثناء إجتماعات الحكومة العراقية، من القوات العراقية، بأن تحذو حذو الجيش اللبناني في التعامل الحكيم مع فض التظاهرات من دون الحاجة الى إطلاق النار والمشاهد الدموية»، معتبراً ما يجري على المستوى العربي من تلاحق ازمات «هو بمثابة محاولة لتفكيك الدول العربية بما يضعها على مسار الإخفاق وليس التنمية، وان أغلب العلاقات المتوترة بين الدول العربية تعود في أسبابها الى سوء فهم بينها تسبّب به الوسطاء الذين يدخلون على خط محاولة إصلاح ذات البين».
وكشف المصدر عن انه في خلال اجتماع سليم والأعرجي «تم البحث في اهمية توسيع أطر العلاقات العسكرية بين البلدين لتشمل ايضاً البعد الامني، وأهمية بدء الاعداد لتوقيع مذكرة تفاهم للتعاون في المجال الامني».
الرئيس العراقي
وأوضح المصدر ان «البعد السياسي في زيارة الوزير سليم كان في الإجتماع مع رئيس الجمهورية العراقية برهم صالح الذي رأى أن الإنفراج الذي قد يحدث في ملفات المنطقة من شأنه مساعدة لبنان والعراق، لأن مسار الأمور مترابط بين البلدين، وأن اجتماعات فيينا بين ايران والغرب حول الملف النووي الايراني مهمة، وثمة مؤشرات الى أن تطورات إيجابية تجرى بين إيران والولايات المتحدة، وفي هذا السياق الرئيس الكاظمي يؤدي دوراً مهماً للتقريب بين واشنطن وطهران وكذلك الأمر مع السعودية. ورأى ايضاً ان هناك حاجة إلى إرساء حلول للأزمات في لبنان وسوريا والعراق، فهذه الحلول مطلوبة من الجميع، فضلاً عن أن لبنان، كما العراق، يتأذّى جراء ما يجري في سوريا، فتنظيم «داعش» بدأ ينهض من جديد في شمال سوريا، ومن الضروري عدم الإستخفاف بقدرة تلك الجماعات على التخريب، الامر الذي يحتاج الى تنسيق مشترك مع سوريا في المجال الامني».
واشار المصدر الى انه خلال اللقاء بين صالح وسليم جرى التطرق الى العلاقات العربية – العربية «اذ ابدى الرئيس العراقي اسفه للفتور الحاصل في العلاقات بين لبنان والسعودية، مؤكداً ان العراق كان له رأي حول هذا الموضوع وفحواه أن لبنان لا يستطيع تحمل هذه الظروف والتوتر الموجود. كما تمنى على الأشقاء العرب التعامل مع لبنان من زاوية خصوصية الوضع اللبناني الذي يتشابه ووضع العراق، وتمنى بأن تتوسع اللقاءات الإقليمية التي احتضنتها بغداد مؤخراً لتشمل لبنان وسوريا، خاصة وأن الأزمات في هذين البلدين لا يمكن حلّها إلا من خلال منظومة إقليمية».