كتب معروف الداعوق في “اللواء”:
كان شعار «يا قدس قادمون» يزيّن رايات حزب الله، منذ انطلاقته في بداية ثمانينات القرن الماضي، وحاضراً في مناسباته، ومحفزاً لحشد الالتفاف الشعبي حوله، وتغطية تمدده وحماية عملياته ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي في لبنان، باعتباره حركة مقاومة، وليس حزباً مسلحاً موجهاً سلاحه، للسيطرة على لبنان والمنطقة لصالح مشروع الهيمنة الايراني.
ادى انتهاء عمليات حزب الله في جنوب لبنان، بعد الانسحاب الاسرائيلي عام الفين، وصدور القرار الدولي رقم ١٧٠١، بعد حرب تموز عام ٢٠٠٦، الى توقف نهائي لأي اعمال عسكرية ضد إسرائيل، باستثناء مناوشات رمزية، متفق عليها في اراضي مزارع شبعا، وتحول سلاح حزب الله، من سلاح مقاوم لإسرائيل، الى سلاح موجه للداخل اللبناني، للامساك بمفاصل الدولة وقراراتها، ولممارسة دور شبيه بدور القوات السورية التي انسحبت من لبنان في ربيع العام ٢٠٠٥، جراء النقمة الشعبية العارمة ضدها، بعد جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
ظهر جلياً امام الداخل والخارج، ان هناك تبدلا جوهريا في وجهة سلاح حزب الله ودوره، عززه تدخل الحزب الفاضح للامساك بتركيبة الوضع السياسي وقرارات الدولة، بالترهيب حينا، وبسلسلة الاغتيالات التي طالت رموزا سياسية ووطنية بارزة وفي مقدمتهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري حينا آخر.
وهذا التغيير في وجهة، ودور سلاح حزب الله، لم يقتصر على لبنان وحده، بل تجاوزه الى العديد من الدول العربية، مع اندفاع الحزب للمشاركة بالحرب الأهلية بالعراق، الى جانب المليشيات الشيعية الموالية لايران، وتجنيده للخلايا الإرهابية المدربة لاستهداف أمن واستقرار العديد من دول الخليج العربي، وبعدها اندفاعه على نحو غير مسبوق لعبور الحدود اللبنانية متجاوزا الدستور والقوانين اللبنانية، للقتال الى جانب النظام ضد الشعب السوري، قتلا وتهجيرا وتدميرا للمدن والقرى، تحت شعارات مذهبية تصب في خانة المشروع الفتنوي الايراني لاستهداف العالم العربي.
هذا التبدل الملحوظ في وجهة سلاح حزب الله، ترافق مع انحسار ملحوظ في التأييد والتعاطف الشعبي الذي كان يحوطه إبان مقاومته لإسرائيل، وتحول الى نقمة واسعة ضده وانقلاب على حركته ونشاطه، بعدما ظهر جليا، توظيفه للشعارات والعناوين البراقة التي، تلطى بها طوال العقود الماضية للعبور من خلالها لتنفيذ المشروع الايراني للسيطرة على المنطقة العربية، بينما لوحظ ان النظام الايراني، لم يبادر بأي تحرك ميداني تجاه القدس، أو ضد إسرائيل، بل يكتفي بالتهديدات الفارغة، وحتى يتحاشى الرد هو وحزب الله، على عشرات الضربات الجوية الاسرائيلية المدمرة، التي استهدفت مراكزه ومخازن أسلحة الحرس الثوري الايراني، على طول الاراضي السورية منذ سنوات وحتى الامس القريب.
وكما هو معلوم، اختار النظام الايراني القدس، لرمزيتها عند العرب والمسلمين، شعارا وعنوانا، مدغدغا للمشاعر، للعبور من خلاله، والانطلاق قدما، لتنفيذ مشروعه الفتنوي الهدام والتخريبي في العالم العربي، حيث استطاع التغلغل ونشر افكاره وشعاراته الملوثة والمسمومة.
فمن احتفالية فضفاضة لتحويل سفارة إسرائيل بطهران ظاهريا، الى سفارة فلسطين بالجمهورية الاسلامية بعد الثورة مباشرة، تصدر شعار «يا قدس قادمون» منشورات الحزب وحملاته الدعائية منذ تاسيسه، وزينت فيه الساحات ورايات الحزب واماكن انتشاره ونفوذه، حتى بات جزءا لا يتجزأ من ايدلوجية المقاومة ضد إسرائيل، وحافزا لشحن النفوس، والتلطي وراءه لاستكمال مصادرة وتوظيف القضية الفلسطينية لصالح مشروع السيطرة الإيراني على المنطقة العربية.
اكثر من ذلك، تم تاسيس وحدة عسكرية خاصة، اطلق عليها تسمية فيلق القدس، ليكون الذراع العسكرية، لتنفيذ المشروع ميدانيا، من خلال تأسيس وتشغيل المليشيات الموالية لايران في الدول العربية، وحزب الله في مقدمتها، بينما لوحظ غياب اي تحرك عسكري او عمليات نوعية لحزب الله، بمستوى الحد الادنى من المهرجانات الخطابية، والتهديدات، لحماية القدس، او منع المستوطنين وقوات الاحتلال الإسرائيلي، من الاعتداءات المتواصلة على اهلها، وقضم ما تبقى من اراضيها، وتهجير المزيد من الفلسطينيين، بل زاد الوضع سوءا طوال السنوات الماضية، اكثر من قبل، دون حصول اي تحرك ايراني او من حزب الله تجاه ما يحصل.
بعد انغماس حزب الله بالقتال الى جانب المليشيات الحوثية الانقلابية ضد الشرعية اليمنية منذ سنوات، وتدريبها وتسليحها، وتوجيه السلاح الايراني لاستهداف أمن واستقرار، ومكونات اقتصاد المملكة العربية السعودية، ودولة الامارات العربية المتحدة، وتهديد الملاحة البحرية في الخليج، يظهر بوضوح ان الهدف الاستراتيجي لسلاح الحزب الايراني، لم يكن يوما باتجاه إسرائيل فعليا والقدس تحديدا، انطلاقا من شعار «يا قدس قادمون «الذي روج له الحزب والنظام الايراني، كذبا وزورا، لان طريق القدس، لا تمر بتدمير سوريا، والعراق واليمن، وبالطبع لبنان الذي يمعن فيه الحزب خرابا ممنهجا، بل هي اقصر من ذلك بكثير، في حين أن التستر بهذا الشعار، انما هو مجرد اسلوب ماكر، للعبور من خلاله لتحقيق الهدف الأساس للنظام الايراني، وهو الاعتداء على المملكة والامارات ودول الخليج العربي الشقيقة، وضرب امنها واستقرارها ومقوماتها الاقتصادية، حقدا وطمعا، ومحاولة الهيمنة عليها، وهذا بالطبع سيزيد من حدة التباعد والخصومة، وينعكس بالضرر على المنطقة كلها.