بعد طول صبر وتريّث وتحسّب، كسر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حاجز الخشية والتأني، فعزم وتوكّل على الضوء الأخضر “الشيعي”، لتوجيه دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد صباح الاثنين المقبل في قصر بعبدا للبحث في جدول أعمال من 56 بنداً لم يخرج أي منها عن “الجدولة” المشروطة التي حددها بيان “الثنائي” لأعمال المجلس، فجاء معظم بنوده بالخط الأحمر العريض تحت عنوان “مواضيع وظيفية ومعيشية وإدارية طارئة”، يتقدمها بند مشروع قانون الموازنة، وتليها سلسلة “موافقات على سبيل التسوية” عن القرارات الوزارية المتخذة طيلة فترة انقطاع مجلس الوزراء عن الالتئام.
ولم يغب التصويب على مسألة “الشلل” الحكومي في معرض التشخيص الديبلوماسي لعمق الأزمة اللبنانية وعقم السلطة الحاكمة عن استيلاد الحلول اللازمة لها، فكانت رسالة عميد السلك الديبلوماسي المعتمد في لبنان السفير البابوي المونسنيور جوزف سبيتري خلال لقاء الأمس مع رئيس الجمهورية ميشال عون، أقرب إلى “توبيخ” السلطات اللبنانية على التباطؤ والتلكؤ في “تنفيذ رزمة الإصلاحات التي ما انفك المجتمع الدولي يطالب بها”. وبينما كانت كلمة عون بمثابة استنساخ مكرر لعبارات إلقاء اللوم والفشل على الغير، نجح البطريرك الماروني بشارة الراعي أمس في وضع الإصبع على جوهر الأزمة وتلخيصها “بكلمتين” أمام وفد لجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية الفرنسية الذي زاره في بكركي، مشدداً بشديد الاختصار على أنّ “ما يحتاجه لبنان اليوم هو دولة قوية تنأى بنفسها عن أي صراعات إقليمية وخارجية”.
وكان لقاء بعبدا الديبلوماسي الأخير في ولاية عون، والذي طغى عليه الغياب السعودي والإماراتي والبحريني، شهد رسائل “في الصميم” عبّر عنها السفير البابوي، باسمه وباسم أعضاء السلك الديبلوماسي، أمام رئيس الجمهورية، أضاء فيها بشكل مركّز على تواطؤ السلطة اللبنانية وإمعانها في زيادة معاناة شعبها، متسائلاً: “من يمكنه أن ينسى تفجير مرفأ بيروت المأسوي نتيجة الإهمال الإجرامي؟ حتى أنّ بعض البعثات الديبلوماسية فقدت أفراداً من طواقمها أمثال زوجة السفير الهولندي ومستشار السفارة الألمانية، وكيف ننسى الضحايا الأبرياء الآخرين نتيجة الإنهيار الإقتصادي؟ وهل يمكننا أن نتجاهل المعاناة المعنوية والنفسية لأولئك الذين دفعوا تحت خط الفقر بسبب سوء الإدارة المالية وغياب المساءلة، وحتى بسبب فساد الكثيرين ممن هم في مواقع السلطة؟”.
أما في الجانب الدستوري من الأزمة، فلفتت الانتباه إشارة سبيتري إلى ضرورة احترام الحقوق باعتبارها معياراً أساسياً في “تحديد أخلاقية الممارسة اللبنانية للسلطة على كل المستويات”، منوهاً في المقابل بأنّ “السلطة ليست مجرد إمكانية فرض القوة على الآخرين”، داعياً في خلاصة رسالته إلى وجوب “أن يترفع المسؤولون كافة عن المصالح الطائفية لصالح تعزيز ثقافة الشفافية والمساءلة والعمل من أجل إنقاذ لبنان”.