Site icon IMLebanon

حين يتحوّل الفرحُ بالأبيض فزعاً منه!

جاء في “الراي الكويتية”:

نواطير الثلج في «بياع الخواتم» ما زالوا في أمكنتهم البيضاء، يحرسون الناصع على الجبال اللبنانية. و«ثلج ثلج» لفيروز، هي كل الالفة والدفء للناس الجالسين حول مواقدهم الشتوية، يتطلعون إلى الأبيض المترامي.

أي ثلجٍ لا يثير في الناس ابتسامة عريضة، وهم يلعبون بكراتهم ويتقاذفونها؟ وأي ثلج لا يثير حماسة المتزلجين وهواة المشي وهم يغرقون في الأبيض الناصع، والشمس تسطع عليه فتحوله سجادة من الألماس البراق ؟

منذ صغرهم واللبنانيون يقرأون عن بلدهم الذي تفصل بحره وثلوجه، دقائق، وعن الشتاء القارس والنفناف والضباب الذي يسبق العاصفة الثلجية.

من الضنية وغاباتها القابعة تحت أمتار الثلوج، إلى حرج إهدن الغارق في بياض ناصع يكلل رؤوس أشجاره ويحوّل أرضها جدراناً من الثلوج المرتفعة أمتاراً، إلى غابات الأرز التي تنوء تحت ثقل آلاف السنين والأبيض الذي يترامى على غصونها، إلى فاريا واللقلوق وحلبات التزلج، إلى عاليه وبحمدون وجبل الشيخ وأعالي البقاع وثلوج يناير المُنتظرة من سنة إلى أخرى.

لكل بلدة جبلية حكاية مع الثلج، ومع الناس الذين يجلسون حول المواقد، يشوون الكستناء ويأكلون الخبز المحمص على نارها المتوهجة ويغلون أوراق الكينا عليها، فتعبق رائحة الطب والكينا.

لا تشبه شتوية لبنان وثلوجه أي بلد آخر. حتى الذين يتعايشون مع ثلوج كندا وأوروبا، يشتاقون إلى ثلوج قراهم، لان لكل «ثلجة» طقوسها، ولكل بلدة حكايا مع الثلج والشتاء الممتد من ديسمبر الى مارس، كما لكل شهر قصة مختلفة عن العاصفة.

فأي بيتٍ لا توجد فيه صورة له رازحاً تحت الثلوج، ومحاطاً بأمتار منها أو برجال يجرفون عتبة المنزل، ويزيلون عن سقفه الثلوج، حتى لا ينهار تحت وطأتها.

كل ما في ثلوج لبنان ينْده بالفرح، بالرغبة في السير تحت شمس فبراير ومارس على بساطٍ ثلجي يمتد مساحات تكاد العين لا ترى أفقها، وشرب الثلوج في الأماكن النقية البعيدة عن الممرات ممزوجة مع الحامض أو ماء الورد.

هو الثلج الذي لا يكاد يُذكر حتى يرتسم الفرح على الوجوه، ينتظره اللبنانيون كموسمِ خيرٍ يكلل جبالهم ويخزّن ثرواتهم المائية حتى الربيع، في الينابيع الجوفية. وهو الثلج الذي يتحول في هذه الأيام العصيبة نقمةً بدلاً من النعمة.

حين تبدأ نشرات الأخبار في لبنان بأخبار الطقس، فهذا يعني ان الكارثة آتية لا محال. الكبار يضحكون في سرّهم حين يتحدث مذيعو الطقس عن العواصف ويطلقون عليها أسماء، فيما هم معتادون عليها، ينتظرون العاصفة والثلوج سنوياً.

حتى «الشومينيه» لم تستطع أن تحل محل وجاق الحطب أو المازوت في ليالي السهر الطويل. لكن في ظل الحالة المأسوية التي يعيشها اللبنانيون، صارت العاصفة الثلجية «مخيفة» وتنذر بالأسوأ.