جاء في “العرب” اللندنية:
لا يزال النهج الذي يسلكه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حيال لبنان محط انتقادات واسعة، خاصة أن البلاد تخضع فعليا لسيطرة حزب الله الموالي لإيران.
ومع ذلك، يرى خبراء أن الجهود التي بذلها ماكرون في محاولة لمساعدة اللبنانيين على تجاوز محنتهم في ظل الانهيار الاقتصادي الذي يعصف ببلادهم، هي الحل الأفضل لإضعاف حزب الله مع عدم الإضرار باللبنانيين، الذين سيساوي التخلي عنهم، وفق هؤلاء، تسليم البلاد لإيران.
وكان ماكرون قد دفع بمساع مكثفة للتأثير في النتائج السياسية في لبنان، وكان ذلك جليا عقب الانفجار الذي هز مرفأ بيروت في آب من العام 2020، ثم في سياق العملية الرامية إلى تشكيل حكومة في وقت سابق، وأخيرا حين سعى إلى إقناع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بضرورة إعادة تفعيل التعاون بين المملكة ولبنان.
لكن الجهود المذكورة لا تحقق الإجماع خارجيا، خاصة في ظل هيمنة حزب الله على السياسة اللبنانية وهو الموالي لإيران، غير أن ماكرون لم يكترث للآراء القائلة بضرورة وقف التدخلات كسبيل لتحجيم نفوذ الحزب.
وتعد فرنسا من البلدان القليلة خارجيا التي أبقت على قنوات تواصل مفتوحة مع حزب الله، رغم الانتقادات التي تتعرض إليها.
ورأى مايكل يونغ في دراسة لمركز كارنيغي أن “ماكرون أخطأ العام الماضي حين ظن أن النخبة السياسية اللبنانية ستدعم مبادرته الداعية إلى إجراء إصلاحات اقتصادية وتشكيل حكومة تسعى إلى تنفيذ ذلك. لكن هذا الأمر لا يجب أن يلهينا عن واقع أن لبنان محظوظ بأنه لا يزال يحظى ببعض الاهتمام الفرنسي، لأن لا أحد إطلاقا يعتبر البلاد أولوية في الوقت الراهن. إن الاهتمام الفرنسي ضروري إذا في وقت يرزح اللبنانيون تحت وطأة أزمة مالية واقتصادية تاريخية”.
وفي مواجهة الأطروحات القائلة بأنه يجب وقف دعم لبنان في ظل هيمنة حزب الله عليه، يقترح مراقبون دعم الأطراف الفاعلة داخل هذا البلد والخارجة عن سيطرة الحزب، على غرار الجيش والقضاء مثل القاضي طارق بيطار الذي يحقق في الحادثة المأساوية لانفجار مرفأ بيروت، وهي حادثة راح ضحيتها ست أشخاص وجُرح العشرات واتجهت أصابع الاتهام لحزب الله.
وأضاف يونغ أن “الأمر المفاجئ في لغة المتشدّدين الذين ينتقدون سياسة ماكرون في لبنان أنه أُحادي البعد للغاية، ومجرّد من أي تفكير استراتيجي، أو اعتراف بأن كل ما تفعله طروحاتهم هو تعزيز مصالح حزب الله وإيران. النبأ السار الوحيد أن وجهات نظرهم لم ترسم بعدُ معالم السياسات العامة.
لكن هذا الواقع يمكن أن يتغير سريعا، ولاسيما في الولايات المتحدة، حيث يمارس هؤلاء المتشدّدون تأثيرا كبيرا على الجناح المحافظ من الحزب الجمهوري، ودائما ما يكرّرون اللازمة نفسها: فلنضرب بقوة الآن، ونقلق بشأن العواقب لاحقا”.
وفشل إلى حد الآن حزب الله في منع القاضي بيطار من مواصلة التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، فيما بدا واضحا من خلال الاشتباكات التي شهدتها عين الرمانة في تشرين الاول الماضي.
وقال يونغ إنه “مع أن حزب الله يمارس تأثيرا كبيرا على الشؤون الوطنية في لبنان وعلى الدولة اللبنانية، فإنه يواجه أيضا بانتظام معارضة مذهبية ويصطدم بالمصالح المؤسساتية، ما يسهم في إضعاف هذا الطرح. ثمة مثلان حديثان يظهران ذلك، الأول هو فشل المحاولات التي بذلها حزب الله لأشهر عدة في وقف تحقيق القاضي طارق بيطار بشأن انفجار مرفأ بيروت، والسبب هو أن المسيحيين، ومن ضمنهم عائلات الكثير من الضحايا، كانوا سيستنكرون ذلك، نظرا إلى أن معظم القتلى والجرحى كانوا من الطائفة المسيحية. في غضون ذلك، قاوم القضاة محاولات عرقلة تحقيق بيطار من داخل الجسم القضائي، ما شكّل لحظة نادرة نجح فيها القضاء في صدّ التدخلات السياسية”.
وحاول حزب الله بشتى السبل عزل القاضي بيطار، حتى وصل به الأمر إلى مقاطعة الحكومة إلى جانب حليفته الشيعية حركة أمل، قبل عودتهما مؤخرا.
وقالت الجماعتان في بيان السبت الماضي إنهما ستنهيان مقاطعة جلسات مجلس الوزراء، ممهدتين الطريق أمام اجتماع الوزراء، بعد توقف استمر ثلاثة أشهر وشهد تدهور الاقتصاد والعملة بشكل أكبر.
وقالت الجماعتان إن قرارهما بالعودة إلى جلسات مجلس الوزراء “يهدف إلى الموافقة على ميزانية 2022 ومناقشة خطة الانتعاش الاقتصادي”. وتدعم الجماعتان عدة وزراء في حكومة مؤلفة من أعضاء من مختلف الأطياف السياسية.
ولا يبدو ماكرون سيتخلى عن لبنان في المستقبل القريب، حيث بذل جهودا حثيثة في وقت سابق من العام الماضي لإعادة تفعيل التعاون بينه وبين المملكة العربية السعودية، بعد الأزمة التي أثارتها تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي المسيئة للرياض.