جاء في “العرب” اللندنية:
ينتظر اللبنانيون من مختلف الحساسيات السياسية وخاصة المكون السني كلمة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري مساء الاثنين التي سيعلن خلالها عن موقفه من الانتخابات النيابية اللبنانية، فيما تتداول أوساط مقربة من الحريري أن الأخير سيعلن المقاطعة الشاملة للانتخابات وهو سيناريو يفتح أبواب تأجيلها.
وتقول دوائر سياسية لبنانية إن إعلان الحريري المقاطعة الشاملة للانتخابات (عدم الاقتصار على شخصه وإنما على تيار المستقبل برمته) معطى يؤثر على الخصوم السياسيين بقدر ما يربك تياره السياسي نفسه.
ورغم إقرار هذه الدوائر أن الحريري حسم أمره لجهة عدم المشاركة في الانتخابات، عندما قال في دردشة مع الصحافيين “بعض المرات لازم الواحد يخطي خطوة إلى الوراء ليرجع يتقدم إلى الأمام”، إلا أن سيناريو العدول عن ذلك لا يزال قائما إلى اللحظات الأخيرة قبل الكلمة المرتقبة في ظل وجود مساع يقودها رئيس الحزب الاشتراكي التقدمي وليد جنبلاط لثني الحريري ودفعه إلى مراجعة قراره.
ولا يحبذ جنبلاط، بحسب ما يُنقل عنه، خروج الحريري ويعتبر ذلك، إن حصل خطأ كبيرا، إذ يسعى رئيس الحزب الاشتراكي إلى إحياء تحالف 14 آذار مع تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية.
ولم تتوقف الاتصالات مع الحريري منذ عودته إلى لبنان في مسعى إلى ثنيه عن مقاطعة الانتخابات، إذ أن الحريري وتياره يشكلان ركنا سياسيا أساسيا وغيابهما عن المسرح الانتخابي قد تترتب عليه مخاطر، أقلّها خلق خلل في التوازن الداخلي وفراغ سياسي لا يمكن التكهن بتداعياته على مستقبل لبنان.
وقدّم الحريري قبل أيام عرضا للمشهد السياسي بصورة عامة، متوقفا عند الآثار الكارثية التي حلّت بالوضع الاقتصادي والمالي، وجراء السياسات التي اتبعها العهد الحالي، وصولا إلى الاستحقاق الانتخابي.
وكشفت مصادر لبنانية مقربة من كتلة تيار المستقبل أن الحريري أكد للمجتمعين بشكل واضح وصريح، أنه قرر عدم المشاركة نهائيا في الانتخابات لا هو شخصيا، ولا تياره السياسي.
وأشارت ذات المصادر إلى أن بعض نواب الكتلة أعربوا عن رفضهم لهذا القرار، إن كان سيُتّخذ، وبعضهم الآخر عبروا عن مخاوفهم منه، وأصروا على ضرورة بقاء الرئيس الحريري في هذا الاستحقاق.
وصارح الحريري الحاضرين في الاجتماع بأنّ “تيار المستقبل لن يقدم أي مرشح لهذه الانتخابات، ولن يتبنّى أي مرشح”. وسمع أعضاء كتلته منه أنه “حتى ولو أراد ممن هم أعضاء حاليا في الكتلة، أو ينتمون إلى تيار المستقبل، أن يترشحوا للانتخابات، فإن ترشيحهم على مسؤوليّتهم ويكون باسمهم الشخصي وليس باسم التيار”.
ورفض غالبية نواب كتلة المستقبل قرار الانسحاب بالكامل من المشهد. ووحده النائب سمير الجسر كان خارج السرب، أما الآخرون فقد أصابتهم حال من الذهول والصدمة والاستياء الكبير من “تغليب الحريري مصلحته الشخصية على مصلحة التيار ككل”.
وأكد أكثر من نائب في الكتلة للحريري أن “قراره بعدم الترشح أو تبنّي لوائح غير منطقي أو مقبول. لا بل هو قرار مُجحف وستكون له تداعيات كبيرة على الجمهور وعلى الطائفة وعلينا”.
مقاطعة تيار المستقبل الشاملة تعني إبعاد طائفة أساسية عن المشهد السياسي، الأمر الذي ستكون له تداعيات كبيرة على الاستحقاقات المقبلة
ولا تقتصر حالة الإرباك على تيار المستقبل وحده، نظرا إلى أن العديد من القوى السياسية تعتبر أن غياب الحريري عن المشهد، لاسيما إذا كان ذلك على نحو شامل، من المفترض أن يدفعها إلى إعادة حساباتها الانتخابية بشكل كامل، خصوصا حزب القوات والحزب الاشتراكي نظرا إلى أن الحزبين بحاجة إلى أصوات جمهور الحريري في معاركهما الانتخابية في العديد من الدوائر، بينما لدى البعض في قوى الثامن من آذار مخاوف جدية من إمكانية أن يكون خلف أي مقاطعة سنية شاملة رغبة في أخذ البلاد نحو الفوضى.
ولا تخفي جهات سياسية لبنانية أن يقود مثل هذا السيناريو إلى تأجيل الاستحقاق الانتخابي، لاسيما أن أحدا في هذه المرحلة الحساسة، لا يحتمل تكرار سيناريو مقاطعة الأحزاب المسيحية الانتخابات النيابية في العام 1992.
وتعني مقاطعة تيار المستقبل الشاملة إبعاد طائفة أساسية عن المشهد السياسي، الأمر الذي ستكون له تداعيات كبيرة على الاستحقاقات المقبلة، كتشكيل الحكومة التي ستلي الاستحقاق الانتخابي في آذار القادم.
وترى حركة أمل بقيادة نبيه بري، خصم تيار المستقبل السياسي، ضرورة في بقاء الحريري على حضوره الفاعل في المسرح السياسي، وبالتالي مشاركته المباشرة بشخصه وتياره في الانتخابات النيابية.
ودخل بري، عبر معاونه السياسي النائب علي حسن خليل، في محادثات مع الحريري لإقناعه بضرورة استمراره، قطعا للطريق على أي تداعيات يمكن أن تنشأ عن عزوفه عن ترشيح نفسه للانتخابات.
وقال بري في الأيام القليلة الماضية إنّ “أي انكفاء سواء من الحريري أو من تيار المستقبل عن المشاركة في الانتخابات قد تكون له تداعيات على خارطة البرلمان المقبل”.