IMLebanon

الحريري يُنهي الشراكة مع “الحزب” إلى غير رجعة!

جاء في “اللواء”:

ليس حدثاً عادياً أن يعلن اليوم رئيس حكومة لبنان السابق لثلاث مرات أو يزيد، ورئيس واحد من أكبر التيارات السياسية والحزبية في البلد، وهو تيّار «المستقبل»، ورئيس ثاني أكبر كتلة نيابية في المجلس النيابي، المنتخب على أساس القانون النسبي و«الصوت التفضيلي»، والذي جاء استجابة لمطلب مسيحي وماروني بإعادة التوازن إلى المؤسسات، وحتى لا يستمر المسلمون بانتخاب النواب المسيحيين، على الرغم من المناصفة في البرلمان بين مسيحيين ومسلمين، مع أرجحية مارونية (35 نائباً) في حين أن النواب الشيعة 27 والنواب السنّة 27 أيضاً، ليس حدثاً عادياً أن يعلن سعد الحريري الرئيس، والنائب، والقطب السياسي، والشخصية الأكثر تأثيراً في الوسط الإسلامي السنّي، عزوفه عن الترشح للإنتخابات النيابية المقبلة في أيار، أي بعد ثلاثة أشهر ونيّف.

ومن المؤكّد، وفقاً للمعطيات والمعلومات أن خطوة الرجل، ليست مناورة، أو ابتزازاً، أو استدراج عروض، وإنما تأتي في سياق سيرورة سياسية بالغة التعقيد، في ظروف مرَّ فيها لبنان، ولا يزال يمر بأقسى المراحل والصعوبات منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري (والد الرئيس الحريري)، وما ترتَّب عليه من ارتجاجات في الداخل، وانزياحات في العلاقات والتحالفات داخل الصف العربي وخارجه، والانقسام الكبير بين العرب لا سيما عرب الاعتدال (الخليج تحديداً+ مصر) وإيران، الجمهورية الإسلامية، صاحبة التفكير الامبراطوري، والعمل السياسي والحزبي والعسكري في بنية العرب وعلى أرضهم، المجدبة والخصبة على حدّ سواء..

لم يكن حدثاً عادياً أن يتجاوز لبنان قطوعات الاغتيال ومحطاته اللاهبة، فإذا جاءت انتخابات 2005، وتكوَّن الحلف الرباعي بين قوى 14 آذار والثنائي «أمل- حزب الله»، برعاية فرنسية – إيرانية، وغطاء عربي أو حتى شراكة، أيقن الجمع من بيت الوسط إلى ساحات الحرية ورياض الصلح، وحارة حريك، بما في ذلك رابية ميشال عون، العائد، لتوِّه من المنفى الباريسي في دورة تاريخية اكتملت مفاصلها أو أحد مفاصلها في وصوله إلى بعبدا رئيساً للجمهورية، التي قيل حين غادرها، أنه لن يكون هناك قصر جمهورية بعد اليوم!!

حافظ سعر الصرف على قيمته، ولم يتزحزح الدولار عن الـ1500  ليرة، ولم تخرج الرعاية العربية عن احتضانها للبلد الواقع تحت تأثيرات زلازل المنطقة..

ودار الزمن دورة 16 عاماً، حفلت بجملة من المتغيّرات، بدءاً من أحداث 17ت1 (2019)، وتمثلت أوّل ما تمثلت باستقالة حكومة الرئيس الحريري، إذ قوبلت هذه الاستقالة برفض مضمر ومعلن من تحالف «تفاهم مارمخايل» الذي يقترب من شفير الانهيار، ومن نبيه برّي، بصفاته المتعددة وعلاقاته التاريخية مع عائلة آل الحريري، وواحد من داعمي تجربتها السياسية، ومع موقع الشراكة بالتأكيد.

استحضر برّي، ذات مساء، لبن العصفور، ليقدمه للحريري عندما اعتذر عن تأليف الحكومة.. (كانت تجربة الرئيس سعد الحريري، بالغة القسوة والخيبة، كما يكشف تباعاً، أو في قراءة موضوعية ومحايدة للتجربة السياسية في مسيرة الحريرية، عندما ألبس عباءة الزعامة، بديلاً عن والده الشهيد، متجاوزاً اعتبار السن، بالالتقاء على إبعاد شقيقه الأكبر عن المسرح، الذي يتطلع إلى الدنو منه منذ أشهر معلنة..

والحريري، الذي يتكلم عند الرابعة من بعد ظهر اليوم، بعد جولة لقاءات، استثنى منها خصميه السياسيين: التيار الوطني الحر، وحزب الله، وحليفه                «الغادر» سمير جعجع، معرضاً إلى غير رجعة عن حركة ما كان يسمى 14 آذار، بأشخاصها وأفعالها.. ربما يكشف بعضاً من المستور، وربما ارتأى تأخير ذلك، لكن المعطيات الثابتة، ترشح أن الخطوة الحريرية، ليست دعسة ناقصة، في مسيرة شاب، أتى إلى السياسة، من غير رغبة، وحمل عبئاً هائلاً بلا تجربة، وبعمر ما كاد فيه أن ينضج من الناحية السياسية، أو التجربة الضرورية، بما في ذلك الإعداد..

إلَّا أن وضع الخطوة في سياقها التاريخي، القريب وليس البعيد، من شأنه أن يجعل المراقب أكثر قدرة، على التباس المسار السياسي للبنان، قبل كلمة الحريري وبعدها..

1- خرج الرئيس الحريري من رئاسة الحكومة، معلناً استنكافه عن تأليف الحكومة التي عاد وشكلها الرئيس نجيب ميقاتي، الذي حظي بدعم منه، بوصفه مرشّح نادي «رؤساء الحكومات السابقين».. وشكل هذا الخروج افتراقاً عن بعبدا، وعن جبران باسيل، وعن التجربة الكارثية، التي على الرغم من التسهيلات، والتضحيات، والتنازلات التي قدمها لهذا الفريق، فإن النتائج جاءت مخيبة على كل صعيد..

2 – اليوم، سيعلن الحريري الابن جهاراً هذا الإفتراق، الذي لم يكن خياراً إلَّا في ضوء التجربة المرعبة لهذا الرجل، مع فريق اشتهر، من وجهة نظره بالإنقلاب على التفاهمات، وعدم احترام أيِّ من الاتفاقيات، والسعي إلى الطعن بالظهر، ولو من موقع التحالف والشراكة، وما شابهها من اكاذيب وتخرصات وتدليسات..

3 – ربما، لن يعلن الرئيس الحريري، الذي يغادر اليوم موقعاً ممتازاً كان احتله لسنوات، شاغلاً فارغاً قاتلاً خلفه والده، ما يخص جمهوره، ومحبيه، وداعمي مسيرته، لكن الخطوة التي يعلن عنها اليوم، ويرجح ان تكون عدم الترشح للانتخابات النيابية مقدّمة لخطوات تلي من الجمهور، والكتلة، ورؤساء الحكومات معلنة أن لا شرعية لأية انتخابات تجري في ظل اقتراب هذا الفريق من وصفه «السلاح غير الشرعي» أو «الاحتلال الايراني».

4 – من المتوقع، ان يُشكّل قرار رئيس تيّار «المستقبل»، وهو لا يستقيل من رئاسته، بداية مواجهة من نوع  جديد، مع حزب الله وشركائه وحلفائه، في مرحلة فرز تاريخي غير مسبوق بين مشاريع الهيمنة أو السيطرة على مقدرات الشرق الأوسط، بعربه وعجمه (فرس وأتراك) والغرباء عنه (اسرائيل).

إن خطوة الحريري اليوم، تتعدّى «ربط النزاع» إلى إعلان الحرب السياسية، والعزم على فك «الشراكة» من موقعه مع تحالف مارمخايل، الذي يبحث بدوره عن مداميك تدعمه..

ولخطوة العزوف عن خوض الانتخابات بقية تتمة، تؤسس لمسار جديد، لا تكون فيه الانتخابات خطوة نحو العبور إلى التغيير، بل محطة لإعادة بناء الخيارات وفقاً لاقتناعات متبدّلة..

عام 1992، حدثت المقاطعة المسيحية لأول مجلس يُنتخب بعد الطائف.. لَمَّ رفيق الحريري الشمل، وغطى الاختلال  في التوازن الاسلامي – المسيحي.

السؤال اليوم: من يغطي مقاطعة السنَّة للإنتخابات، إذا حصلت.. وبأي أثمان أو خيارات أو بدائل؟!