كتبت ريتا بولس شهوان في “نداء الوطن”:
لم تعد عبارة «كسروان حزبيّة مع الإقطاع وعائليّة مع الأحزاب» صالحة لهذه الدّورة الانتخابيّة البلديّة. فالأزمة الاقتصاديّة وتداعياتها المعيشيّة قرّبت النّاس، حتّى تلاشت الحواجز، بعد أن كسرت الثّورة الجليد. ارتاحت المجالس البلديّة بعد كلام وزير الدّاخليّة والبلديّات بسام مولوي على احتمال تأجيل الانتخابات البلديّة. فالبلديّة الّتي كانت تعيش على «حجّة» الثّورة لتتوقّف عن أعمالها، أصبحت اليوم تتذرَّع بالانتخابات النيابيّة لتستمرّ في كسلها، باستثناء استمرارها في تسيير المعاملات.
ففي ذوق مكايل، يرفض، بعض المصادر المقرّبة من التّيّار الوطنيّ الحرّ، مبدأَ نجاح الرّئيس المحسوب على القوّات اللّبنانيّة إيلي بعينو في تجنيب البلديّة نزاعاً داخلياً، فيفصل بين شخصيّته الفرديّة وحزبه على الرّغم من أنَّ غالبيَّة الأعضاء من حصّته، ويُدقّق في لفظة «استمراريّة» عند ربطها بنهاد نوفل رافضاً أن تكون النّشاطات البلديَّة ديمومة لاسم نوفل. ولذلك فإنَّ غلبة الأسماء الشخصيَّة على التّوجّه السياسيّ مخرجٌ لدرء صراعات داخليّة في المجالس التي تريد إكمال ما تبقّى من أيّامها على خير، بمعنى ألّا تسقط البلديات و»تفرط» حباتها.
يتكرَّر السّيناريو في كفرذبيان حفاظاً على الرّوابط ما بين أبناء الضّيعة، كما يؤكّد أعضاء مجلسها البلديّ الذين يبحثون عن بسط هذا التّآخي خارج البلدة، حتّى وإن خرج أحد المخاتير عن أجندة البلديّة في التّواصل مع الإعلام. هناك، في الأعالي لا يمكن تركيب لائحة تتضمّن القوّات والتّيّار والكتائب ومقرَّبين من النائب فريد الخازن؛ لذا يأملون، في هذه المرحلة، الاستمرار في العمل لتخطّي الأزمات متمسّكين بالجوّ العام الذي يوحي بأن لا انتخابات بلدية قبل النيابيّة.
وعلى الساحل في جونية، تنقسم المسألة في عمق البلديّة الى قسمين: قسم محسوب على التّيّار الوطنيّ الحرّ الذي يريد أن «يصفّق» لجوان حبيش الرئيس الذي كان قد جمع في لائحته: الحرّ، الكتائب، وشامل روكز راميا بذلك طابةَ الفشل (إن حصل) في ملعب الظروف، وقسم يبرّر كسله بأنّ حبيش هو «اللّاعب الأوحد»، ولكن من دون أن يعني ذلك تغيير حبيش كونه من العائلات التّقليديّة. وهذا إن دلَّ على شيء، فيدلّ على أنَّ الأحزاب تعتمد نظريّة «كلّ واحد يتحمّل مسؤوليّة نفسه» مع علمها بأنّها بحاجة إلى كلّ أصوات العائلات، مهما كان تاريخها.
وعلى هذا الإيقاع، تُنسَج العلاقات بين الطامحين لدخول الشّأن العامّ، وذلك عبر النّوادي الرّياضيّة، ورئاسة وقف الكنيسة، والمشاركة في نشاطات الرعيّة. فالتخوّف على «العلاقات الاجتماعيّة» قائمٌ في حال تشنّج التيار بسبب الحملة ضدّه كما يكرّر محيطه. ويشي بعض المعطيات بسعي شبابٍ من صلب وجهاء جونية، يسمّيهم التّيّار الحرّ «الإقطاع»، إلى دخول العمل البلديّ؛ إذ إنَّ رشيد الخازن، شقيق النّائب فريد هيكل الخازن، يكوّن برنامجه القائم على أفكار شبابيّة محتفظًا بأصدقاء شقيقه أعضاءً أو رؤساءَ في لوائح العائلة كزياد الشّلفون في غوسطا، ويحاول أن يتحالف مع فيصل أفرام (رئيس إحدى الشّركات، وشقيق النّائب المستقيل نعمت افرام) ضمن مشروع وطن الإنسان، في ظل نظام إدارة جديدة في بلديّة جونية، غير أنَّ مسألة التّحالف غير مؤكّدة بعد. فـ»الجديد» في هذا الموضوع هو أنَّها فكرة منبثقة من أن لا أفرام (الأخ) دخل معترك الشّأن العامّ من قبل، ولا رشيد إلّا من خلال علاقاته العامّة وإدارته شركةَ «إلكا»، وهو الّذي أعاد نفضها، بعد أن تعثَّرت بعد موت والده هيكل، وشنّ حملة على العائلة لا أسس واقعيّة لها، لكون الشّركة لها مصالح متعلّقة بالبناء والتّرابة. وتأتي حيثيّة الاثنين من العائلة والارتباطات الحزبيّة والدّينيّة في المنطقة؛ فلا الخازن يملك جمعيّات أهليّة، أو يدعم نوادياً، ولا أفرام منخرط في نشاطات عائلته.
الكتائب: لا علاقة للانتخابات البلديَّة بالنّيابة
الفصل التّامّ بين الانتخابات البلديّة والنيابيّة أمر حتميّ، وفق رؤية رئيس إقليم كسروان الكتائبي سليم الصّايغ؛ إذ يرى أنَّ الأولى ترتبط بالخيارات التّنمويّة – السّياسيّة، والثّانية سياسيّة، فاتحاً الباب أمام أيّ اسمٍ «لدراسة ملفّه»، أكان منتمياً إلى جذورٍ عائليَّةٍ متوارثةٍ أم كان عضواً قديمًا في الحزب. وتشير المعلومات غير الرّسميّة إلى أنَّ هذا التَّحالف مع مشروع وطن الإنسان سينعكس بلديّاً. ولكن، ماذا عن جوان حبيش في جونية؟ يُشير الصّايغ إلى أنَّ مرحلة تقييم التَّجارب السّابقة لم تبدأ بعد. وقد يكون جوابه هذا دبلوماسيّاً أو كي لا يخسر صداقة الرّجل، إلّا أنَّه يقرّ بأنَّ الآمال كانت أكبر ممّا تحقّق معيداً السَّبب إلى محاربة التّيّار الوطنيّ الحرّ نفسه وصراعاته الدّاخليّة على صعيد الدّولة ككل، وإلى «التسكير» على مشاريع بعض البلديّات في كسروان، وعلى الرّئيس الحاليّ لبلديَّة جونية حبيش من قبل بعبدا؛ إذ إنَّ دورة البلديّات ممسَكَة من جبران باسيل، وتبدأ من وزارة الأشغال إلى وزارة الماليّة وغيرها من الوزارات. وينكفئ حزب الكتائب عن العمل البلديّ في القرى الوسطى والصّغرى، على حدّ توصيف الصّايغ، إلّا في المدن كجونية، ولكن من دون أن يحسم مسألة «الأسماء» بعد.
ويرجو الصّايغ أن يُعلَن جهاراً عن السبب الذي منع رؤساء البلديّات في كسروان من أن ينفّذوا ما تعهّدوا به، متجنّباً التّطرّق إلى سؤال مفاده: لمَ أنتم لم تفعلوا، ولا حتّى شجّعتم على إنشاء نادٍ ثقافيّ واحد؟ وبذلك تكون جونية و 18 ألف ناخب هم من دفع الثّمن. وبالنّتيجة، أصبح مشروعاً أن يُسأَل: ماذا استفادت جونية؟ وكيف تحقّق النموّ مقارنة ببلديّات أخرى في مناطق متعدّدة على صعيد لبنان.
سألت «نداء الوطن» زملاء الكتائب في جبهة المعارضة عن احتمال «نشاطهم» البلديّ في عاصمة كسروان، والمنطقة ككلّ، فأكَّدت مصادر الكتلة الوطنيَّة أنّها موجودة في كسروان على شكل صداقات، مرجّحةً عدم خوض الانتخابات البلديّة. وكذلك الأمر لدى حزب سبعة ما عدا جوزفين زغيب المرشَّحة عن الثّورة بوصفها مستقلّةً، وهي عضو حاليّاً في بلديّة كفرذبيان.
روكز: إنجازات الدّولة ليست حكرًا على التّيّار
أن يرى بعض نوّاب التّيّار الوطنيّ الحرّ في كسروان أنَّ إنشاء طرقات بين البلديّات إنجازات لهم، كما يصرّحون في الإعلام، إنّما هو مفهوم خاطئ بالنّسبة إلى النّائب شامل روكز. إذ إنَّ عمل النّائب إنمائيّ على حدّ تعبيره، وإن أنجزت الدّولة مشروعاً فهذا فلا يعني أنَّ الحزب الذي يمثّله النّائب هو من حقَّقه. ويؤكّد روكز أنَّه يجب ألَّا تتصرّف الوزارات كأنَّها محسوبة على حزب معيّن، بل يجب على الدّولة اللبنانيَّة أن تضع سياسة عامّة لكلّ وزارة، فيمكن بذلك تقييم عمل العهد، نجاحه أو فشله بتحقيق الإنماء المتوازن، وهذا ما لم يحصل.
وبنظر روكز، البلديَّة هي العنوان الأساسيّ لمفهوم اللّامركزيّة، وهو يُصرّ على المضيّ قدماً بحياته السياسيّة داعماً في انتخابات البلديّات في كسروان الأكفياء، وصاحب المشروع الحقيقيّ الّذي يلبّي حاجات المنطقة. وفي التّفاصيل، لم يقع الاختيار على أيّ اسم بعد، ولكن بالنّسبة إليه عندما تحين ساعة الانتخابات تتَّضح الرّؤية في كلّ القرى وفي مدينة جونية. ولذا، فمسألة دعم الرّئيس جوان حبيش الَّذي ناصره في وقت سابق غير متداولة بعد، ولكنَّه منفتح على كلّ الأطراف الأخرى وخصوصًا «العائلات».
التّيّار الوطنيّ الحرّ والقوّات: مطلّق ومعلّق
أولويّة صفوف التيار الوطني الحرّ هي الانتخابات النّيابيَّة الَّتي ستحدّد المرحلة القادمة بعدها من ناحية التّحالفات، وحتّى السّاعة في البلديّات، فهو يعتمد على الأسماء الّتي كانت متداولة في الانتخابات البلديّة في كسروان، مع الاحتفاظ بحبيش الذي يركّز على حاضره، كما أكّد في اتّصال مع «نداء الوطن». يمضي التّيّار الحرّ في «اللّعبة» حزبيًّا عبر مواقع الثّقل فيه، على حدّ تعبير المصادر التي سألت: «ماذا سيُفيد شامل جوان حبيش في نسخة 2022؟»، إذ تحسب قيادات الحرّ أنَّ التَّيّار هو من صَنع الرّجل.
وأكّد بعض الوجوه البلديّة – الَّتي تُحسَب على الحرّ والّتي نجحت إثر التّحالف مع القوّات اللّبنانيّة أنَّه لن يُكرّر التّجربة البلدية من أساسها، ليس بسبب التّحالف، بل لأنَّ العمل البلديّ متعب و»بسوّد الوجّ» مع كلّ أهالي الضّيعة، وهذا نموذج متنقّل في كسروان بين مختلف الأطراف، حتى لو تناقضت. كما في الجبال كذلك في السّاحل، ثمّة أعضاء واثقون بأنّهم عائدون وآخرون «متحفّظون» كلاميًّا للحفاظ على «شعرة معاوية» بين أبناء البلدة الّتي يمكن مصالح المتعهّدين، والالتزامات، في ظلّ غياب قانون الشّراء العامّ، أن تحوّل حتّى السكن في المنطقة جحيماً، على حد تعبير أحد أعضاء بلديّة في كسروان.
فمعنويات مصادر القوّات اللّبنانيّة في كسروان مرتفعة؛ ففي بعض البلديّات الكسروانيَّة سيكون هناك دعم لخيارات أبناء الضّيعة المفروزين في مجموعات. والقوات اللّبنانيّة ناشطة كسروانيا على الصّعيد البلديّ، وهذا أمر نادر في الأحزاب التي «تنيّم» خلاياها، وتتركها من دون تدريب إلّا من هرب من «براثنها» إلى المجتمع المدنيّ. وتؤكّد مصادر القوّات «أن لا قرار حزبيًّا لإعادة أو عدم إعادة أيّ تجربة مع الحرّ»، تاركةً بذلك الخيار لأبناء القرى أنفسهم.
ولكنَّ الإيجابيَّة في الخطاب، وتمنّي بعض أبناء المنطقة الحفاظ على الرّوابط العائليّة، يقابلها إصرار الحرّ على خوض المعركة بشدّ العصب الحزبيّ، ليكرّر بذلك مشهد التّيّار في وجه كلّ العائلات.