كتب حسين زلغوط في “اللواء”:
«اعملو إصلاحات، وخذوا مصاري» هي عبارة دأب كل أعضاء فريق صندوق النقد الدولي الموكل إليه التفاوض مع الحكومة اللبنانية، على تردادها في كل لقاء أو مناسبة على آذان المسؤولين اللبنانيين، الذين يغدقون بدورهم على أعضاء الفريق اللبناني الكثير من الوعود والاستعداد، وهم يعلمون في قرارة أنفسهم أن رحلة التفاوض هذه ستكون وعرة ومتعبة، كون ان ما يطالب به صندوق النقد، لا قدرة للبنان واللبنانيين على تحمله أو الايفاء به، ولذا فإنهم يختارون في عملية الأخذ والرد الذهاب باتجاه المناورات واللف والدوران على قاعدة «العين بصيرة واليد قصيرة».
لكن سياسة الهروب الدائم، واستخدام الحجج الواهية من قبل المسؤولين اللبنانيين يبدو انها لم تعد تنطلي على أحد، لا في صندوق النقد، ولا لدى الدول المانحة، ولا عند المجتمع الدولي الذي يرفض تقديم أي «فلس» للدولة اللبنانية، ما لم يقترن ذلك بعملية إصلاحية يريد هؤلاء تلمسها قبل الشروع في مد يد العون للبنان الذي ينزلق يومياً في اتجاه المجهول.
وقد حددت المتحدثة باسم الصندوق بالتزامن مع انطلاق عملية التفاوض أمس الأوّل مع الحكومة اللبنانية بشأن برنامج التعافي الاقتصادي العنوان العريض للاصلاحات المطلوبة، بحيث أكدت على وجوب أن تعيد الإصلاحات التي على الحكومة اللبنانية الولوج في وضعها استقرار الاقتصاد الكلي، والقدرة على تحمل الديون، والعودة إلى نمو مرتفع وأكثر شمولاً على المدى المتوسط، مع تعزيز شبكة الامان الاجتماعي لدعم الفئات الضعيفة.
هذا الموقف للمتحدثة باسم الصندوق، يُؤكّد بما لا يدعو إلى أدنى شك، أن عملية التفاوض في ظل مطالب الصندوق لن تكون مزروعة بالورود، لا بل انها تشي بأن هذه المفاوضات ستكون معقدة جداً، وربما تستغرق وقتاً طويلاً لا يمكن تحديده بأيام وأسابيع، لا بل بأشهر، كون أن المناخات السياسية الموجودة في البلاد، ناهيك عن العامل الإقليمي والدولي يجعل الحكومة مقيدة باعتبارات عديدة تجعلها قاصرة في بعض الجوانب عن الإجابة على أكثر من سؤال لفريق الصندوق المفاوض، وهو ما يجعل عملية التفاوض التي بدأت أمس الأوّل تنطلق في ظروف ضبابية تجعل من الصعب على أي مراقب التكهن بما ستؤول إليه من نتائج.
وفي دلالة واضحة على تخبط الحكومة حيال ما يطلب منها وما هي قادرة على تنفيذه لنيل مساعدة صندوق النقد، هو مشروع قانون الموازنة الذي شرعت الحكومة في مناقشـته، حيث جاء هذا المشروع وفق محللين اقتصاديين خال من أي رؤية اقتصادية، في ظل غياب تام للانفاق الاستثماري والاجتماعي، كما انها جاءت معاكسة لما يُمكن أن تكون عليه من التعاطي مع شعب متهالك بلغت نسبة الفقر فيه ما يقارب السبعين بالمائة، وهو غير قادر على الايفاء بما هو مطلوب منه من رسوم وضرائب، ولذا فإن هذا المشروع وان تمّ تمريره عند الحكومة، فإنه حكماً سيتعرض على مشرحة مجلس النواب للعديد من التعديلات والحذف والاضافات، ومن منطلق أن المجلس سيّد نفسه فإنه حكماً لن يلتزم بمهلة زمنية محددة لاقراره بل انه سيأخذ الوقت الكافي في عملية المناقشات في لجنة المال، ومن ثم في الهيئة العامة التي بدورها ستناقشه بنداً بنداً وبطبيعة الحال ستسقط عليه تعديلات، بغض النظر عن حفلة المزايدات التي ستكون طاغية في مداخلات النواب لاستخدام ذلك شعبوياً على عتبة خوض الانتخابات النيابية ان هي حصلت في موعدها المقرر.
كل ذلك يقودونا إلى الجزم بأن مناقشة الموازنة لن تكون سهلة، كذلك سيكون الحال عليه في المفاوضات مع فريق صندوق النقد، وستكون الحكومة في ظرف لا تحسد عليه، حيث ستخوض هذين الاستحقاقين وهي مكبلة بقيود متشعبة تجعلها تستعين بالله الواحد الأحد لمساعدتها على الإفلات منها كونها تقارب الملفات المفتوحة وسط حقل من الألغام السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتوترات والتعقيدات الاقليمية والتخبط الدولي، وهي بلا شك تراهن إلى أبعد الحدود على حصول متغيرات ما في الملفات الدولية المطروحة على بساط البحث في التفاوض المرئي والمحجوب على رياح ايجابيات ذلك إن هي حصلت تلفح لبنان، وتفيده في السعي الحاصل للخروج من أزماته، والبعض ممن هم في هذه الحكومة لا يرى أي أفق للخروج من هذه الأزمات، ما لم تطرأ عوامل اقليمية ودولية تساعده على ذلك، لا سيما ما يجري على الخط الإيراني – الأميركي، والسعودي – الإيراني، والسوري – السعودي، لأن حصول أي خروقات إيجابية على أي مستوى من هذه المستويات يريح الساحة اللبنانية، ويبعدها قدر الإمكان عن النكد السياسي الذي لطالما يستخدم في مقاربة أي ملف من الملفات التي تشد على خناق هذا البلد، الذي وصل إلى أبعد نقطة من نقاط التحمل للاستمرار.