على مدى ثلاثة أيام بقيت سحب الدخان السوداء تغطي منطقة برج حمود ومحيطها وبلغت الدكوانة وصولاً الى جونية، والسبب حريق متعمد من قبل نابشي النفايات بهدف إذابة المواد البلاستيكية عن شرائط ومواد تحتوي على معادن، الأمر الذي تسبب بحريق شامل نتج عنه دخان اسود مسرطن وخطير، وفق رئيسة جمعية غايا البيئية غادة حيدر.
وقالت حيدر لـ»نداء الوطن» إن «الحريق الذي نشب منذ مدة شكل انذاراً بسيطاً لما كنا نقوله بشأن الملفات البيئية المهددة للصحة والسلامة العامة، وابرز هذه الملفات ملف خزانات الغاز في محلة برج حمود وهذه الخزانات بمثابة « نيترات أومونيوم من نوع آخر، ومتفلت، لا رقابة ولا اجراءات وقاية». مشيرة الى ان الجمعية تتابع هذا الملف الذي بات بعهدة القضاء الاداري المختص، حيث يواصل مجلس شورى الدولة تجميع المستندات واخذ إفادة المعنيين، بوجود الخزانات وصلاحية الرخص بالاضافة الى صلاحية الترميم وشروطه. وكشفت حيدر عن دراسة أعدها مدير عام الاستثمار السابق غسان بيضون أظهرت حجم المخالفات ببعديها الاداري والقانوني مع ما تنطوي عليه هذه المخالفات من ريب مشروع.
الدراسة
ويبدو واضحاً من بعض مستندات الملف، وفقاً للخبير غسان بيضون، أن هناك عدة مؤشرات تستدعي التساؤل حول سلامة مسار طلب إحدى شركات الغاز، العائد للعام 2017، والمتعلق بإنشاء خزانات الغاز المسيّل في منطقة الدورة، وحول العبارات والصيغ المستخدمة في الطلب نفسه أو في الموافقات الصادرة عن المراجع ذات العلاقة، وكذلك حول تمديد بعضها وتجميد أو إبطال أخرى. ولا شكّ بأنه في ضوء النتائج الكارثية على السلامة العامة، التي تسبب بها انفجار مرفأ بيروت بتاريخ 4/8/2020، بما فيها الخسائر الكبيرة في الأرواح البشرية والإصابات الجسديّة، إضافة للأضرار الاجتماعية والصحية والماديّة التي لحقت بمساحة واسعة من مدينة بيروت والمناطق المجاورة، لا بدّ من التوقف ملياً أمام خطورة هذا الانفجار واحتمال تكرار حوادث مشابهة، والاتعاظ من التجربة ونتائجها، والتي فرضت نفسها لتستدعي إعادة النظر بهذه الموافقات والانطلاق مجدداً في ذلك من مقاربة مختلفة تتجاوز مجرد توفر الشروط الفنية والتنظيمية لإنشاء خزانات جديدة للغاز، كما لأي نوع آخر من المحروقات، وأن إعادة النظر هذه يجب أن تشمل حتى واقع الخزانات المرخص لها، بحيث لم يعد يكفي النظر إلى الموضوع من وجهة نظر قانونية مجردة عن واقع ما حصل.
وبعد تفنيد إداري وقانوني يخلص بيضون الى الاستنتاجات التالية:
1. إستخدام تعابير ملتبسة تخلط بين معنيي «ترميم» الخزانات القديمة و»إنشاء» خزانات جديدة، وأخرى تضفي الغموض حول موضوع «الترخيص» أو «الموافقة»، ومنها: «استبدال» أو «إعادة بناء» الخزانات.
2. أن مخاطر خزانات الغاز عالية جداً لارتباطها باحتمال توليد اشتعال من أسباب بسيطة مثل اللهب أو الشرارة الكهربائية أو الاحتكاك…
3. وجوب احترام مسافات ونطاق خطر مرتبط بشعاع أمان يتناسب مع سعة الخزانات، وتسييج كامل محيط مستودعات الغاز بسياج، وتشييد قسم من طول السياج بواسطة الخرسانة المقواة أو حائط فولاذ بهدف عزل أبخرة الغاز عن النقاط الخطرة المجاورة. ويستوجب التحقق من توفر هذه الشروط وجود خرائط وتصاميم هندسية ضمن ملف الترخيص.
4. أن الملف يخلو من دراسة الأثر البيئي لمشروع إنشاء خزانات غاز جديدة بأحجام تتجاوز سعتها الـ 5000 م.م.
5. أن مجرد حاجة الخزانات إلى ترميم يعتبر سبباً لسقوط أي حق مكتسب بالترخيص وفق الشروط القديمة، طالما أنها تتنافى مع الشروط التنظيمية الجديدة المنصوص عليها في المرسوم رقم5509/ 1994. وينطبق ذلك على إزالة هذه الخزانات وإنشاء خزانات جديدة وبمواصفات وتصاميم ومواد مختلفة.
6. الموقف اللافت عن وزارة الطاقة والمياه الوارد في الكتاب الصادر عنه حديثاً، جواباً على كتاب أمين عام جمعية «غايا»، ويعتبر فيه أن مهام المديرية العامة للنفط تنحصر بالرقابة الفنية في الإنشاء ومراقبة التنفيذ، وأنها ليست الجهة الرسمية لإعطاء تراخيص إنشاء هذه المجمعات، يعني أن الوزير اعتبر «الموافقة» الصادرة عنه أو عن المديرية العامة للنفط لا تعني «الترخيص» بإنشاء الخزانات، وأن هذه الموافقة باتت معلقة على نتائج المراجعات القضائية لدى مجلس الشورى والنيابة العامة التمييزية في جبل لبنان.
7. عودة رئيس بلدية برج حمود عن موافقته وإبطالها وفرض غرامة إكراهية تم ربطها بنتيجة مراجعة مجلس شورى الدولة، والتي تحتمل أن تكون رجوعاً عن خطأ تمثل في عدم استيفاء المعاملة أصولها القانونية.
وحيث أنه بالرغم من أهمية إجراء دراسة الأثر البيئي قبل إصدار الترخيص من قبل الإدارة الرسمية المختصة، لم يتبين وجود أي إشارة في الملف إلى وجود هذه الدراسة.
وبما أن مقتضيات المصلحة لم تعد تجيز حصر مخاطر وأضرار خزانات توزيع الغاز موضوع الدراسة بالإزعاج، لا سيّما أن أهمية مخاطر هذه الخزانات على السلامة العامة تتجاوز مخاطرها في الظروف العادية المرتفعة أصلاً، لترتفع إلى مستويات عالية جداً في الظروف الراهنة. وذلك بسبب العوامل الأمنية التي لا يمكن إهمالها في ضوء النتائج الكارثية لانفجار مرفأ بيروت، حتى ولو استوفى طلب إنشاء خزانات الغاز الجديدة الشروط التنظيمية والفنية النظرية المقررة لظروف عادية ومستقرة نصوص عليها في المرسوم رقم 5509 /1994، والتي لم يثبت بعد توفرها، لا سيما وأن مستندات الملف تشير في أكثر من موقع إلى وقوع الخزانين، المزمع إنشاؤهما، على مسافة قريبة من أبنية المصانع المجاورة وحتى من المناطق السكنية الآهلة، والتي لا بد أن تكون لأي حادث حريق عادي أو مفتعل نتائج كارثية على المستوى البشري كما على مستوى المنشآت والأبنية الواقعة ضمن نطاق واسع من جوار موقع هذه الخزانات.