من يتابع أداء السلطة في لبنان يتأكد أننا أمام كمّية من التبعية والعجز لا توصف. ولعل نسبة التذاكي في أداء المسؤولين اللبنانيين تُقاس بمدى محاولاتهم لاستغباء الرأي العام اللبناني من جهة، والرأي العام العربي والدولي وحكومات دول الخليج والعرب والغرب من جهة ثانية.
في الداخل يتحفنا المسؤولون الحكوميون بأن الموازنة الجديدة التي يناقشونها لسنة 2022 تخلو من أي ضرائب جديدة، في حين أنهم يعلنون عن رفع سعر الدولار الجمركي من تعرفة الـ1500 ليرة إلى سعر منصة صيرفة أي بما يتخطى الـ20 ألف ليرة، وهذا يعني مباشرة زيادة أسعار كل السلع التي يستهلكها اللبناني لأنها في أكثريتها الساحقة مستوردة، وحتى المصنّعة محليا من بينها تعتمد على مواد أوليّة مستوردة. وبالتالي فإن الضرائب الجمركية على كل السلع ستتضاعف بما لا يقلّ عن 13 مرة، في حين أن المطروح للمناقشة حول زيادة الرواتب والأجور لا يتعدى رفعها إلى حوالى 3 أضعاف!
يتذاكون أيضاً من خلال طرح رفع تعرفة الكهرباء غير الموجودة أصلا ويستمرّون في إخفاء فضائحهم من خلال محاولة تمرير سلفات لمؤسسة كهرباء لبنان من خارج الموازنة للتحايل على الأرقام وللاستمرار في هدر مئات ملايين الدولارات بالتوازي مع رفضهم إجراء أي إصلاح من الإصلاحات المطلوبة داخلياً وخارجياً. ولعل خير دليل عن محاولات التذاكي تأكيد وزير الاتصالات أنه لن يتم رفع تعرفة الاتصالات لكن الباقات المقدمة بالسعر القديم ستنخفض إلى النصف تقريباً. بربّكم أعطوا هذه المعادلة لتلاميذ المرحلة الابتدائية فيخبرونكم عن حجم الضرائب التي يثقلون بها كاهل اللبنانيين!
وفي التعاطي مع الخارج يصرّ أركان المنظومة على انتهاج النهج إياه من محاولات التذاكي العقيمة، وهذا ما فعله رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة في الجواب اللبناني الرسمي، إنما غير الدستوري، على المبادرة الخليجية التي كان سلّمها وزير الخارجية الكويتي إلى المسؤولين في بيروت. الجواب اللبناني أتى رسمياً لأن الرؤساء الثلاثة تولّوا صياغته بإشراف غير مباشر من “حزب الله”، ولكنه غير دستوري لأنو لم يتم إقراره في الحكومة اللبنانية التي تمثل السلطة التنفيذية.
أما في مضمون الرد اللبناني فأتت محاولات التذاكي من خلال صياغة جواب إنشائي خالٍ من أي التزام لبناني جدي ومن أي قرارات فعلية لتنفيذ الالتزامات المطلوبة. فهذه السلطة اللبنانية التي يهيمن عليها “حزب الله” عاجزة كلياً عن فعل أي شيء، وجلّ ما يمكنها أن تقوله للخليج العربي إنها عاجزة. هكذا تلعب على اللغة العربية لتعلن أن لبنان “يحترم القرارات الدولية” لكنه لا ينفّذها بذريعة الخوف على السلم الأهلي، وفي ذلك اعتراف صريح وواضح بالخوف من ما يمكن أن يقدم عليه “حزب الله” في حال الطلب من الجيش اللبناني تنفيذ بنود القرار 1559 على سبيل المثال، أو مثلا الطلب إليه ضبط الحدود أو اعتقال المشرفين على مصانع الكابتاغون والمصدّرين، ويذهب الرد اللبناني إلى محاولة إغراق دول الخليج العربي بالحديث عن “تشكيل لجان مشتركة” حتى يقضي الله أمراً كان مقضياً… وكأن دول الخليج العربي لا تدرك حقيقة الأوضاع اللبنانية وسيطرة “حزب الله” على كل مفاصل الدولة ورفض المسؤولين مجرّد الانتفاضة لكرامتهم وصلاحياتهم الدستورية الفعلية!
هكذا هي السلطة في لبنان الخاضعة لهيمنة “حزب الله” الذي يشكل ذراعاً للحرس الثوري الإيراني. إنها سلطة لا ترتقي حتى إلى مستوى حكومة فيشي في زمن الاحتلال النازي لفرنسا. إنها سلطة خانعة مستسلمة، وأحياناً تكاد تكون مزايدة على ما تطلبه منها سلطات الاحتلال الإيراني. لا جدوى من التعاطي معها على الإطلاق، وقد يكون أقل الإيمان اللجوء إلى العصيان المدني داخلياً ورفض دفع أي ضرائب أو رسوم قبل تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، واللجوء إلى مقاطعتها خارجياً إلى أن تباشر بتنفيذ كل بنود المبادرة الخليجية ومقومات سيادتها على أراضيها وقراراتها… ولو كان ذلك مستحيلاً إلا أنه قد يمهّد للثورة المطلوبة وإنجاز الاستقلال الثالث!