كتب منير الربيع في “المدن”:
يتضح في لبنان بروز مسارين: مسار يتجه نحو التصعيد السياسي لإرساء تغيير في قواعد الحياة الاسياسية. ومسار يفضّل التهدئة وعدم تسعير الصراع، في انتظار الانتخابات.
ولمسار التصعيد مؤشرات أصبحت واضحة، وكذلك محاولات احتوائه ومنعه من التفاقم. وينطلق مسار التصعيد من قرار سعد الحريري بالعزوف عن الترشح للانتخابات، ربطاً بالشروط الخليجية التي سلمها وزير خارجية الكويت للبنان وإعطائه مهلة 5 أيام للإجابة عليها.
التشدد السعودي
وهذا يشير إلى أن المملكة قررت السعي إلى تغيير قواعد سياستها في لبنان. وهو تغيير قد لا يكون مرتبطاً بالانتخابات النيابية، في حال لم يظهر أي موقف سعودي واضح داعم لأي جهة في سبيل خوض المعركة الانتخابية. وهناك وجهة تقول إن الانتخابات قد تكون مرحلة جديدة لتجديد شرعية القوى السياسية والتطبيع مع حزب الله وحلفائه مجدداً.
ومن مؤشرات التصعيد التكامل في المواقف السعودية، منذ كلام السفير السعودي وليد البخاري المتشدد في قصر بعبدا حول التمسك بالقرارات الدولية، وخصوصاً القرارين 1701 و1559. والموقف السعودي واضح منذ زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى السعودية، وإصدار بيان مشترك ينص على التزام لبنان بالقرارات الدولية وبالاصلاحات، لتتمكن الدول من مساعداته، وصولاً إلى ورقة الشروط السعودية، والتي نوقشت في اجتماع وزراء الخارجية العرب.
موقف مصري ليّن
ليس بالضرورة أن تكون كل دول الخليج والدول العربية موافقة على هذا المسار السعودي. ولكن هناك حرص على وحدة الموقف الخليجي أولاً، وثانياً ثمة سعي لعدم إظهار هذا التباين في مقابل إيجاد ترتيبات ملائمة للتعاطي مع الملفات المطروحة على الطاولة في هذه المرحلة.
وهناك دول بينها مصر لا تريد التصعيد في لبنان ولا حصول أي توتر سياسي. وهذا كان جانباً أساسياً من جوانب النقاش خلال اللقاء الذي عقد بين وزير خارجية مصر سامح شكري ووزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب، مع تشديد مصري على ضرورة احترام الدستور والاستحقاقات الدستورية، وخصوصاً الانتخابات، ونأي لبنان بنفسه عن أزمات المنطقة.
بين الرياض وباريس
في المقابل، هناك مساع لتخفيف أثر التصعيد الخليجي، من خلال نشاط فرنسي- أميركي واضح المعالم. فالأسبوع الفائت زار وفد فرنسي الرياض. وحسب المعلومات، يعتبر الفرنسيون أن الجو كان إيجابياً. فباريس تلتقي مع السعودية حول قرار عزوف الحريري عن الترشح.
لكن لا يزال بين الطرفين تباينات مستمرة حول التصعيد السياسي وآلية التعاطي مع لبنان وحزب الله. وتقول مصادر ديبلوماسية إن الجانب التقني حول المساعدات الفرنسية- السعودية الإنسانية التي يفترض تقديمها للبنان قد أنجز، ولكنه ينتظر القرار السياسي. وهو قرار لم يُعط سعودياً حتى الآن، ولن يعطى قبل حصول ترتيبات سياسية عدة، انطلاقاً مما يمكن تحقيقه من شروط في الورقة الخليجية.
فرنسا تعمل للتهدئة
أما أميركا فتحاول الالتفاف على مفاعيل قنبلة خروج الحريري من المشهد السياسي في هذه المرحلة، من خلال توفير 67 مليون دولار للجيش اللبناني، يتسلمها نقدياً. وهناك الحركة التي قام بها نجيب ميقاتي: صلاة الجمعة مع المفتي دريان والرئيس فؤاد السنيورة، والإعلان عن عدم مقاطعة السنة الانتخابات.
وهنا يحصل التقاء فرنسي- أميركي واضح، لا يمكن فصله عن اتصال ماكرون بالرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي. ويذكر هذا الاتصال بالاتصال بينهما قبيل أيام قليلة من تشكيل الحكومة. وهدف الاتصال الجديد الاتفاق على عدد من المسائل. منها حرب اليمن، وطلب الرئيس الفرنسي من نظيره الإيراني حمل حزب الله على تخفيف لهجته تجاه الخليج، بعد ورقة الشروط الكويتية، وعدم استمراره في استفزاز الدول الخليجية. ويؤشر ذلك إلى مسعى فرنسي- أميركي لاحتواء أي تصعيد خليجي أو لتعطيل مفاعيله.