Site icon IMLebanon

الـ”تجليطة” التي سعّرت حملة “الحزب” على “القوات”

كتبت نوال نصر في “نداء الوطن”:

وانطلقوا بغزارة، مثل الرصاص، يرددون مثل الببغاء: «شارل جبور المسيحي يصف الإسلام بالتجليطة» والردّ أتى أقوى من قلب الطائفة الإسلامية نفسها، من سنّة الطائفة وشيعتها، بما فحواه «عقيدة ولاية الفقيه بتشريع القتل والتهجير والتدمير تجليطة ونص». فهل نكتفي بالقول والتفسير والتعليل والردّ أم نسأل: ماذا في أبعاد كل «التراشق» الذي جرى في اليومين الماضيين تحت حجة ما قاله رئيس جهاز الإعلام والتواصل في القوات اللبنانية الذي لم يأتِ على ذكر «الإسلام الديني» بحسب كثير كثير من المسلمين أنفسهم بل حكى عن «المقاومة التجليطة»؟

من يعرف شارل جبور، حتى من جمهور «حزب الله»، يحكي، أقله في الخفاء او في مجالسه مع «قواتيين»، عن الرجل الطيّب الذي فيه، وتكرار ذلك مرات ومرات أمامه، كما أمام سواه «كل واحد على دينو الله يعينو»، وبالتالي قد يكون جبور تسرّع في تنظيم «موازين» الجملة فدلّت على غير مقصده، وربما هي حاجة جماعة «حزب الله» الى «شماعة» تُستخدم «غبّ الطلب» فأتاهم ما قاله «شحمة على فطيرة» فنشروه و»نشروا عرضه» وحللوا مضامين كلامه كما حلا لهم مضيفين «الملح والبهار». صحيح ان الرجل قال عن عقيدة «حزب الله» تجليطة، لكنه زاد بالقول وبالحرف «أن حزب الله ماسكنا تحت عقيدة تجليطة تنتمي الى عصور حجرية إسمها المقاومة». وكم من اللبنانيين لو سُئلوا لكرروا ما قال وزادوا.

نظرية فقهية

هنا، تذكرنا يوم استدعي العلامة السيّد علي الأمين بتهمة «مهاجمة المقاومة ومعاداتها والتحريض بين الطوائف ودس الدسائس والفتن». نعم، الكلام عن «المقاومة» ممنوع وكلام من يدعون المقاومة وحده مسموح. فلنسلّم جدلا أن رئيس جهاز الإعلام والتواصل في القوات اللبنانية حكى عن عقيدة «حزب الله» المتمثلة بولاية الفقيه (وهو لم يتطرق إليها على حدّ قوله) فهل يحقّ إتهامه بأنه ازدرى الأديان؟

السيد حسن علي الأمين يقول «إن مسألة ولاية الفقيه ليست جزءاً من العقيدة» ويشرح «لدينا أصول الدين وفروع الدين وهي ليست لا من الفروع ولا من الأصول بل هي نظرية فقهية تتعلق بالأحوال الشخصية وحدودها تبقى هنا لكن هناك من يعمل ويصرّ على تحويلها الى نظرية سياسية وإيهام الناس بها وبأنها جزء من العقيدة ليُصبح لها مفاعيل. وبالتالي هي عقيدة حزبية لا دينية بدليل ان الشيعة في العراق لا يؤمنون بها وأكثر من نصف الشيعة في ايران أيضا كذلك. هناك من سعى الى إقناع كل الآخرين بأن الوالي الفقيه مثله مثل بابا روما مع العلم أن الأخير لا يملك لا صواريخ ولا عتاداً مسلحاً ولا يُقحم نفسه في زواريب الدول».

الأستاذ فايز قزي الذي تبحر طوال عقود في أبعاد «حزب الله وولاية الفقيه» موجود حاليا في فرنسا ويعود في اليومين المقبلين. فما رأيه بمن يدعو إلى «إراقة» دماء من يتناول عقيدة «حزب الله» المتمثلة بالمقاومة متحججاً «على ذوقه» أنه راح أبعد من ذلك؟ يجيب «هناك مفكّر شيعي يدعى الدكتور علي شريعتي إغتاله الشاه. كان مفكراً مقاوماً كتب تحت عنوان «التصوف الشيعي والتسنن الأموي» مشيراً الى ان كليهما ليس لهما علاقة بالدين. ثمة رابطة غير دينية مع التصوف والتسنن. ويشرح «استخدم الأمويون العقيدة السنية لتقوية الأمبراطورية، واستخدم الفرس العقيدة الشيعية وأتوا بالعقيدة الصفوية. الدكتور شريعتي سمى العقيدة الفارسية بالبدعة الشيعية، وهي ما قيل ان جبور وصفها بالتجليطة. (وهو طبعاً ما نفاه). لكن، لنسلم جدلاً انه فعل ذلك يكون من مدرسة المفكر الشيعي الكبير علي شريعتي الذي اعتبر من أهم المشرعين في ايران بمستوى علي السيستاني. يضيف قزي: سبق وتحدثتُ بدوري عن غرابة فكر «حزب الله» والحرس الثوري الايراني وعدم انتماء هؤلاء الى الخط الشيعي الأساسي، أي خط الإمام علي بن أبي طالب. فأهل بيت الإمام أبي طالب لا يمكن ان يصبحوا إيرانيين ولا ان يكونوا عرباً، لهذا سموا بالخوارج بعدما اختلفوا مع الإمام علي بن ابي طالب في معركة صفين. حاربوه فأرسل جيشه وهزمهم وهذا ما أدى الى ظهور شيَع في ايران، معظمها كانت سنّة، لكنها تشيعت بواسطة شيخ من لبنان هو محمد الكركي…

يغوصُ الأستاذ في التاريخ وكلما فعل أكثر بانت الصور أوضح.

شارل جبور لم يتقصد الدخول في العقائد الدينية، وإن كان قد فعل ذلك قبله مفكرون شيعة.

الكلام ممنوع. والحزب الأصفر ينتظر على الكوع أي «زلة لسان» ليستخدمها كما يشاء لزوم شيطنة الطرف المقابل. وهذا ما حصل مع كلمة «التجليطة». لكن، أليس لذلك اي دلالات في تحليل فايز قزي؟ يجيب «نحن دخلنا على ما يبدو مرحلة صعبة جداً، تكتمل فيها الظروف السياسية والإقتصادية والإجتماعية والعسكرية لحزب الله لطرح نظامه الإسلامي على اللبنانيين ولا يعطيهم أي خيار إلا القبول» وهنا يستطرد قزي بالقول «في رسالة المستضعفين التي أطلقها الحزب عام 1985 حدد أهدافه بثلاثة اتجاهات: أميركا وإسرائيل والكتائب. واليوم، بعد مرور كل هذا الوقت، يبدو أكيداً أنه استبدل الهدف الثالث أي الكتائب بالقوات. وهذا ما يفسّر تركيز هؤلاء، في خطاباتهم، والتعبئة التي يمارسونها ضدّ القوات اللبنانية. وهنا أقول ان الحزب يشعر بخسارة مغادرة سعد الحريري أكثر حتى مما شعر بها السياديون حلفاء الحريري أنفسهم. كان يشعر حزب الله، بوجود سعد الحريري الذي عقد معه «ربط نزاع»، وبقدرته وحده على ضبط الموقف السني تجاهه. وهذا ما خسره اليوم».

الكلام ممنوع. الإنصياع مطلوب. ومن يتجرأ يوصف «بكبسة زر» بأوصاف أقلها: «الداعشي» ويُصبح موته حلالاً. مع التركيز طبعاً على «القوات» لأنها الوحيدة التي يتمكنون من خلالها من «تعبئة شارعهم» بلحظات. واليوم، بعدما ملأهم الشعور بأن الظروف لإعلان الدولة الإسلامية في لبنان قد إكتملت سيبلغون بها كل الأطراف سواء بالترغيب ام بالترهيب. اركان «حزب الله» يشعرون بأنفسهم في أوج عزهم ، فالقرار لهم من دون ان يُسألوا عن مواقف الدولة اللبنانية او يهتموا بإطعام الجياع. هم يعتبرون أنفسهم في أوج نجاح مشروعهم. وقد يكون عنى من وصف هذا المشروع بالتجليطة بأنه لم يعد لا مقاومة ولا ثورة. فمنذ اكثر من عشرة أعوام لم يرمِ الحزب حجرا على «العدو». فهل هذه مقاومة؟ وهو استخدم مرات سلاحه ضد الشعب وبالتالي لا تليق به كلمة الثائر. لذا، هو اليوم لا يقبل ولا يتقبل اي كلام يزعجه وهو واقف على حافة الخطوة الأساسية التي طالما استعدّ لها منذ عقود. وهو لم يعد لا مقاومة ولا ثورة بل أصبح تجليطة».

أقوى من الـ”كوفيد”

“حزب الله” يتحدث عن «شد ركاب» قواتي والقوات تتحدث عن «شد عصب» حزب الله. وبين هؤلاء وأولئك يتحدث الكاتب السياسي عن فيروس إيراني يضرب أقوى من كوفيد. ويقول «جاء في مقدمة الدستور الإيراني نص صريح ذكرت فيه عبارة «القوات المسلحة الإيرانية» التي لا تنحصر مهامها بحفظ حدودها او القوى الاسلامية فقط بل كل العالم. هذا النص هو أقوى بالتأكيد من القنبلة النووية الإيرانية».

يبدو أن العقيدة التي تحدث عنها رئيس جهاز الإعلام والتواصل في القوات اللبنانية ويخشى منها هي نفسها التي تحدث عنها فايز قزي وطالما حذر منها.

من طرابلس ارتفعت أصوات سنيّة كثيرة مع «شارل جبور» وهؤلاء كانوا في مقدمة من أكدوا انه لم يتطاول ابداً على اي طائفة. بسام الآغا أحد هؤلاء قال «قصد جبور البدع التي أتى بها الخميني وأدخلت بقوة الإرهاب الى البلاد العربية ولبنان. تلك البدع تجليطة وبعبارة أدق لا ولن تمشي في الوطن العربي». أضاف: «من هبوا لقول العكس، خصوصاً ممن يسمون أنفسهم علماء، هم من يجلسون عادة في الصف الأمامي عند «حزب الله» كي يصفقوا ويتقاضوا 500 دولار آخر كل شهر».

عنوان لنظام سياسي

العلامة السيّد علي الأمين طالما حكى وأسهب وحذر من «ولاية الفقيه» بالمفهوم الإيراني وعبره «حزب الله». يقول «تحوّلت مسألة ولاية الفقيه إلى عنوان لنظام سياسي في عهد الامام الخميني بعد وصوله إلى السلطة في إيران وخرجت عن كونها مسألة فقهيّة يجري البحث عنها في كتب الفقه ومعاهد التّدريس ومع استمرار النّظام محكوماً من قبل الفقيه أصبحت ولاية الفقيه حزباً سياسيّا… ومسألة الارتباط بولاية الفقيه أصبحت تعني الارتباط السياسي بالوليّ الفقيه الحاكم لنظام سياسيّ معيّن ولا يقف هذا الارتباط عند حدود العلاقة الرّوحيّة والمرجعيّة الدينيّة، كما هي الحال بالنسبة لعلاقة المسيحيين بمرجعيّة الفاتيكان الدّينيّة، ولكن يتعدّاها إلى لزوم الطاعة والانقياد للوليّ الفقيه في سياساته الدّاخليّة والخارجيّة و تطلّعاته الخارجة عن الحدود الجغرافيّة لنظامه ودولته وتشتدّ هذه الإشكاليّة وتكبر عندما تعطى ولايته مضمون الأيديولوجيا الدينيّة العابرة للحدود والأوطان حيث يصبح إرتباط حزب ولاية الفقيه بالوليّ الفقيه ولاءً سياسيّاً لدولة الفقيه التي لا يحمل الحزب الموالي لها هويّتها الوطنيّة وشخصيتها القانونيّة وهذا يتنافى مع ولاية الدّولة التي ينتمي إليها ولزوم خضوعه لأحكامها وقوانينها وهذا ما يؤدّي في نهاية المطاف إلى عصيان الدولة و الخروج عليها التزاماً بولاية الفقيه القادمة من وراء الحدود».

تلك العقيدة هي التي قيل عنها من قلب إيران نفسها: البدعة.

كلّ شيء في البلد يمشي الى الوراء، وهناك من يشدّ بأي تطور (خطاب، كلمة، زلة لسان) ويظلّ يشدّ مستخدماً إياه شماعة لتعبئة جماعته المنهكة. وهو يعود ويرمي سيول شتائمه على سواه. كيف لا وهو «الأصفر» مالك الدنيا وحاكم الأرض!