كتبت رلى موفق في “اللواء”:
يمضي مجلس الوزراء في دراسة بنود مشروع قانون الموازنة للعام 2022، وهو يعمل على إقرارها بالسرعة الممكنة من أجل إحالتها إلى مجلس النواب. هكذا تصبح الكرة لدى السلطة التشريعية. ما يهم رئيس الحكومة هو أن ينجز هذه المهمة بحيث يكون قد وفى بالتزاماته، ولاسيما حيال المجتمع الدولي، خصوصاً أن أحد شروط فتح خزائن صندوق النقد الدولي ان يكون هناك موازنة. ويقول أمام محدِّثيه بعبارة صريحة: لست مسؤولاً عن الموازنة خارج عتبة مجلس الوزراء بمتر واحد.
فبإقرار مجلس الوزراء مشروع القانون، يكون قد رفع ميقاتي الحمل من على كتفيه ورماه على مجلس النواب الذي عليه أن يدرس ويقر موازنة لا شعبية على أبواب انتخابات نيابية يحتاج فيها كل نائب مرشح إلى تلميع صورته أمام ناخبيه. المعادلة التي لا تستقيم تدفع إلى الاعتقاد القريب من حدّ الجزم باستحالة أن يذهب النواب بأقدامهم إلى الانتحار، ذلك أنهم سيكونون مقيدين ومكبلين بلائحة المطالب والشروط التي لا بد من التقيد بها وتضمينها في صلب الموازنة إذا كان هناك من تعويل على مساعدة من صندوق النقد لانتشال لبنان من الحفرة. وستصيب الإجراءات الضريبية والرسوم جيوب المواطنين كما سيؤدي رفع الدولار الجمركي إلى موجة جديدة من غلاء الأسعار مهما استثنوا من مواد، وستضرب قدرة المواطن على شراء الاحتياجات الأساسية من بضائع مستوردة لا تدخل في نطاق الكماليات، بحيث سيزيد الخناق على المواطن وسيدخل في مستوى جديد من الفقر والعوز.
ففي هذا الزمن الصعب، يريد النواب المرشحون والكتل السياسية البحث عن إنجازات وانتصارات لبيعها في سوق المزايدات وعن أحلام لبيعها لناخبيهم، وهو ما لن يحققه لهم إقرارهم للموازنة حتى ولو ذهبوا إلى عراضات ومزايدات إعلامية في مناقشتها. هذا إذا اعتبرنا أنهم سيكونون فعلاً حاضرين ليقوموا بمهامهم التشريعية على مقربة شهرين ونيف من الاستحقاق الذي يتطلب منهم التواجد في مناطقهم والتفرغ لحملاتهم الانتخابية التي تعتريها صعوبات لم يسبق أن شهدتها الاستحقاقات الانتخابية السابقة، في ظل الضائقة الاقتصادية وشح المال الانتخابي وعدم القدرة على الاتكاء على الدولة في تأمين خدمات من جيبها تقدم باسم هؤلاء ولحسابهم.
فكلما تأكد أكثر أن الانتخابات حاصلة، سيكون إقرار الموازنة بعيد المنال وستسكن في أدراج المجلس النيابي إلى حين ولادة المجلس الجديد. وهذا سيكون الحال في أغلب الظن، مع المؤشرات المتزايدة أن الانتخابات ستجري في موعدها في ظل إصرار المجتمع الدولي على إجرائها رغم الاقتناع أن الظروف الداخلية سواء على مستوى جهوزية الدولة وإمكاناتها وسواء على مستوى ضمان الأمن الانتخابي ليست متوفرة.
الكل من القوى السياسية يعد العدة لليوم الموعود، والماكينات الانتخابية تتحضر. كما بدأت التحالفات تُنْجَز في غير منطقة، على الرغم من حالات الارباك العام، ومن عدم إبداء الناس حماستها للانخراط في الاستحقاق. فالمناخات الظاهرة حتى الساعة لا تشي بأن البلاد ستكون أمام معارك كبرى ورغبة شعبية عارمة في المحاسبة وفي انتاج طبقة سياسة جديدة مغايرة عن القديم الموجود.
بعض المراقبين يرى أن حماوة الانتخابات ستبدأ بالظهور من الآن وصاعداً، على مقربة شهر وأسبوع من انتهاء مهلة الترشح في الخامس عشر من آذار المقبل، وشهرين من انتهاء تسجيل اللوائح في الرابع من نيسان. فثمة تحالفات باتت محسومة كتحالف «القوات و«الاشتراكي»، وحتى تحالف «الوطني الحر» و«الثنائي الشيعي»، حيث يوكد عارفون أن مسألة تحالف «أمل» و«حزب الله» و«الوطني الحر» في لوائح واحدة قد أنجزت، وأن «أمل» ستلتزم إعطاء الأصوات للوائح المشتركة لضمان الحواصل لكنها ليست ملتزمة بالصوت التفضيلي لمرشحي «التيار البرتقالي» على تلك اللوائح، كما هو حال «حزب الله» الباحث عن كيفية رفد حليفه المسيحي بأصوات تؤمن له عدم خسارته مقاعد نيابية حظي بها في انتخابات 2018، بعد التراجع الذي يُسَجَّل في شعبيته والانتكاسات السياسية التي لحقت به وبرئيسه جبران باسيل.
لا شك أن تعليق زعيم «المستقبل» سعد الحريري مشاركته وتياره في الحياة السياسية خلق أجواء ضبابية حيال الواقع الانتخابي للسنّة وكيف سيتجه «الصوت المستقبلي». غير أن المعلومات التي رشحت من أكثر من جهة، وآخرها ما جرى نقله لموسكو عبر الممثل الشخصي للحريري، تفيد بأن ترتيبات حصلت بين الحريري ورؤساء الحكومات السابقين وأخرى ستحصل من أجل ملء الفراغ المرحلي في الاستحقاق المقبل، حيث ستكون هناك ترشيحات لأسماء قديمة وجديدة ما يؤمن وصول كتلة نيابية وازنة نسبياً إلى المجلس خصوصاً أن الاستطلاعات سبق أن أكدت أن «المستقبل» ما زال يستحوذ على ما نسبته 40 في المئة من الأصوات السنية.
فالقوى على اختلاف انتماءاتها ومشاربها بما فيه «المجتمع المدني» ذاهبون إلى الانتخابات، ما سيجعل الجميع يتفادى منزلقات تؤجج الرأي العام ضدهم، ومنها الموازنة.
على أن مخاوف بدأت تبرز راهناً من محاولات تطيير انتخابات المغتربين تحت عنوان العجز المالي أو الذهاب إلى تعديل القانون الانتخابي بحصرها بالدائرة الـ16 لتفادي تأثيرات أصوت الاغتراب على مجمل الدوائر وتالياً حصول مفاجآت تطيح بالتوقعات الداخلية. وهي مخاوف لا تأتي من فراغ، لكن حصولها لن يكون بالأمر السهل، كما قد يتوقع الراغبون به، وهي مغامرة غير مضمونة النتائج، خصوصاً أن الطريق لذلك وعرة سياسياً وشعبياً، ومن الصعب الرهان على رئيس مجلس النواب في سلوكه هذا المسلك لاسيما أنه كان من الذين دفعوا في اتجاه اقتراع المغتربين على مستوى كل الدوائر وهو من أسهم في إسقاط الطعن المقدم من «التيار الوطني» في قانون الانتخاب بهذا البند.