كتب وجيه فانوس في “اللواء”:
رَغْمَ عَدَمِ تَوَقُّعِ تَغيّيراتٍ جَذريّةٍ أو كبيرةٍ أو حتَّى متوسِّطةٍ، مِن نتائجِ الانتخاباتِ النّيابيَّةِ العتيدةِ، في الرَّبيع المُقبلِ، هذا إنْ حَصَلَت؛ إذْ كثيرةٌ هي التَّوقُّعاتُ التي تتناقَلُها مكاتِبُ الإحصاءِ المُهتمَّةُ بشؤونِ الانتخاباتِ النِّيابيَّةِ حاليًّا، فلا ترى في أنّ التَّغيّيرَ المُمكنَ حصولُهُ جَرَّاء هذه الانتخابات، قد لا يتعدَّى، في حَدِّه الأقصى، ما نِسْبَتُه١٥٪؛ ورغمَ كُلِّ هذه السَّلبِيَّاتِ، تَبقى هذه الانتخاباتُ مجالًا طيِّبًا لإثباتِ وجودٍ وطنيٍّ سُنِّيٍّ فاعلٍ، بل ومطلوبٍ بشدَّة؛ على مُستوى الوطنِ بكلِّيَّتِه، ومِن أقصاهُ إلى أقصاه.
لئن كنتُ، على المستوى الشَّخصِيِّ، مِن المقتنعين بإحلالِ «المُواطَنَةِ»، فكرةً ومفهومًا وقِيمةً، أساساً للنِّظام السِّياسيِّ في لبنان، بديلاً من المفاهيم الطَّائفيَّة والمذهبيَّة، التي ما انفكَّت تفتُّ من عضدِ الوجودِ الوطنيِّ الصَّحيحِ لهذا الشَّعبِ المُعاني؛ فإنَّ واقعَ الحالِ، مُتمثِّلًا بالقانونِ الانتخابيِّ الرَّاهنِ، القائمِ على توزيعاتٍ طائفيَّةٍ ومذهبيَّةٍ بحتةٍ، يدفعُ بِي إلى استعراضٍ، وَلَوْ مُبْتَسَرٍ، لأنموذجِ ما يَعيشهُ الوجودُ الوطنيُّ الحاليُّ في لبنانَ؛ وذلكَ في محاولةٍ متواضعةٍ لطرحٍ وطنيٍّ مُغايِرٍ لِلفَهمِ الطّائفيِّ، وبُعدِهِ المذهبيِّ، في السِّياسةِ اللُّبنانيَّةِ.
ممّا لا شكَّ فيهِ أنَّ الحَجَرَ، الذي أُلقِيَ مؤخَّرًا في بُركة السّياسة اللّبنانيَّة، بإعلان الرّئيس سعد الحريري انكفاءه، وانكفاء تيَّار المستقبل معه، عن التَّعاطي في الشَّأن السِّياسيِّ العامِّ في لبنان؛ قد أَوْجَد عديدًا مِن الدَّوائر على سطحِ مياهِ هذه البُركةِ. يتعلَّق بعضُ هذه الدّوائر بمساراتٍ للتَّوزاناتِ السّياسيَّةِ العامَّةِ والأساسِ، المرتبطةِ بفاعليَّةٍ، سلبيَّةٍ كانت أو إيجابيَّةٍ، مِن قِبَلِ الرَّئيسِ الحريريِّ وتيَّار المستقبل؛ ومنها ما أعلنه، على سبيل المِثال وليس الحصر، الزّعيم وليد جنبلاط، عن «حُزْنٍ ويُتْمٍ تعيشهما المختارة»؛ وما بدأ يتصاعد، كذلك، في بعض توجُّهاتِ الأُفُقِ الشَّعبيِّ، مِن دُخانِ اعتِبارِ، سمير جعجع، رئيس حزب القوَّات اللُّبنانيَّة، قائدًا مرشَّحًا لِجماهيرٍ مِن السُّنَّةِ في لبنان. ومِن هذه الدَّوائرِ، أيضًا وأيضًّا، ما يُشار به إلى أَحَدِ دوافعِ الزِّيارةِ التي قام بها مُؤَخَّرًا، سماحة مُفتي الجمهوريَّةِ اللُّبنانِيَّةِ، الشَّيخ عبد اللَّطيف دريان، إلى السَّراي الحُكوميِّ، للاجتماعِ برئيسِ الحكومة، الأستاذ نجيب ميقاتي؛ ولِيَشْتَرِكا، مِن ثَمَّ، مع رئيسِ الحكومةِ الأسبق، الأستاذ فؤاد السَّنيوُرَة، في أداءِ فريضةِ «صلاة الجُمُعَة»، في رحابِ «الجامِع العُمَريِّ الكبير»، في بيروت؛ في أجواءِ عَبَقِ تصريحٍ للرَّئيسِ ميقاتي، مفادُهُ أنْ «لا مقاطعةَ سُنِّيَّة للانتخابات النِّيابيَّة». ويَرى كثيرون، في هذا السِّياقِ، أنّ حصولَ الزِّيارةَ الأولى إلى دار الفتوى، لفخامةِ رئيسِ الجمهوريَّةِ، العماد ميشال عون؛ وبعدَ مرورِ أكثرَ مِن خَمْسِ سنواتٍ على انطلاقِ عهدِهِ في الرِّئاسةِ، لِلِقاءِ سماحةِ مُفتي الجمهوريَّةِ اللُّبنانيَّةِ، الشَّيخ عبد اللّطيف دريان، وإنْ أَتَت جَرَّاءَ عديدٍ مِن العوامِلِ، فإنَّ في طليعة هذه العواملِ، التَّفاعُلُ الرِّئاسيُّ، معَ الوضع السِّياسيِّ السُّنِّيِّ الرَّاهن. ويمكن أن يضاف إلى كلِّ ردودِ الفِعل الكبرى هذهِ، على مستوى الوطنِ بِرُمَّتِهِ، ما ذَكَرَهُ غبطة البطرِيَرك المارونيّ، الكاردينال الرَّاعي، في عِظَتِهِ الأخيرة، عن قلقٍ يعيشُهُ الوَطَنُ نتيجةَ ما يُلِمُّ بناسِ الطَّائفةِ السُّنِّيَّةِ مِن أوضاع سياسيَّة.
يُسْتَنْتَجُ، مِن واقعِ الحالِ هذا، أنَّ ثمَّةَ فاعلِيَّةً سِياسِيَّةً أساسًا وكُبرى، للوجودِ الوطنِيِّ للطَّائفةِ السُّنِّيَّةِ في البلدِ؛ وفي هذا ما يَدحَضُ، جَذرِيًّا، كُلَّ ما قد يُقالُ أو يُرَوَّجُ لَهُ، عَن ضَعفٍ يَعتري فاعِليَّةَ الوجودِ السُّنِيِّ في لُبنان. إنَّ أهلَ السُّنَّةِ مَوْجودونَ بِقُوَّةٍ، على نطاقِ الوطنِ بكلِّيَّتِه، وأيُّ أمرٍ يتعلَّقُ بهم، أو تُراهُ يُصيبُهُم، إنَّما يَتْرُكُ تأثيرهُ الواضحُ والجَلِيُّ والمَفْصَلِيُّ على الوُجُودَيْنِ الوَطَنِيِّ، كما السِّياسيِّ، للبلدِ بِأَسرهِ، وبِجَميعِ طَوائِفِهِ ومَذاهِبِهِ ومَناطِقِهِ وتَوَجُّهاتِهِ السِّياسيَّة. صحيحٌ أنَّ هذه الفاعِليَّةُ السِّياسيَّةُ الرَّاهنةُ للوجودِ الوطنِيِّ السُّنِّيِّ، في لبنان، تولَّدت عن ما يُمكن اعتباره، بِنَظَرِ كَثيرين، سلبيَّةً معيَّنةً نَجَمَت عن الانكفاءِ الذي أعلنهُ الرَّئيسُ الحريريُّ؛ بَيْدَ أنَّ هذا لا يُمكنُ أنْ يَضعَ أيَّ غشاوةٍ على جَوْهَرِ قُوَّةِ فاعلِيَّةِ الوُجودِ السُّنِّي، على الإطلاق.
إنطلاقًا من واقعِ هذه القوَّةِ، وإنْ كانت جَرَّاءَ حالٍ سَلْبِيٍّ، قد يتأذَّى منه الوطنُ؛ فَكَم بالأحرَى، لَوْ كانت هذهِ القُوَّةُ حاصلةً جَرَّاء حالٍ إيجابِيٍّ، يُساعدُ على نهوضِ الوطنِ مِن كَبْوَتِهِ الرَّهيبةِ التي يُعانيها راهِنًا، ويُساهِمُ في ازدِهارِهِ الاقتصاديِّ وإنعاشِ حَيَويَّتِهِ المُجتمعِيَّةِ، ويُعزِّزُ، كذلك، مِن نَشَاطِهِ السِّياسيِّ البنَّاءِ، كما يَدعَمُ وَحدَتَهُ الوطنيَّة، ويَشدُّ مِن عَضُدِ وُجودِهِ على السَّاحات العربيَّة والإقليميَّة والدَّولِيَّة كافَّة؟
ثمَّةَ فراغٌ سياسيٌّ كبيرٌ حصلَ، وهو فراغٌ من غير المُمكن تجنُّبُهُ، كما أنَّهُ مِن غير العَمَلِيِّ، النَّجاحُ الفِعليُّ على مَلْئِهِ، أكانَ على مستوىً فرديٍّ شَخْصِيٍّ أو صعيدٍ جَمْعِيٍّ مَحدودٍ. إنَّهُ فراغٌ شديد التَّعقيد والتَّشابُكِ، ضمن مستويَّات ثقافِيَّةٍ وشواغِلَ فكرِيَّةٍ وآمالٍ متنوِّعّةٍ وطموحاتٍ مُتباينةٍ. لقد نشأ، هذا الفراغُ، عن شُغورِ مساحةِ وُجُودٍ امتَدَّت على مدىً ناهزَ ثُلْثَ قرنٍ مِن الوجودِ؛ وأيُّا تكن الآراءُ في أسبابِ هذا الفراغِ ودواعِيهِ، فإنَّ الواقعَ يؤكِّدُ الصُّعوبةَ الفعلِيَّةَ في مّلْئِهِ، بنجاحٍ كاملٍ؛ إلاَّ إذا كانَ هذا الملأُ على مستوىً جَمْعِيٍّ شُمولِيٍّ كاسحٍ؛ وهذا مستوىً لا يتحقَّقُ عَمَلِِيًّا سِوى بتوافُقٍ بينَ أهلِ هذا الفَراغِ وأوليائِهِ؛ وأشدَّ ما في هذا التَّوافق من وطنيَّة وبُعدِ نظرٍ سياسيٍّ، أنْ يقوم به أهلُ السًّنَّةِ، بانتقالهم من رؤية التَّنافسِ مع بعضهم، إلى فاعلِيَّة قوَّة تكامُلِهِم في ما بَينهم، والتَّحوًُّل بوجودهم من كيانه الطَّائفيِّ الخاصِّ، إلى الفِكرِ المواطنَةِ الجامِعِ؛ خاصَّةً إذا ما صارَ هذا التَّكامُلُ برؤيةٍ حكيمةٍ جامعةٍ ورأيٍ موثوقٍ بعيدٍ عن الهَوى والمصلحة الشَّخصِيَّة، وهذه مزايا وسمات لا يمكن للبيئة السُّنِّيَّةِ الواعية إلاَّ أن تَنْهَضَ بوجودها، وتتضافرَ لِتعزيزِ فاعِلِيَّتِها.
تقفُ ساحةُ التَّحضيراتِ السُّنِيَّةِ الحالِيَّةِ للانتخاباتِ النِّيابيَّةِ العتيدةِ، مجالاً كبيرًا للتَّحدي الوطنيِّ لناسِها كافَّةً، كما لسائرِ المُهتمِّينَ بِرِفْعَةِ الشَّأنِ الوَطَنِيِّ؛ ضمانًا لِسلامةِ الوحدةِ الوطنِيَّةِ، وتعميقًا مسؤولًا وواعِيًا للسَّعيِّ الجِديِّ للخلاصِ مِن هذا البؤسِ المُزري الذي يَعيشُهُ اللُّبنانيُّونَ راهِنًا. تَنْهضُ التَّحضيراتُ التَّقليديَّةُ، للانتخاباتِ النِّيابيَّةِ، على مبدأ التَّنافسِ بينَ المُرشَّحين، للفوزِ بالأقصى المُمْكِنِ مِن ثقةَ النَّاخبين؛ وذلك عَبْرَ إبْرازِ ما في كُلِّ مَجموعةٍ مِن المُرشَّحين، أو حتَّى ما في كُلِّ فردٍ منهم، مِن قُدراتٍ وعَلاقاتٍ وإمكانيَّاتٍ، وما يلحق بها جميعُها، مِن صفاتٍ شخصيَّةٍ وسِماتٍ عائليَّةٍ ومزايا اجتماعيَّة. ومِنْ المعلومِ، أنَّهُ لا بُدَّ وأنْ يَنْتُجَ عن هذا التَّنافسِ، تَطاحُنٌ ديمُقراطِيٌّ مَشْروعٌ؛ في السَّعيِ إلى التَّفوُّقِ على الخَصمِ، بِطُرُقٍ عديدةٍ ومَسالِكَ مُتنوِّعةٍ؛ الأمرُ الذي قد يُسَبِّبُ للخَصمِ أذىً واضحًا، وقد يَستدعي، تاليًا، امتدادَ الخصوماتِ بينَ المُتنافسين وانتشارَها، على الأصعدةِ الاجتماعيَّةِ والشَّخصيَّةِ وحتَّى المناطِقِيَّةِ؛ وهذا بِالفعلِ، ما بَدَأَتْ تَشْهَدُهُ بعضُ ساحاتِ النَّشاطِ السُّنِّيِّ للتَّرشُّحِ الانْتِخابيِّ، في هذه المرحلةِ.
لقد بّدّأت بعضُ مَظاهرٍ للشِّقاقِ الحادِّ، تظهر بين متنافسين من أفراد العائلةِ الواحدة؛ وصارت أفعى القَدْحِ واللَّمْزِ والهَمْزِ مع كثيرٍ من مساعي الهِجاءٌ والوِشَايَةِ، تطلُّ بِرأسِها في عديدٍ مِن جلساتِ النِّقاشِ وكثيرٍ جدًّا مِن بياناتِ مواقعِ التَّواصلِ الاجتماعيِّ وصفحاتِهِ؛ وصار الأمرُ، وكأنَّ بعض أهلِ الطَّائفة وأبنائها، سيخرجون عمَّا دَرَجَت عَلَيْهِ تقاليدُ مُجتمعهم وقِيّمِهِ وأعرافهِ، مِنَ الاهتمامِ بإعزازِ الآخر، والثَّناءِ على كثيرٍ من أفعالِهِ، وتقديمِ مظاهرِ الإجلالِ وألفاظ الإطراءِ عند ذِكْرِه. بدأت الشَّحناء والبغضاء وكأنَّها تستعدُّ لِتَحُلُّ محلَّ كثيرٍ مِن الألفَةِ والمودَّةِ، والمشاركة في معالجة معاناةِ بؤسِ العُسْرِ الاقتصاديِّ الرَّاهنِ، والخلاصِ مِن جحيمِ الفسادِ الإداريِّ المقيمِ بين ظهرانِيِّ النَّاس؛ ناهيكَ بالثَّورةِ على الخرابِ المُستشري في الأغلبِ مِن نواحي حياةِ المواطنين، ومداواةِ ما يمكن مِمَّا يكتنفُ هذا العيشَ المُرَّ مِن شؤونٍ وشجونٍ؛ حتَّى ليكادُ سوءُ إدارةِ التَّنافُسِ الانتخابيِّ الرَّاهنِ، في كثيرٍ مِن ساحاتِهِ، يفرِّقُ بين أخِ وأخيهِ، ويباعدُ بين ابن عمٍّ وقريبه، ويشوِّهُ جمالَ ما هو قائمٌ بِفّخْرٍ بين جارٍ وجارِهِ وصَديقٍ وصَديقه.
أطرحُ، هَهُنا، مجموعةً من التَّساؤلاتِ؛ التي قد تبدو مثالِيَّةً في وَقْعِها الرُّؤيَوِيِّ، غيرَ أنَّها لا تؤشِّر سوى إلى إمكانِيَّاتٍ شديدةِ الواقِعِيَّةِ وعظيمةِ الجدوى المرتقبةِ في عملانِيَّةِ توجُّهاتِها على الصَّعيدين السُّنِّي الخاصِّ، كما الوطنيِّ العام؛ وضمن البعد السِّياسيِّ لكُلٍّ منهما. إنَّها منهجٌ مقترحٌ، لبدءِ قيادةٍ وطنِيَّةٍ شامِلَةٍ، طالما عرفها ناسُ الطَّائفةِ السُّنِّيَّةِ في لُبنان؛ غايَتُها مقارَعةُ هذا الواقعِ المُرِّ والمفجعِ، الذي يعيشُهُ اللٌّبنانيُّونَ جميعًا، ولا يَقْتَصِرُ بَيْنَهُم على السُّنَّةِ وحدَهُم، على الإطلاق. إنَّهُ واقِعٌ يُعايُنُهُ جميعُ أهل الوطنِ، ويعانونَ مِنْهُ، بِصِفَتِهِم مُواطنينّ في هذا الوطنِ المَنكوبِ، قبل أنْ يكونوا أبناءً لِهَذِهِ الطَّائِفَةِ أو تِلكَ.
1)ماذا لو كانَ ثمَّةَ نظرةٌ غيرُ تقليديَّةٍ، وتَحديدًا مِن ناسِ الطَّائفة السُّنِّيَّةِ، وهم في هذهِ الفاعِلِيَّةِ الرَّاهِنَةِ، المُعترفُ بها وطَنِيًّا، إلى التَّحضيراتِ الواجِبِ القيامِ بها لهذهِ الانتخاباتِ؛ وكَيْفَ، بالتَّحديد، قد يُصبحُ الأمرُ، في ما لَوْ جَرى التَّعامُلُ مَع هذهِ التَّحضيراتِ مِن مَفهومٍ ومَنطِقٍ تَكامُلَيَّينِ، غَيْرَ تَنافُسِيَّينِ على الإطلاق؟
2)ماذا لو اقتدى أهلُ السُّنَّةِ في لبنان، بما يَرِدُ في النَّصِّ القرآنيِّ الشَّريفِ، كتاب الله الرَّحمن الرَّحيمِ، الذي بهِ يتعبَّدون وبمضمونهِ يؤمنون، }وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (الشُّورى:38) و}وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } (آل عمران:159)؛ وماذا لو تذكَّروا أنَّ في الثَّقافة الإسلاميَّة مبدأً مُتَّفقاً عليهِ ومعمول بهِ منذ بداية العهود الإسلاميَّة، وخاصَّة في مجالات الشَّانِ السِّياسيِّ العام، هو مبدأ فاعلِيَّةِ «أهلِ الحَلِّ والعَقْدِ»؛ وهم، كما يَرِدُ تعريفهم في المصادر المُعتبرة، أهل الشَّأنِ مِنَ أهل العِلمِ والقادةِ والسَّاسَةِ ووجوهِ النَّاسِ، شريطة أن تتوفَّر في كلِّ واحدٍ منهم ، وكما يورد هذا في «الأحكام السُّلطانِيَّةِ» للماوردي، «العدالةُ الجامعةُ لِشُروطِه» و»العِلمُ الذي يُتوصَّلُ بِهِ إلى معرفةِ مَن يَستَحِقُّ» و»الرَّأيُ والحِكمَةُ المؤدِّيانِ إلى حُسنِ تدبيرِ المصالح بالحقِّ».
3)ماذا لَوْ يتوافقُ أهلُ السُّنَّةِ، تالِيًا، «أنْ ينبذوا كلَّ تخطيطٍ فرديٍّ أو ضيِّق المدى بينهم، للانتخاباتِ النِّيابيَّةِ، التي قد لا تحصل؛ ويتلاقوا جميعًا، ضمن وجودِ طائفتهم، الذي طالما أعلنوا حرصهم عليهِ وعلى تعزيزه ومِنْعَتِه؛ وتوافقوا، ضمن هذه الرُّؤية التَّكامُلِيَّةِ، على تشكيلِ مجموعةٍ قائدةٍ، مِن أهلِ الثِّقةِ والخبرةِ والنَّزاهةِ والبُعدِ عنِ المصلحةِ الذَّاتيَّة الضَّيِّقةِ من بينهِم، للتَّحضيرات لهذه الانتخاباتِ، سواءً حصلت هذه الانتخابات أم لم تحصل؛ فالأمر يتجاوز الانتخابات النِّيابيَّةِ في جوهرهِ، لِيّصُبَّ في الفاعِلِيَّة الوطنِيَّة الرَّئدةِ لخلاصِ الوطنِ.
4)ماذا لو انطلقَ ناسُ الطَّائفةِ السُّنِّيَّةِ، من واقعِ الفاعلِيَّةِ الوطنِيَّةِ العامَّةِ التي برزت تجاه طائفتهم مؤخَّرًا؛ وقدَّموا ما سيتوافقونَ عليهِ من رؤيةٍ لخلاصِهِم الذَّاتيَّ مِن هذا البؤسِ الوطنيِّ الذي يعيشون ويعايشون؛ ولتكن هذه الرُّؤيةُ برنامجَ عملٍ وَطَنِيٍّ سِياسيٍّ للوائحَ انتخابِيَّةٍ واحدةِ الرُّؤيةِ الوَطَنِيَّةِ ومُوحَّدةِ الرَّأي، تَشملُ سائرِ مناطقِهِم، وتلتفُّ حَولَها مُكوِّناتهم الانتخابيَّة كافَّة؟
5)ماذا لَوْ، تمكَّنَ أهلُّ السُّنَّةِ في لبنان، تالِيًا، عبر ما لديهم من قوى ثقافيَّةٍ واجتماعيَّةٍ وسياسيَّةٍ وطنِيَّةٍ، من تقديمِ رؤيةٍ مشتركةٍ لهم لِما يرون فيه نهجًا للخلاصِ من هذا البؤسِ المقيمِ والمَقيتِ القاتِلِ، الذي يُحيطُ باللُبنانيين كافّةً، ويعملُ على تشويهِ حياتِهم؟ ماذا لَوْ استخدمَ أهلُ السُّنَّةِ في لبنان، هذه الرُّؤيا التَّكامُلِيَّةِ في التَّحضيرِ للانْتِخابات النِّيابيَّةِ، حصلت هذهِ الانتخاباتُ أم لَمْ تحصلْ، لقيادّةِ الوطنِ، بجميعِ مكوِّناتِهِ، في إبعادِ ما يعيقُ مسارات النَّجاحِ والتَّقدُّمِ والإزدهار فيهِ، وما يُقَوِّضُ تآلفه المجتمعيِّ، ويُخرِّبِ تَفَوُّقًهُ الثَّقافيُّ ويُشتِّتَ شَمْلَهُ الوَطَنِيّ؟
6)ألاَ يمكنُ لهذه المبادرةِ، على إمعانِها في مثالِيَّةِ الفِكرِ، أن تكونَ مِن دواعي انصرافِ القَوْمِ عن تنافسٍ، ليس في زمانِهِ الاستراتيجيِّ الوَطَنيِّ أو في فاعليَّتهِ السِّاسِيَّةِ المُجْدِيَةِ لصالحِ الطَّائفةِ والوطنِ؛ إلى تكاملٍ هو أساسٌ لِطَرحِ استراتيجيَّةِ نهوضٍ وطنِيٍّ، يكون قدوةً للآخَرينَ مِن ناسِ الطَّوائفِ الدِّينيَّةِ في الوطنِ؛ كما يكونُ مُحَفِّزًا لنشوء فاعِلِيَّةٍ سياسيَّةٍ وطنِيَّةٍ بنَّاءةٍ؟!!
7)أَلَنْ يكونَ مِنَ الأجدى الابتعادَ عن مفهومِ التَّنافسِ الرَّاهنِ، الذي بدأ يتملَّك كثيرًا مِن مجتمعاتِ أهلِ السًّنَّةِ وتجمُّعاتِهِم، بَلْ صارَ يَطالُ بعضَ تلاقِيهِم الأُسَرِيِّ وتَفاعلاتِهِم العائليَّةِ، بِكُلِّ ما في هذا مِن أَذىً لِمصالِحِهِم الآنيَّةِ وتلكَ البَعيدةِ المَدى، وبكُلِّ ما فيهِ، أيْضًا وأيْضًا، مِن تَخريبٍ لِوُجودِهِم الذَاتيِّ وإضعافٍ تَغْيِّبيٍّ لِفاعلِيَّتهم الوَطَنِيَّةِ، التي هي اليوم في أَوْجٍ رائِعٍ لَها؟
صحيحٌ أَنَّها دعوةٌ، قد يَعتبِرُها بعض القومِ، مغرقةً في مثالِيَّتِها؛ لكن، ألا يُمكن للمثاليِّ أنْ يكونَ، في زمنِ التَّحدِيَّات المبدئيَّةِ الصَّعبةِ، حافِزًا لتحقيق وجوده الذَأتي عبر الممارسة العملِيَّة؟ ألم تكن معظم الابداعات الفكريَّةِ والجمالِيَّةِ، التي ما برحت تغني الثقافة الإنسانيَّة منذ أجيالٍ، وكذلك سائر المخترعات العمليَّة، بآلاتِها وتقنيَّتِها، والتي ما انفكَّت تعملُ على تيسيرِ العيشِ اليَوْمِيِّ للبَشَرِ؛ مُجَرَّدَ أفكارٍ ورُؤىً مِثالِيَّة، دارت في بدايتِها في فِكْرِ فردٍ واحدٍ، أو خَطَرَت بِبالِ مَجمُوعَةٍ محدَّدةٍ مِنْهُم؟