IMLebanon

تيّار يسبح عكس التيّار

كتب شربل عازار في “نداء الوطن”:

في حديثه الأخير الى التلفزيون الفرنسي «فرانس 24» أعلن رئيس التيّار الوطنيّ الحرّ النائب جبران باسيل: أنّ «سلاح حزب الله يحمي اللبنانيّين. وأن لديه وظيفة الدفاع عن لبنان وسيادته». وأكد «العزم والنيّة على تعميق التحالف مع حزب الله وترسيخ وحدة الحال معه. وانّه علينا ألا نقبل بعزل حزب الله.»

يحتار المرء من أين يبدأ.

هذا هو رئيس التيّار العوني، الباسيلي او «الوطنيّ الحرّ»، لا فرق فالتسميات كلّها لنفس المسمّى!! هذا التيّار الذي بنى كلَّ أمجاده على محاربة الميليشيا كونه اعتبر نفسه «الجيش الشرعي»!! وهو لم يكن كذلك، بل كان الجيش الشرعي في حينها بقيادة العماد لحود في عهد الرئيس الهراوي.

أراد هذا التيّار، تحت ذريعة أنّه «الجيش اللبناني»، السيطرة على المرافئ والمرافق والمعابر والغاء الميليشيا مطالباً بحصر السلاح في يده، أي بيد القوى التي كانت بقيادة العماد عون.

طبعاً، الجميع كان يعرف أن المقصود هو فقط السيطرة على مناطق نفوذ القوات اللبنانية، ولم يكن في ذهن العماد عون ولا في رغبته ولا في قدرته في حينه التوجّه الى مناطق نفوذ ميليشيات حركة أمل و»حزب الله» والاشتراكي والقومي والمردة والفلسطينيين والسوريين وغيرهم، المقصود كان فقط أهل البيت في «الشرقيّة».

هذا التيّار يؤكد اليوم بلسان رئيسه بالتوريث، وليس بانتخابات ديمقراطيّة، أن سلاح «حزب الله» يحمي اللبنانيّين. يا للمفارقة !!

على كلٍّ وعلى سبيل الاستطراد، قولوا لنا بربّكم مِمَّن يحمي اللبنانيّين هذا السلاح؟ مِن تجّار المخدّرات؟ مِن سارقي السيّارات؟ مِن خاطفي الكبار والأطفال؟ مِن مستبيحي الحدود؟ من مهدّدي القضاة والقضاء؟ مِن ومِن……

وما وظيفة ودور القوى الامنية الشرعيّة في هذه الحالة إذاً؟ ومن ثُمَّ يُكمل النائب باسيل أنّ لسلاح «حزب الله» وظيفة الدفاع عن لبنان وسيادته. طبعاً يقصد سعادته الدفاع عن لبنان بوجه إسرائيل.

هل يحدّد لنا النائب باسيل أسباب الصراع الحاليّة مع «العدو الصهيوني»؟

اذا كان المقصود مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشرقي من بلدة الغجر، فلطالما صَرَّحَت اسرائيل أنها احتلتها في العام 1967 مع الجولان السوريّة لانّها كانت ضمن حدود الدولة السوريّة، وقد أبلغت الأمم المتحدة أنّها مستعدة للانسحاب منها إذا ثَبُت واعترفت سوريا خطّياً أنّها أراضٍ لبنانيّة.

وطالما أنّ العلاقة بين النظام السوري و»حزب الله» والرئيس عون والنائب باسيل والتيّار الحرّ على أفضل ما يكون، فلماذا لا نأتي بالاعتراف الخطيّ من سوريا بلبنانيّة المزارع والتلال والغجر ونرسله الى الأمم المتحدّة ليُبنى على الشيء مقتضاه.

وإذا كان المقصود أنّ الحدود البحريّة هي سبب النزاع مع العدو، فَلْتُعلِن الدولة اللبنانيّة حدودها البحريّة ولتُبلِغها نهائياً الى الأمم المتحدة، وليس على طريقة الهواة فتكون الحدود يوماً على الخط 23 ويوماً على الخط 29 ويوماً على خط… الله وأعلم ولأيّ أسباب هذا الضياع.

وفي مطلق الأحوال، ولو افترضنا جدلاً أنّ لبنان قام بكلّ ما عليه القيام به قانوناً لاسترجاع أرضه وبحره ورفض العدو الإسرائيلي الانسحاب منها، وبقيت الاعتداءات الإسرائيلية قائمة وطيرانها يخرق الاجواء اللبنانية، كما هو يفعل منذ سنين طويلة، ليذهب ويقصف في سوريا او ليتجسّس على لبنان، فلماذا لا يتصدّى لها سلاح «حزب الله» طالما وظيفته الدفاع عن لبنان وسيادته؟ أم انّ سعادة النائب من القائلين أنّنا نحتفظ بحقّ الردّ في العقود والقرون المقبلة؟

ويُكمل النائب باسيل في مقابلته مع التلفزيون الفرنسي مؤكّداً نيّته تعميق التحالف مع «حزب الله»!

هل يُصَدِّق النائب باسيل في قرارة نفسه أنّه متحالف مع «حزب الله» من النَدّ للنَدّ؟ طبعاً لا.

فقد كان التيّار بشخص رئيسه يُمارِس التبعيّة المُطلَقَة لـ»حزب الله»، امّا اليوم فهو يرجو الذوبان الكامل في «حزب الله» لأنّ الحزب هو حاميه الوحيد وما يقوله وما يُبشّر به باسيل يتفوّق فيه على قيادات «حزب الله» نفسها وحتى على القيادة الإيرانية.

أمّا مسك الختام عند النائب باسيل فهو تأكيده «أنّه لا يقبل بعزل حزب الله». لا داعي لأن يقنعنا باسيل بخياره هذا. فهو طبعاً لا يقبل بعزل «حزب الله» لأنّه اصبح وليّ نعمته وجزءاً لا يتجزأ منه.

لكن وبالمقابل وبفعل سياسة الحزب والعهد يقبل النائب باسيل بِعَزل لبنان عن محيطه العربي والخليجي والدولي على أمَلِ التوريث السياسي والرئاسي.

تُرى هل كان كلّ تاريخنا خطأ حين قاوم أجدادنا الامبراطوريّات القديمة وصولاً الى المماليك والعثمانيين والفرنسيّين والفلسطينيّين والسوريّين؟ هل كان تاريخ الإمارتين المَعَنَيّة والشهابيّة خطأ؟

هل كان تاريخ وادي قنوبين واستشهاد البطاركة والمقدّمين والأمراء جَهلاً وخطأ؟ هل أخطأ البطريرك الحويّك إبن منطقة البترون حين طالب باسم كل اللبنانيّين بدولة لبنان الكبير ونالها؟ هل أخطأ البطريرك عريضة إبن بشرّي حين ناضل مع الجميع من أجل استقلال لبنان وناله؟ هل أخطأ البطريرك صفير إبن كسروان لأنّه دافع عن استقلال لبنان الثاني وحقّقه؟ هل يُخطئ البطريرك الراعي إبن المتن حين يُطالب بالحياد وبعقد مؤتمر دولي من أجل حماية لبنان ودستوره؟

(طبعاً طبعاً وبالتأكيد لا يغيب عن بالنا كلّ شهداء وأبطال وعظماء بلادي، ومن كلّ الطوائف والمناطق وفي كلِّ الحقبات، وهم الذين أفنوا عمرهم في سبيل الوطن والتجذّر في الأرض والكيان والحريّة والدولة والدستور).

هل كان على أجدادنا الاستسلام والتخلّي عن الأرض والوطن والكرامة والحريّة والهويّة؟

وإذا كان الجواب كلّا فلماذا يسير رئيس التيّار الحرّ بغير خَطِّهِم التاريخي؟

في خُلْدِ مؤسّس التيّار ورئيسه بالتوريث من بعده، أنّ التاريخ يبدأ بهما ولن ينتهي أبداً لأنّهما خالدان.

تيّار يسبح عكس التاريخ، تيّار يسبح عكس التيّار.