كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:
الوضع الأمني المتفلّت والفوضى المستشرية، أكثر ما يقلق الشارع الطرابلسي ويقضّ مضاجع الناس. وإذا ما أضيف إليهما الهم المعيشي والفقر، فإن طرابلس مدينة رئيس الحكومة ووزير الداخلية في وضع أمني واجتماعي مقلق للغاية. حالات القتل والثأر التي تحصل بشكل متواصل في طرابلس، وانكفاء بعض الأجهزة الأمنية عن القيام بمهامها؛ في العديد من الأحيان، يوحيان بتراجع الدولة وتقهقرها، وهو واقع يرخي بظلاله على أجواء المدينة رغماً عن خاطر الأغلبية الساحقة من أهلها. هنا في طرابلس ثقل الدولة وتمركزها: رئيس الحكومة ووزير الداخلية من هذه المدينة، ومع ذلك الفلتان الأمني هو الطاغي، وانعدام فرص العمل أمام الجيل الشاب، وغياب واضح للبلدية والسياسيين ودار الفتوى والمرجعيات الدينية المختلفة عن متابعة شؤون الناس وشجونها. في غمرة هذا الوضع الشائك في الفيحاء، جاءت حادثة إقدام مسلحين مجهولين على قتل أحمد الأيوبي العضو في «الحزب السوري القومي الإجتماعي» في 7 الجاري في منطقة محرم، وكان على دراجة نارية إلى جانب صديق له، جندي في الجيش اللبناني، لتضفي على الوضع المتأزم أمنياً، تأزماً إضافياً. وبعيداً من التحليلات والتكنهات في خلفية ما حصل والجهة المستهدَفة والمستهدِفة.
وقبل إلقاء أي أبعاد أمنية أو سياسية أو أبعاد ذات طابع تشددي على ما حصل، ثمة تساؤل يُطرح: ماذا لو كان القتيل هو العنصر في الجيش اللبناني؟ هل كانت الجريمة ستوضع في إطار استهداف للجيش من طرابلس؟ ومن هو المستهدف بالفعل منهما؟ وجدير بالذكر أن قيادة الحزب القومي، جناح أسعد حردان، نعت القتيل وقالت إنه من القوميين المنخرطين في العمل المقاوم ضدّ الإرهاب والإحتلال.
المؤكد أن طرابلس تمر بفترة صعبة على الصعيدين الأمني والإجتماعي، وأما الخلفيات والملابسات الأمنية، فعلى الأجهزة الأمنية كشفها وإماطة اللثام عنها.
زيارة قائد الجيش
في ظل هذا الوضع الأمني المتفلت وصل قائد الجيش العماد جوزاف عون إلى طرابلس صباح أمس،على متن طوافة عسكرية حطت في المعرض، ووسط انتشار أمني كثيف لعناصر الجيش اللبناني، في زيارة كانت لافتة في الشكل، سيما وأن جدول أعمالها شمل اجتماعات ولقاءات مع المرجعيات الدينية ولا سياسة فيها. الزيارة التي وضعها مصدر عسكري شمالي في إطارها الروتيني، كونها كانت محددة مسبقاً بمواعيدها وتوقيتها ولم يربطها بأي مستجدات أمنية حصلت في الساعات الأخيرة في طرابلس، إلا أن الهمّ الأمني لم يغب عنها. وأشارت أوساط إلى أن «قائد الجيش أراد من زيارة المرجعيات الدينية الإسلامية والمسيحية في طرابلس، البحث معها في مشاكل المدينة الأمنية المتصاعدة، والتأكيد على دور هذه المرجعيات في تهدئة الخطاب الطائفي والمذهبي المتصاعد، كونه يساعد الجيش اللبناني الذي يعمل شبه وحيد في هذه الفترة الصعبة، على ضبط الأمن وعدم حدوث أي اختراق للساحة الطرابلسية، قد يؤدي إلى فلتان واسع». ورأت الأوساط أن شكل الزيارة يدلل «على أن قائد الجيش لم يعد يعوّل على أي دور للسياسيين في المدينة، من شأنه أن يساعد في ضبط الأوضاع».
وأتت هذه الزيارة في وقت يهرب فيه شباب طرابلس إلى العراق ويلتحقون بـ»داعش»، خوفاً من وثيقة إتصال أو هرباً من وضع اجتماعي مزرٍ. وبانتظار أن تتكشف نتائج الزيارة في الأيام المقبلة، فإن من شأن وقف هذه الوثائق وقيام المرجعيات الدينية بدورها التوعوي الإرشادي الجامع، أن يخفف من وطأة الأزمة في طرابلس.