Site icon IMLebanon

بوادر هوكستين الإيجابية للترسيم: الأهمية للثروة لا الخطوط

كتب منير الربيع في “المدن”:

مهلة جديدة أعطاها المبعوث الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكستين اين لإنجاز ملف ترسيم الحدود. ووصف هوكستين مسعاه بأنه فرصة لا بد من استثمارها، وإتمامها خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

خطوط ثلاثة

وليس بسيطاً أن يزور هوكستين، وهو أعلى مسؤول أميركي لشؤون الطاقة، لبنان، في مرحلة يشهد فيها العالم صراعاً حول النفط والغاز، وفي ظل التوتر الأميركي- الروسي في أوكرانيا. ويصر الأميركيون على إنجاز ملف ترسيم الحدود قريباً، وإلا سيكون لبنان خارج نطاق الدول التي نجحت في ترتيب علاقاتها النفطية والغازية. وقبل سنوات كانت أمام لبنان نماذج متعددة لخطوط النفط والغاز: النموذج الأول هو تحالف دول شرق المتوسط، والذي يضم مصر، اليونان، قبرص، وإسرائيل. والنموذج الثاني هو الخط التركي- القطري، والذي أبرم اتفاقاً مع ليبيا. والخط الثالث غير موجود أو ناشئ حديثاً، وهو صنيع طموح إيراني للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط.

وقبل فترة سحب الأميركيون الغطاء عن خط إيست ميد، واعتبروا أنه غير ذي جدوى، لأنه يحتاج إلى مبالغ مالية مرتفعة جداً ليصبح ناجزاً. وهم فضلوا إعادة الربط عبر الأنابيب النفطية التركية. حصل ذلك على وقع التقارب التركي- الإسرائيلي، والتركي- الخليجي، وتحديداً مع السعودية والإمارات، والتركي- المصري. ولطالما اعتبرت تركيا أنها قادرة على لعب دور محوري في مجال النفط والغاز، خصوصاً أن لديها أنابيب جاهزة تصل إلى أوروبا. وهوكستين هو أحد أبرز مؤيدي فكرة التخلي عن البحث عن تمويل أنابيب تحالف دول شرق المتوسط، وهو أكثر من ذلك يؤيد مسألة الغاز المسال والذي تكون عملية نقله أسرع.

بوادر إيجابية

وسط هذه التطورات العالمية حطّ هوكستين في بيروت، لإعادة البحث في ملف ترسيم الحدود مجدداً. وحسبما تشير مصادر متابعة، قدم الرجل عرضاً جديداً وإيجابياً، قريب من الخط 23. وكأنما هناك بوادر اقتناع أميركي بمنح لبنان المساحة التي يطالب بها، أي 860 كلم مربع، فيما يسعى لبنان إلى الحفاظ على حقل قانا. ومن هنا اقترح فكرة الخطّ المتعرج، أي الحصول على 860 كلم مربع، مع الحفاظ على حقل قانا لتحتوي المساحة التي يطالب غازاً ونفطاً، من خلال الخط المتعرج الذي من المفترض أن يحفظ حق لبنان بحقل قانا كاملاً.

لكن ثمة مشكلة طرحها المسؤولون اللبنانيون، وهي ماذا لو ظهرت حقول جديدة لبنانية المنابع، وتمتد إلى ما بعد الخطّ في حال أنجز ملف الترسيم ورسم الخطوط؟ هنا أجاب هوكستين بأنه سيحمل لهم جواباً شافياً وحلاً متكاملاً عندما يكون جوابهم جاهز بشأن العرض الذي تقدم به.

لا تزال المصادر الرسمية متكتمة حول تفاصيل العرض، غير مسألة الاقتراب من تنازل الأميركيين عن مبدأ خط هوف لصالح الاعتراف بحدود لبنان وفق الخط 23. والأهم أن هوكستين أراد معرفة موقف حزب الله، وإذا كان يوافق على ذلك، فتبلغ أن الحزب يقف خلف موقف الدولة اللبنانية. في المقابل، تشير مصادر متابعة إلى أن حزب الله وكما قال نصر الله  لا يعترف بحدود مع إسرائيل، ويفضل الحصول على أقصى مساحة ممكنة، كالخط 29. وهذا أمر تعتبره مصادر أخرى نقطة تفاوض.

وتقول المصادر إن المسألة لم تعد مرتبطة بالخطوط، لا بالخط 23 ولا بالخط 29، إنما بالبحث في الحقول الموجودة في عمق البحر. وبما أن لبنان يرفض بشكل قاطع أي فكرة للتقاسم أو لقيام أي شركات بالتنقيب المشترك في الحقول بين لبنان وإسرائيل، فقد قدم هوكستين اقتراحاً بأن يتم تقاسم الحقول تحت البحر، وتحديداً في المنطقة المتنازع عليها، وتوزيعها بالتوازي، لأن الهدف ليس اكتساب مساحة أكبر من الماء، إنما من الثروة النفطية. وطلب هوكستين من المسؤولين اللبنانيين البحث في هذا الخيار، وبحال تمت الموافقة عليه يعني أن عملية الترسيم تصبح منجزة بحكم آلية توزيع الحقول، والتي قد تنتج خطاً متعرجاً لعملية الترسيم هذه. وأعطى هوكستين أسابيع قليلة لدراسة الجدوى وتقديم الجواب، وأبدى الاستعداد للعودة إلى إسرائيل ولبنان للإعلان عن هذا الاتفاق وضمان آلية واضحة للتوزيع.

اتفاقات إقليمية؟

وعلى هامش المباحثات التي أجراها هوكستين، تسربت معلومات في بيروت، حول دخول بعض الأفرقاء في مفاوضات معه حول الاستعداد للإسراع في إنجاز الملف مقابل تحصيل مكاسب سياسية. كإعادة الانفتاح الأميركي على شخصيات سياسية انقطع التواصل معها بفعل العقوبات. وهنا المقصود جبران باسيل، مع إمكانية البحث في رفع العقوبات عنه. لكن مصادر متابعة نفت بشكل كامل مثل هذا الأمر، معتبرة أن هوكستين ليس في وارد البحث بأي ملف سياسي. وهو يعتبر أن لا قدرة لديه للبحث في إعادة تعويم أي شخصية سياسية. ومسألة رفع العقوبات لا يمكن أن تبحث في ظل إعلان التيار الوطني الحر التحالف مع حزب الله انتخابياً، وخصوصاً ان باسيل يضع ذلك في اطار العقوبات السياسية، بسبب موقفه من الحزب ورفضه الانقلاب على اتفاق مار مخايل. إلا إذا كان باسيل يراهن على اتفاق إيراني- أميركي.

وكأن ما يجري هو في سبيل تحضير المشهد بانتظار حصول الاتفاق الإقليمي، وتحديداً الاتفاق النووي. فلموضوع النفط والغاز متممات إقليمية ودولية لا بد من ربطها بمسارات متعددة، أهمها السياسة الدولية حول هذا الملف. من هنا ثمة أسئلة تتجاوز عملية الترسيم لتطال مرحلة الحفر والتنقيب بعد إنجازه، وما هي الشركات التي ستقوم بذلك، وكيف سيتم استخراج هذا الغاز من لبنان ونقله إلى دول أخرى، وعبر أي أنابيب. فهذه كلها أمور لا بد من احتسابها في هذه المرحلة.

ومن هنا ثمة أسئلة عديدة تطرح في هذا المجال. فماذا عن أنبوب الغاز الذي يتم السعي إلى إنشائه بين إسرائيل وتركيا؟ وهو أمر سيتم بحثه خلال زيارة الرئيس الإسرائيلي إلى تركيا. وهنا تقول مصادر متابعة إن هناك قطبة مخفية أكبر في هذا الملف، تتجاوز مسألة حقل قانا أو حقل كاريش. وهل من علاقة لهذا بالأنبوب التركي- الإسرائيلي، بما يمكن أن يتم التوصل إليه بخصوص الترسيم في لبنان؟ وهل سيمر هذا الأنبوب بالقرب من المياه اللبنانية؟ وهل يمكن ربط هذه الأسئلة، بزيارة وزير الخارجية التركي قبل فترة إلى لبنان وإعلانه الاستعداد للتعاون مع لبنان في مجال النفط، إضافة إلى الزيارة التي أجراها مؤخراً رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى تركيا؟