كتب سعد الياس في “القدس العربي”:
أبرز ما حمله الأسبوع المنصرم هو الاستهداف الذي طال قيادة الجيش اللبناني من قبل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي ينظر بريبة إلى زيارات السفيرة الأميركية دوروثي شيا إلى مقر القيادة في اليرزة، كما من الزيارات الخاصة التي يقوم بها قائد الجيش العماد جوزف عون إلى واشنطن والتنسيق الدائم بين الجيشين اللبناني والأميركي وما يتخلله من مساعدات عسكرية.
ولم يتردّد نصرالله في التصويب مباشرة على مؤسسة الجيش من خلال قوله «لا يوجد احتلال أميركي في لبنان، بل نفوذ سياسي ومالي وعسكري. ولا توجد قواعد عسكرية أميركية في لبنان، لكن لديهم حضور في المؤسسة العسكرية وهناك ضباط أميركيون في اليرزة والسفيرة الأميركية لا تتعزّل من هناك ولازقة بالجيش». وفي هذا الكلام الصادر عن أمين عام حزب الله تشكيك بأحد أركان المعادلة الثلاثية الذهبية التي كان يتباهى بها حزب الله وهي «جيش وشعب ومقاومة» ثم فيه تخوين ضمني للجيش وإتهام غير مباشر للمؤسسة العسكرية هو الأول من نوعه تجاه الجيش الذي كان نصرالله حتى الأمس القريب يعتبر أنه «لا ينبغي إيجاد عداء وتصويب على الجيش» ويرى «أن وحدة لبنان مرهونة بالدرجة الأولى بمؤسسة الجيش».
والواقع أن نظرة نصرالله إلى الجيش تتبدّل بحسب تناغم أداء المؤسسة العسكرية مع توجهات حزب الله، فإذا وقف الجيش متفرّجاً على ممارسات الحزب سواء في 7 أيار في بيروت أو في قرى الجنوب لدى التعرض لقوات اليونيفيل يكون الجيش عظيماً، وإذا تدخّل الجيش للإفراج عن مقاومين مع راجمة صواريخهم في بلدة شويا الدرزية تكون عناصر المعادلة الذهبية مكتملة، أما إذا بادر الجيش اللبناني لإطلاق النار في الطيونة حماية لأهالي عين الرمانة ولمنع متظاهرين للثنائي الشيعي من استخدام أسلحتهم وإطلاق قذائف الأر بي جي فيتحوّل عندها إلى متهم، وإذا لم يبادر الجيش إلى فتح الطرقات بالقوة في انتفاضة 17 تشرين الأول وعند طريق خلدة الجنوب فيكون أيضاً مشتبهاً به.
وبدا أن نصرالله بتصويبه على الجيش في اطلالته الأخيرة استهدف ثالث ركيزة من الركائز الأساسية التي ينظر إليها المسيحيون ولاسيما بكركي كثوابت أخيرة حامية للدولة وللكيان وهي: الجيش ومصرف لبنان والقضاء. فبعد شلّ القضاء وتعطيل عمل المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت لعدم كشف الحقيقة ومن استقدم نيترات الأمونيوم واستخدمها وفجّرها وقبل ذلك عدم تسليم المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وشهداء ثورة الأرز، وبعد تشويه صورة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وملاحقته قانونياً وتحميله منفرداً بمعزل عن الطبقة السياسية مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع المالية في البلاد من انهيار نقدي ومن ارتفاع لسعر صرف الدولار، جاء اليوم دور قيادة الجيش التي تمثّل ضمانة أخيرة للموارنة والمسيحيين على الرغم من كل الملاحظات على أداء القيادة في فترات سابقة.
من هنا يأتي دفاع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عن القضاء وعن حاكم مصرف لبنان وعن قائد الجيش، هو الذي يخشى أن يفقد المسيحيون مزيداً من المواقع التي شكّلت على مدى سنوات ضمانات لهم ولوجودهم بعدما باتوا أقلية في لبنان. ويدرك البطريرك أن هناك محاولات لوضع اليد على هذه المواقع أو تعطيل فعاليتها تباعاً، وما دفاعه عن مصرف لبنان في عظته الأخيرة إلا لأنه لأنه يخشى من تطيير الحاكم الماروني وعدم التوافق على تعيين بديل له بوجود الخلافات المستحكمة بين الرؤساء الثلاثة حول هذه المسألة، ما يجعل الحاكمية تؤول مؤقتاً إلى النائب الأول للحاكم وهو شيعي، وبما أن المؤقت في لبنان يتحوّل إلى دائم كما حصل بانتقال منصب المدير العام للأمن العام من ماروني إلى شيعي، فالخوف لدى الراعي هو أن تتهاوى هذه المراكز وأن يخسرها المسيحيون ولا يستردونها.
وبعد تصويب نصرالله على الجيش، يتساءل البعض كيف يسمح أمين عام حزب الله لنفسه بتخوين الجميع واتهامهم بأنهم «جماعة سفارات» في وقت هو ذاته تباهى بأن سلاحه وأمواله وتجهيزاته تأتي من إيران. وإذا كان هذا البعض استغرب كيف لم ترد مديرية التوجيه في الجيش على كلام نصرالله وتقول له لا شأن لك بأوضاع المؤسسة العسكرية ونحن نعرف شغلنا ولست أنت كقائد ميليشيا من يحدّد لنا من نستقبل ومع مَن نتعاون، فإن البعض الآخر يعتبر أن الرد يُفترض أن يأتي أولاً من رئيس الجمهورية ميشال عون الذي كان بدوره قائداً للجيش ويعرف مدى التعاون بين المؤسسة العسكرية ودول الغرب وفي طليعتها الولايات المتحدة وفرنسا، ويعرف أنه لولا هذه المساعدات العسكرية لما استطاع الجيش الانتصار في معركة «فجر الجرود».
ويسأل بعضهم «ماذا تغيّر كي يؤجّج نصرالله الشك بالجيش بعدما كان هو نفسه يبدي الحرص على عدم وجوب السماح لأحد بزرع الفتنة بين الجيش اللبناني من جهة والمقاومة من جهة أخرى؟ وهل اصبحت تقوية الجيش من قبل الولايات المتحدة تنشر الريبة لديه وهو الذي كان يشكو من ضعف الجيش وعدم مدّه بعناصر القوة لمواجهة أي عدوان خارجي وتحديداً إسرائيلي؟ وهو الذي قال يوماً إن الحزب مع تسليح الجيش حتى لو كان مصدر هذا العتاد الولايات المتحدة نفسها؟! أم أن مواقفه السابقة من تقوية الجيش وتسليحه كانت مجرد مواقف إعلامية والحقيقة هي أنه كان يستخدمها لتبرير الاحتفاظ بسلاحه وترسانته الصاروخية لأهداف لم تعد تخفى على أحد وهي الهيمنة على البلد وليس مواجهة إسرائيل؟!».
يبقى أن الأسلوب الذي بدأ نصرالله يستخدمه ضد قيادة الجيش يشبه الأسلوب الذي استخدمه ضد المحقق العدلي، وقد لا يتوانى أمين عام الحزب من تصعيد نبرته ضد القائد جوزف عون واتهامه بأنه «يشتغل سياسة» كما حصل مع القاضي طارق البيطار، وذلك بهدف محاصرته وقطع طريق الرئاسة أمامه خصوصاً كمرشح بارز لرئاسة الجمهورية لم يقدّم أوراق اعتماده لدويلة حزب الله كما فعل غيره قبل بلوغه قصر بعبدا، وإن فعل فلا قيامة للبنان ولا نهوضاً من القعر.