IMLebanon

انكفاءُ سعد: نهايةُ بهاء.. وخاتمة محزنة لمشروع رفيق الحريري

كتب منير الربيع في “المدن”:

أليمة كانت رسالة باسم السبع إلى رفيق الحريري. فيها الكثير من العواطف. وتتضمن مطالعة دفاعية عن سعد الحريري. وبدا السبع -وهو أحد رواد تلك الحقبة التاريخية الطويلة- وكأنه يطوي صفحة بدمعة وغصّة، قائلاً إن الطريق إلى جهنّم معبدة بالنوايا الحسنة. وتطرقت الرسالة إلى أمور عائلية، فيما أزمة تيار المستقبل وآل الحريري أزمة مشروع، هو مشروع رفيق الحريري.

صمت وكسوف

واختار سعد الحريري الصمت في هذه الذكرى 17 لاغتيال والده، خلافاً لشقيقه الأكبر بهاء الذي ظهور وأطل من بعيد، على نحو كشف عن هشاشة سياسية بلا مثيل، وكأنه أسرع بخطى حثيثة نحو إعلان الكسوف الكلّي لمن يقدّمون أنفسهم أصحابَ المشروع الحريري أو الرؤية الحريرية.

والحق أنه لم يعد هناك من مشروع اسمه رفيق الحريري، بعد إعلان سعد الحريري تعليق عمله السياسي. وكل خروج على هذا الاعلان، كحركة بهاء الحريري، لا يمتلك أي رؤية سياسية.

لم يظهر بهاء أي قدرة على تبني مشروع سياسي يمكن أن يشكل رافعة، وتكتب له الحياة في المرحلة المقبلة. ولحظة إعلان سعد الحريري الانكفاء وتعليق عمله السياسي، تهاوى المشروع المفترض لأخيه بهاء. لقد فقد بهاء حماسته للعودة إلى بيروت، وتقلصت طموحات ترشيحه شخصيات كثيرة في مناطق لبنانية شتى. وكأن ثمة وظيفة أو دور انتهيا. دور عابر بلا مشروع، وقد ينتهي قبل موعد الانتخابات النيابية، ويعود صاحبه إلى أعماله واستثماراته.

ومحاكمة ظاهرة بهاء الحريري على هذا النحو، باعثه أنه يتكلم باسم الحريرية بصفتها تركة أو ميراث، فيما هو في قطيعة تامة مع جمهور والده. فليس طبيعياً لغائب طوال 17 سنة، أن يستفيق فجأة على طموح سياسي ناجز. هكذا فجأة، من دون أن يشعر أحد أنه يهتم بالعمل السياسي، لا إلى جانب شقيقه، ولا حتى في مخاصمته، ولا من باب الخدمات الاجتماعية.

واللحظة التي قرر فيها بهاء الظهور، ارتبطت بمحاولته إنهاء أخيه سعد الحريري سياسياً، سواء في العام 2017 أو حالياً.

فوضى غير خلاقة

وفيما تشي رسالة باسم السبع بأنها وداعية، يكرر سعد الحريري في مجالسه أنه قرر الخروج من السياسة مرحلياً، كمحارب يريد أن يأخذ استراحة. لكن حتى طريقته في إعلان رغبته في الاستراحة وظروفها، لم تكن منظمة ولا واضحة. وهي تشبه قراراته وسلوكه منذ دخوله معترك السياسة: قال للنواب ألا يترشحوا باسمه للنيابة، ولم يطلب من تياره وقف العمل السياسي، ولا قال للتيار ما هو موقفه من الانتخابات، ولم يعلن مشاركته فيها ولا مقاطعتها. وهذا يحمل كل طرف ترجمة أقوال سعد الحريري ومواقفه على طريقته وأهوائه الخاصة، لتلائم مصلحته.

فكأن الحريري يحاول في هذه الحال أن يقول الجميع في الداخل والخارج، إن الفوضى حاصلة من دونه. لذا يصح في خياراته السياسية الحالية والسابقة ما قاله المتنبي: “وَوَضْعُ النّدى في موْضعِ السّيفِ بالعلى/ مضرٌّ كوضْع السيفِ في موضع النّدى”.

خاتمة محزنة

أما الأسف الأكبر فعلى رفيق الحريري ومشروعه. وهذا ما عبّر عنه باسم السبع في رسالته. أما ابناه فمختلفان في كل شيء وعلى كل شيء، إلا في تبديدهما الإرث والمشروع. وكانت طفرة بهاء سريعة. وربما لم يكن لها من وظيفة سوى تصغير حجم رفيق الحريري ومشروعه إلى أمر عائلي، أو إلى صراع على تركة أو ميراث. وربما كانت له وظيفة أخرى: إنهاء سعد أو طي تلك الصفحة بأسى يعمق الجرح.

وتفيد معلومات أن بهاء قرر الانكفاء عن كل شيء. وربما غادر أحد ممثليه السياسيين البلاد. وفي إطلالته الأخيرة، كان ركيكاً سياسياً في كلامه المنطوي على خرافات سياسية: كاعتباره أن التحالف الرباعي كان هدفه مواجهة حزب الله. أما رؤيته للوحدة الوطنية فتختصرها شراكته مع روبير فاضل في المجمعات التجارية.

كأن هذا الصراع الصغير بين أخوين يضع خاتمة محزنة لإغلاق بيت سياسي مثّل مشروعاً كبيراً.