كتب د. ميشال الشماعي في “نداء الوطن”:
يحمل رئيس الجمهورية ميشال عون في ثنايا شخصيته الكثير من التناقضات. هو الذي سعى منذ وصوله إلى قيادة الجيش في العام 1984 إلى رئاسة الجمهوريّة. شنّ حرب التحرير وفشل وعاد فشنّ حرب الالغاء على «القوات اللبنانية» بحجّة توحيد البندقيّة تاركاً الميليشيات الأخرى؛ لكأنّه يبرّر حقّها في حمل السلاح. والنتيجة كانت بانهزامه وبتدمير آخر حصن من الحصون الممانعة أمام الاحتلال السوري الذي دخل المنطقة الشرقيّة آنذاك، بعدما انهكها الجنرال المتمرّد بحروبه القاتلة.
رَعَتِ المملكة العربيّة السعوديّة اتّفاق الطائف مع النواب والحكومة اللبنانية التي كانت برئاسة سليم الحصّ في المنطقة التي عُرفت ببيروت الغربيّة. وقد اعتبره عون آنذاك غير شرعي وبقي ينتقده من منفاه الباريسي حيث قاد حركة مقاومة الوجود السوري من هناك، فيما مناصروه في لبنان يتعرّضون للإعتقالات والاضطهادات حتّى تاريخ عودته إلى لبنان بعد خمسة عشر عاماً قضاها في منفاه، بعد اغتيال الرئيس الحريري في 14 شباط 2005 والذي تلته ثورة 14 آذار ليخرج بعدها الجيش السوري في 26 نيسان من العام نفسه.
شارك في انتخابات 2005 متذرّعاً بأنّه طُوِّقَ من قوى 14 آذار، وهذا ما استخدمه ذريعة شعبويّة ليحصد أكثر من 70% من أصوات المسيحيّين. فدخل البرلمان حليفاً للسلاح غير الشرعي وللميليشيا المسلّحة بعدما كان في منفاه الباريسي المحارب الأوّل لهذا النهج في الحياة السياسيّة. ووقّع مع «حزب الله» تفاهم مار مخايل في 6 شباط 2006 ليعلن بعدها في كانون الأوّل 2007 عندما زار بشّار الأسد في سوريا ولاءه المطلق لهذا المحور. ولم يتكبّد أيّ عناء ليسأل الرئيس الأسد وقتذاك عن مصير عسكريّيه الذين اقتادهم الجيش السوري بعد غزوه بعبدا في 13 تشرين الأول 1990.
هو الذي ذهب بعداوته قبل 6 شباط إلى تأجيج الخصومة الإيديولوجيّة مع «حزب الله» بقوله ذات يوم: «الفرس هاجمين عليكن. واللي ما بيعرف شو يعني ولاية الفقيه يروح يسأل».
هذا التحالف جرّ الويلات على لبنان كلّه. وجاءت أبرز ترجماته بانخفاض الليرة اللبنانيّة إلى أدنى مستوياتها. فيما أصبح لبنان منعزلاً عن عمقه العربي الحيوي بعد مواقف حليفه، أي «حزب الله»، من المملكة العربيّة السعوديّة ودول مجلس التعاون الخليجي، ومواقفه من حرب اليمن ومشاركته ميدانيّاً بها، تدريباً وقتالاً على حدّ ما صرّح أمين عام «حزب الله» في أكثر من مناسبة. وهذا ما أوصل البلاد إلى أزمة اقتصاديّة هي الأسوأ في العالم منذ تاريخ الحروب العالميّة. ما أدّى إلى ثورة 17 تشرين الأول في العام 2019. ليردّ فخامته على الثوار في حديث متلفزٍ: «إذا ما عندن أوادم بهالدولة يروحوا يهاجروا».
هو الذي ادّعى أبوّة القرار 1559 الذي ينصّ على خروج الجيش السوري وتسليم كلّ الميليشيات سلاحها للدولة اللبنانيّة. ليعود ويعتبره غير واقعي استناداً إلى أحكام مسبقة بأنّه غير قابل للتنفيذ.
يكفي أن نستذكر موقفه من غزوة 7 أيّار، أيّ بعد عام واحد على زيارته سوريا، حيث كان أوّل المدافعين عن الميليشيا ملقياً اللوم على الحكومة التي اتّخذت قراراً في الخامس من أيّار، ووصف مَن اتّخذ هذا القرار بالأحمق.
غطّى تسوية الدوحة في العام 2008 وانتقل إلى محاربة الرئيس ميشال سليمان، ومنع إعطاءه كتلة وزاريّة خاصّة به. واعتبر ذلك حقّاً مكتسباً له ولتيّاره ليضع سبابته على زناد التعطيل كلّما سجّل خصومه نقاطاً متقدّمة عليه بالسياسة، يوم صار هو في بعبدا بعدما وقّع اتّفاق معراب وانقلب عليه بعدما وصل إلى بعبدا. وذلك بموجب اتّفاق الطائف الذي اعتبره غير شرعيّ وصار رئيساً بموجبه.
يقول تياره عن الرئيس برّي بلطجي وينتخبونه لرئاسة مجلس النوّاب. ويقطع بطاقة one way ticket للرئيس الحريري ويعود فيتحالف معه عبر صهره في انتخابات 2018.
كلّ العداء بالأمس لسوريا تحوّل إلى صداقات تجسّدت عبر زيارات لوفود متكرّرة، وآخرها زيارات حجّ الوفود من الوزراء والمسؤولين الحزبيّين وغير الحزبيّين إلى سوريا مع الوزير السابق طارق الخطيب.
وفي هذا السياق رأى نائب قضاء بعبدا الحالي بيار بو عاصي في حديث لـ»نداء الوطن»، أنّ «النظام في سوريا يستعمل النازحين كورقة ضغط على دول الجوار وعلى أوروبا والمجتمع الدولي بشكل عام». وأن زيارة عون «تمّت من دون أن تعيد مفقوداً أو سجيناً لبنانياً واحداً إلى لبنان، أو نازحاً سورياً واحداً إلى سوريا. ولذلك فإنّ محور الممانعة في لبنان غير آبهٍ بتاتاً بعودة النازحين بل جلّ همِّه هو إعادة ربط لبنان سياسيّاً بالنظام السوري».
فلقد بات واضحاً اليوم الانقسام العمودي على مستوى الشارع اللبناني بين المشروعين المطروحين بكلّ وضوح: مشروع الرئيس عون وحليفه «حزب الله» بالتوجّه شرقاً، مع كلّ تبعات هذا التوجّه. ومشروع آخر يمثله حزب «القوات اللبنانيّة» وحلفاؤه السياديّون، ينادي بالحفاظ على وجه ووجهة لبنان العربيّين، وأفضل العلاقات مع العالم الحرّ، إضافة إلى إعلان حياد لبنان لعدم زجّه في الصراعات الإقليميّة التي لا طائل له باحتمال عواقبها.
تاريخ مليء بالتناقضات جعلت من تيّاره تيّاراً انهزاميّاً، والدليل في ذلك أنّ الذين تركوه يفوق عدد الذين ما زالوا يناصرونه. واليوم اللبنانيّون أمام اعترافهم بهذه الحقيقة، كي لا نقول الخديعة الكبرى، المطلوب اليوم واحد، وهو الاختيار بين المشروعين على القاعدة الوجوديّة للبنان كلّه، فهنا الإشكاليّة المطروحة في الخيار بين أن يكون أو لا يكون لبنان.