كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
خطة الكهرباء التي ولدت ميتة في العام 2010 «تتقمص» مع كل وزير طاقة جديد. فكما أطلق معمر القذافي اسم «عائشة» على جميع حارساته الشخصيات، وميّز بينهن بالأرقام، نستطيع أن نسمي حلول وزراء الطاقة لتأمين الكهرباء بخطة جبران باسيل على أن نميّز بينها بالسنوات.
تتميّز الخطة التي أطلقها وزير الطاقة جبران باسيل في العام 2011 وتكرّرت مع كل وزراء الطاقة اللاحقين بعنوانين عريضين:
– الحل الدائم ويتمثل ببناء المعامل (توسيع دير عمار، إنشاء سلعاتا..).
– الحل الموقت ويتمثل بالاستعانة بمصادر طاقة آنية على غرار البواخر، إلى حين إنجاز المعامل.
في ما عدا ذلك يصبح تفصيلاً «تُحشى» فيه الخطط لإضفاء الطابع الإصلاحي عليها، كعندما «اضطرت» خطة 2019 إلى الاعتراف بنسبة هدر 36 في المئة «على أعين» البنك الدولي. أو كما «حاولت» خطة 2022 الايحاء بأن سببي المشكلة هما: التعرفة المنخفضة، وتراجع الإنتاج. والحل الوحيد يكمن في رفعهما على حدّ سواء.
«الهيئة» أولاً
جوهر المشكلة هو بتضمين الخطط، مواربة أو جهاراً، «تعيين الهيئة الناظمة للكهرباء»، فيما الحل يبدأ بتطبيق القانون 462/2002 وتعيين الهيئة وإيكالها وضع الخطة المناسبة»، يقول مدير العمليات في شركة «ميدل إيست باور» المهندس يحيى مولود. و»طالما لا تبدأ الحلول بإنشاء الهيئة الناظمة للقطاع عبثاً نحاول إصلاح الكهرباء».
ضياع كامل
الدوران في «دوامة» خطة العام 2010 «يدوّخ» الداخل والخارج، ولا يُنتج كهرباء. فهذه الطريقة القائمة على الوعود، وإهمال مسألة الحوكمة والإدارة الرشيدة تدفع نحو أخذ الخيارات نفسها التي أثبتت فشلها. فمشكلة الكهرباء ليست تقنية، بقدر ما هي في العقلية التي يراد أن يدار بها القطاع. ولو كان يقدّر لهذا النمط من التفكير أن «يمطر» حلولاً للمشكلة، لكانت الوزارة الحالية «غيّمت» فوق القطاع حلولاً للفيول العراقي غير المطابق للمواصفات.
ففي الوقت الذي نُبرِم فيه الاتفاقيات الثلاثية، ونستجدي البنك الدولي من أجل تمويل ساعتي تغذية من الكهرباء الأردنية، خرج معملا الذوق والجية، اللذان يؤمنان 3 ساعات كهرباء، من الخدمة بسبب رداءة الفيول. ورغم كلّ المناشدات لوزارة الطاقة والمديرية العامة للنفط، لم تتم معالجة مشكلة المواصفات»، يقول مولود. وهذا ما يدفع للتأكد من أننا بحالة من الضياع الكامل التي لا يمكن لها أن تطبق أي حل. فخطط الوزارة ومشاريعها غير منسّقة ومتجانسة مع كهرباء لبنان، والمديرية العامة للنفط.
حسابات مشوهة
من ضمن ما تتضمّنه خطة العام 2022 لزيادة القدرة الإنتاجية في المرحلة الأولى لتأمين ما يقارب 10 ساعات تغذية يومياً بالاستناد إلى 3 عناصر:
– عقد الفيول العراقي الذي ينتج منه 500 ميغاواط، ويؤمن تغذية تتراوح بين ساعتين و4 ساعات في الأربع وعشرين ساعة.
– إستيراد الكهرباء من الأردن بمعدل 200 ميغاواط، تؤمن ساعتين من التغذية.
– إستجرار الغاز من مصر إلى معمل دير عمار الذي ينتج بحدود 450 ميغاواطاً، ويرفع التغذية إلى حدود 4 ساعات.
أمران غابا عن حسابات وزير الطاقة، أو جرى تجاهلهما، في إطار تسويق الخطة، هما:
الأول، أن عقد الفيول العراقي ينتهي في أيلول هذا العام، أي بعد 6 أشهر فقط على بدء استيراد الكهرباء من الأردن والغاز من مصر. وبغض النظر عن رداءة الفيول المستورد ومساهمته في انخفاض الإنتاج، تعتري تجديد الإتفاق معوقات مالية وسياسية قد تفضي إلى عدم تجديد العقد. وعليه فإن المرحلة الأولى ستخسر فوراً 500 ميغاواط في حال لم يتجدد العقد.
الثاني، أن استيراد الغاز من مصر لا يزيد الإنتاج في معمل دير عمار، لأنه في الأساس ينتج 450 ميغاواطاً بتشغيله على الفيول. وأن الهدف من الانتقال إلى الغاز هو تخفيض الكلفة وتخفيف التلوث. مع العلم أنه من الصعب في ظل الوضع الحالي تحمّل استيراد 70 ألف طن فيول شهرياً لتشغيل المعامل الحرارية وتأمين ثمن الغاز المستورد من مصر في الوقت نفسه.
على هذا الأساس، فإن القدرة الإنتاجية القصوى في المرحلة الأولى ستكون 650 ميغاواطاً لا ينتج عنها أكثر من 5 ساعات تغذية.
العودة إلى سلعاتا والحلول الموقتة
كسابقاتها لم تخلُ الخطة من إدراج الحل الموقت في المرحلة الثانية، التي من المفترض بها أن تكون الأولى، حيث نصّت على الاستعانة بمعامل موقتة لحين تصبح الوحدات الجديدة المنوي إضافتها في دير عمار ومحطة التغويز لمعمل الزهراني جاهزة. وهذا ما تعتبره مصادر متابعة استنساخاً لتجربة البواخر. حيث نأتي بالحل الموقت ليصبح دائماً مع عدم تنفيذ الخطة.
الوصول إلى 24/7 كهرباء يتطلب بحسب الخطة بناء معمل في سلعاتا في المرحلة الثانية، والاعتماد بنسبة 30 في المئة على الطاقة النظيفة. وهذا ما يتعارض مع خطة كهرباء فرنسا التي أوردت أن لا حاجة نهائياً لمعمل سلعاتا، وركّزت على ضرورة الوصول إلى إنتاج 40 في المئة من الطاقة النظيفة في غضون 5 سنوات تنتهي في العام 2025. كما بيّنت دراسة حديثة لـ»الجمعية اللبنانية للطاقة المتجددة»، أن بإمكان لبنان إنتاج 50 في المئة من حاجاته أي ما يعادل 1500 ميغاواط بشكل سريع جداً وبالاعتماد على مشاعات الدولة فقط.
التعرفة غير كافية
كلفة التعرفة النهائية في الخطة مقدرة بـ 9.7 سنتات أو ما يعادل 2088 ليرة على سعر السوق اليوم، وهو سعر ليس مرتفعاً. لكن على الأكيد فإن هذه التعرفة لا تؤمّن التوازن المالي للمؤسسة، خصوصاً في المرحلة الأولية. إذ إن «متوسط كلفة الإنتاج في معامل الفيول بلغ 14 سنتاً في خطة العام 2019 عندما كان سعر برميل النفط 71 دولاراً»، بحسب مولود. و»ذلك باستثناء معملي الذوق والجية اللذين تبلغ كلفة إنتاج الكيلوواط فيهما حوالى 10.9 في المئة». وبالتالي فإن وصول سعر برميل النفط إلى حدود 100 دولار، والتوقع بألا ينخفض طوال هذا العام عن 85 دولاراً، يجعلان، بصدور أي تعرفة تحت 14 سنتاً بالحد الأدنى، كهرباء لبنان تتحمّل خسائر كبيرة، ولا سيما إن لم يتم تسريع الانتقال نحو الإنتاج على الغاز في المعامل المجهزة (دير عمار، الزهراني، المعامل العكسية في الذوق والجية)، والتوسع بإنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة (هواء عكار ومشاريع الطاقة الشمسية بواسطة المشاعات الحكومية)، وصيانة وتفعيل المعامل الستة عشر التي تعمل على الطاقة الهيدروليكية (الكهرومائية) مثل (رشميا، قاديشا، وادي العرايش… وغيرها). من هنا يرى مولود أن «هدف الخطة يجب ألا ينحصر بكمية الإنتاج فقط، إنما بسعره، وهو ما يتطلب وجود هيئة ناظمة مستقلة تنسق مع القطاع الخاص وتنظيم السوق لتؤمن إنتاجاً أكبر بسعر أقل، وليكون الفرق بين سعر الانتاج والتوزيع لمصلحة الأخير، وإلا ستضطر شركة الكهرباء للعودة إلى الاستدانة من الدولة، والدولة من مصرف لبنان، والأخير يؤمن الأموال ممّا تبقى من ودائع».
الهدر 57%
لا يكفي أن تعترف خطة 2022 بالعجز الهائل الذي بلغ بحسب وزير الطاقة 57 في المئة (18% تقني، 27% سرقة و12% فواتير غير محصّلة)، بل المطلوب معالجة هذا الهدر، وتحديداً لجهة استكمال تركيب العدادات الذكية وإلغاء الحواجز البيروقراطية التي تعيق عمليات التوزيع والتحصيل.
الانتهاء من أزمة الكهرباء لمرّة واحدة ونهائيّة يكون بتطبيق القانون 462 وتعيين الهيئة الناظمة للقطاع، عدا ذلك فإن كل المشاريع ستبقى في إطار الصفقات المشبوهة للاستفادة الضيقة على حساب القطاع والمواطنين.